أ.د. عبد الله السيد (*)
دفعني إلى التدوين عن التعليم في هذه الظرفية حدثان:
أولهما: حديث معالي الوزير الأول لوسائل الإعلام الوطنية، وما تضمنه من بشارة؛ مؤداها أن وزارة التعليم الأساسي وإصلاح التعليم متقدمة في وضع إصلاح حقيقي لمنظومتنا التربوية، ينتظر الشروع فيه قريبا.
الثاني: تعليق وزير التعليم الثانوي على البيان المشترك بين وزارات التعليم بخصوص تغيير المناهج، وتصريحه بأنهم عاكفون على إعداد بعض الكتب خلال ثلاثة أشهر.
فلقد أثلج صدري أن يكون الإصلاح قد تم فعلا خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا من عمل الحكومة، وفي غمرة الانشغال الكبير الذي وجه الجميع إلى المشاكل التي أثارتها هذه الجائحة، لكن أصابتني في نفس الوقت نوبة عارمة من سوء ظن الشفيق؛ لعل مردها الأول شعوري بأن إصلاح أية منظومة تربوية ليس عملا إداريا؛ يتم تخطيطه وتنظيمه من قبل الجهاز الحكومي، بقدر ما هو عمل خبراء مستقلين عن الأجهزة، مزودين بالمعطيات، مدركين للأولويات، منفتحين على آراء المجتمع، ومتطلبات التنمية.
هؤلاء الخبراء تختارهم الحكومة بعناية، ووفق معايير واضحة، وتوكل لهم مهمة وضع خطة الإصلاح المنشودة. وفي نظري أن هذه الخطة تكون جادة ومفيدة للمجتمع حاضره ومستقبله إذا تضمنت:
1- مجانية المدرسة الأساسية والثانوية، وتوحيدها، وإلزاميتها: إن المدرسة لم تستطع بعد أن تكون لنا جيلا متجانسا؛ لأن بعضنا لا يدخل أبناءه المدرسة إطلاقا بحجج مختلفة: فهو يريدهم للمحظرة، أو يحتاجهم للعمل، وبعضنا يكون أبناءه في مدارس أجنبية غالية التكاليف، وبعضنا يختار مدارس خصوصية دون ذلك، وبعضنا يعتمد على المدارس العمومية رمز الإهمال؛ وبالتالي يتخرج لنا جيل غير متجانس، ولا مؤهل، فنؤسس، بوعي أو بغير وعي، لفشل تنميتنا، وانهيار مجتمعنا.
2- تحسين ظروف التعليم: ويشمل: العناية بالمدرس ماديا ومعنويا، والاهتمام بالمدرسة فضاء وتجهيزا وإدارة، والحرص على إعداد الدعامات التربوية بما فيها الكتاب إعدادا جيدا، وتوفيرها.
3- وجود آلية فاعلة للمتابعة والرقابة والجودة: مستقلة عن إدارة التفتيش، والإدارة الجهوية؛ تتوفر لها الإمكانيات البشرية والمادية والتشريعية للقيام بمهمتها.
وقصارى القول نتمنى أن تكون خطة الإصلاح المنشود قادرة على أن تزيل من واقعنا مناظر:
- أطفال يتسولون وقت الدراسة عند ملتقيات الطرق، أو يعتلون عربات الحمير بحثا عن لقمة العيش، أو يمنعون من ولوج المدرسة لأنها غير مفيدة للدنيا ولا للآخرة.
- مدرسين تضطرهم الظروف إلى التحايل ليحافظوا على رواتبهم في المدرسة، ويجدوا مصدرا آخر للدخل خارجها.
- مدارس مبنية بشكل عمراني يعكس الاستهانة بالتعليم، ومجهزة بصورة يمكن أن نقرأ فيها كل شيء سوى إرادة الإصلاح.
يتواصل إن شاء الله
____
(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط