البروفيسور عبد الله السيد (*)
هل يستطيع نذرو فعلها؟!
تتعالى الأصوات هذه الأيام على وسائل التواصل الاجتماعي، مسموعة ومكتوبة، محملة معالي وزير الصحة مسؤولية انتشار الفيروس، والعجز عن فعل أي شيء، مطالبة بإقالته أو استقالته. وقد تكون هذه الأصوات، كلا أو بعضا، صادقة مع نفسها، متيقنة أن ذلك هو عين الصواب.
وفي المقابل هناك طائفة أخرى داعمة، بحماس لا نظير له، للإجراءات التي اتخذها الرجل منذ توليه لحقيبة الصحة؛ مؤملة فيها بداية الخلاص من عشريات عجاف توالت على هذا القطاع منذ القرار الذي اتخذ سنة ١٩٨٤ بفتح هذا القطاع أمام الخصوصيين؛ فانتشر تزوير الأدوية، والفحوص، والأطباء، والممرضين، والأجهزة، واستنساخ النظم والإجراءات التنظيمية من سياقات بعيدة عن سياق مجتمعنا وواقعه.
لم تذهب للقطاع استثمارات الخصوصيين، وذهبت صحة مواطني "مدينة الرياح" تذروها الأرياح شمالا وجنوبا؛ فاستوطنت بذور الموت أدوية الحيوان، وأسمدة النخيل، ولقاحات الرضع، وأدوية البشر، وعششت في نتائج أجهزة الفحوص التي استجلبت ضمن تجارة المواد منتهية الصلاحية التي تتدفق علينا أغذية وملابس من كل فجاج الدنيا.
هكذا ضاع قطاع الصحة كما ضاع قطاع التعليم ولا قوام له إلا بإصلاحات "راديكالية" جريئة تمس المصالح الفردية، وتخلف "ضحايا" كونوا ثروات طائلة، وعلاقات كثيرة عبر الفترات السابقة فهل نستطيع فعل هذه الإصلاحات؟
في نظري أن معالي وزير الصحة، بالرغم من كفاءته ووطنيته، لا يستطيع لوحده القيام بهذه الإصلاحات؛ لأنها تتطلب إرادة صارمة من فخامة الرئيس، وتشريعات يقرها البرلمان، ونخبة حية من الموالاة والمعارضة تقتنع بأن القطاع لن يكون فاعلا بدونها.
أجل ينبغي أن يعلن الرئيس التراجع عن تخصيص قطاع الصحة، وتأميم الحكومة كل المصحات والصيدليات، والتعويض لأصحابها تعويضا مجزيا، وتحسين رواتب عمال الصحة تحسينا يعوضهم الخدمات التي كانوا يحصلون عليها من تلك العيادات والصيدليات، وتسيير البنية القائمة تسييرا معقلنا وحكيما، ولا مانع من أن يكون لبعض العيادات امتيازات خاصة، ورسوم يدفعها الميسورون كما هو الحال الآن في مستشفى أمراض القلب.
وفي مرحلة انتقالية تقوم الدولة بتسيير البنية القائمة، وهي تخطط، وتنفذ لإصلاح هذا القطاع إصلاحا جذريا بتكوين الأطباء واكتتابهم، والتعاقد مع بعضهم، والتفكير في توفير الدواء وحفظه بطرق صحية وآمنة، وتحسين ظروف البيطرة والزراعة والمياه والنظافة، واعتماد سياسة وطنية في مجال التوعية الصحية؛ لأن هذه الأمور هي مرتكز الصحة الأساسي.
وإذا استمرت الأحوال على ما هي عليه من ميعة، تغيب فيها الدولة حيث يجب أن تكون؛ فلا غرابة أن تربو "عيادات" الرقيا باسم "الشرع"، وتتكاثر دكاكين بيع الأعشاب الضارة والنافعة باسم "الطب البديل" أو "الأصيل"، ويهرع الناس طرقا لأبواب صحة الدول المجاورة وغير المجاورة في مشاهد غير مشرفة لنا.
____
____
(*) مثقف وأكاديمي موريتاني كبير ومدير بيت الشعر في نواكشوط