زقزقة عصفور خلف شباك نافذتي..أيقظتني وأنا في إغفاءة ما بعد الصبح ..تنبهت له ولحركاته ..أصغيت اليه جيدا..جلست أراقبه.. زاد اصغائي مواء قطة على الأرض مقابل النافذة يبدو أن قد أصابها هم أو تبحث عن خليل فقدته ..فكرت جيدا في خلق الله وكيفية تنوعه ..أطلقت زفرة ثم العنان للتبصر في هذا الهدوء الذي يسود المكان من حولي وأصوات هذه المخلوقات وخلقها.. رغم ما يعتريني من احساس بالخوف وعدم الاطمئنان همستْ لي الحياةُ في لحظتي تلك : لم الخوف؟ وأنشدتني لحنا جديدا وعزفت سيمفونية أمل جميلة على لحن أوتار التفكر في الوجود والفناء والبعث والخلق والأمل ..وقفت ..اقتربت من النافذة ..تأملت في حركات العصفور الجميل الذي كاد أن يغادر وكأنه أحس بي وبما أنا فيه ..كيف يطير..كيف يجد رزقه .. وكيف..وكيف.. وأخيرا تمتمت رباه مالي لا أسائل نفسي ألست أنا من خلقكِ مثل هذا الطائر؟ من يحميني من يرزقني ..من يشفيني اذا مرضت..من يحفظني سواك ؟!!!..ابتسمت لكنها كانت ابتسامة يتنازعها الحزن والفرح .. الحزن على وطن يتجرع المعاناة ويقف في معركة شرسة على غرار العالم أجمع مع كائن لم تعرف طبيعته بعد ، و على أرواح مواطنين طاهرة غادرتنا دون وداع بسبب الفيروس اللعين ، والفرح بأن الفرج آتٍ لامحالة وأن أياما جميلة خالية من الخوف والمرض قادمة بإذنه.. فهو القائل "إن مع العسر يسرا"..
كل فجر تحلق عشرات العصافير على نافذتي تملأ الجو زقزقة... ذات الرنة التي تخالطني في القافية... غالبا هي تلحنُ.. تبدأ بمقام "الصبا"... قبل أن تبعث في "النهاوند" رسائل الودِّ، وقد تؤذن في "الحجاز" ثم تنقر في "البيات" أناشيد وجد.. لقد حيرتني لماذا تختارني وتيمم نافذةَ غرفتي من بين منازلِ الجيرانِ... تيقنتُ أنها يمامات "بالجوى تعرفني".. غير أن السرَّ انكشف لما عرفت أنها يممت نافذتي الزجاجية متخيلة أنها ماء.. إنها تراها قطعة من غدير معلق على الجدار.. فتنقرُ وتغني.. مرفرفة بروح نايات خالدة.
بلغي عصافيركَ تحياتي وأخبريها أنها تغرد من نوافذَ متفرقة.