محمدُّ ولد إشدو
في الحلقة الماضية تناولنا متطلبات أعباء الحجر المنزلي التام، الذي ثبت بالتجربة العملية أنه يشكل أنجع وسيلة للوقاية من الوباء، حتى لدى الأمم القوية المتقدمة؛ ناهيك عن تلك الضعيفة التي ما تزال في طريق النمو.
وفي هذه الحلقة سنتناول متطلبات أعباء كشف المرض وعلاجه التي ورد ذكرها على سبيل الوجوب في النقطة الثالثة من الرسالة المفتوحة على النحو التالي:
3. "تعبئة جزء كبير من الإمكانيات لتوفير الأمور الضرورية التالية:
أ. الكمامات الواقية، وأجهزة المعاينة والفحص، وأجهزة التنفس، بأعداد كبيرة جدا، حسب الإمكان.
ب. تجهيز 4 مستشفيات ميدانية كبيرة يحتوي كل واحد منها على 50 سرير عناية مركزة، تكون موزعة بين شرق البلاد وجنوبها وشمالها ومدينة انواكشوط. وتجربة مستشفى الجيش الميداني في ألاگ رائدة في هذا المجال.
ج. توفير أكبر كمية من الأدوية المستخدمة حتى الآن لمواجهة هذا الوباء (الفرنسية والصينية والكوبية والروسية المعلن عنها اليوم)".
فهل كانت هذه الأثافي ضرورية أصلا؟ وهل ما تزال ضرورية في حالتنا الراهنة التي تتسم بالاستقرار النسبي ولله الحمد؟
يرى بعض المتابعين لشأن كورونا في بلادنا؛ وخاصة أولئك الذين يؤثرون صحة الاقتصاد وبقاء التواصل والانفتاح على صحة وسلامة وحياة الإنسان، اقتداء ببعض الغربيين، أن الأوضاع مستقرة لدينا؛ وبالتالي فلا داعي لكثير من الحجر ومن التكاليف المادية في الصحة والعلاج.. إلى آخر ذلك!
ولكن الغالبية العظمى منا والحمد لله؛ بمن فيها من بيدهم الأمر، ترى غير ذلك، وتفضل الأخذ بجانب الحزم والحيطة واستباق الأوضاع، بغية السيطرة على هذا العدو وإنقاذ أرواح كافة أهلنا من فتكه. وقد أصبح هذا الرأي سائدا اليوم في العالم كله؛ بما فيه الغرب الذي كان مترددا حتى بعد تفشي الوباء في ربوعه، إلى درجة أصبح معها كارثة رهيبة. وقد عزز هذا الرأي ما توصل إليه الخبراء - حتى في الصين التي تعافت من الوباء- من تأكد احتمال ظهور موجة عدوى جديدة منه!
لكن تبني هذا الرأي لا يكفي وحده؛ بل لا بد من ترجمته إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع. ويكون ذلك بالأخذ - على الأقل- بالأمور المذكورة فوق؛ والمتعلقة بالاستعداد لما تتطلبه منازلة هذا العدو من وسائل وقاية وكشف وكشف مبكر وعلاج حديثة، ومستشفيات مجهزة أحدث وأحسن تجهيز، وطاقم طبي مسوَّم وماهر ومخلص ومحمي ومحفز، وأدوية من آخر ما انعقد عليه الإجماع.
فعلينا أن نعد له ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل، كما أمرنا الله عز وجل في مواجهة أعدائنا! وصدق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في أمره السامي لقائد سرية يتربص بها العدو: "يا سارية الجبل، من ترك الحزم ذل"! ويقول مثلنا المحلي: "وافي، ألا خاص"!
فأن نتخذ شروط الشح في الرخاء في وقت مناسب، خير من أن نسوّف ونتكل ونتهاون ونتقاعس عن الإنفاق والبذل الآن؛ ثم إذا جرت الرياح بما لا نشتهي (لا قدر الله) لا يبقى بأيدينا سوى الندم وعض الأصابع بعد فوات الأوان!
يتبع