د. عبد السلام ولد حرمة
في ذكرى هذا اليوم الراشح بالأسى ووجيب الحزن والمرارة وانفلات غرائز الوحوش من غاباتها، وحوشٌ اختارت الساعات الأولى من يوم التاسع من نيسان 2003 لتجتاح عاصمة الخلافة وسط عواصف الأضاليل الهوجاء وطمس الحقائق والانحطاط اللامتناهي في قيم الانسان واستمرائه للزيف واطفاء شهوة القتل والابادة موجة بعد موجة .
فبعد ان عاشت بغداد السنوات الأولى من عقدها الثاني في صقيع العزلة وعراءات الحصار والتآمر وظلت تستبسل وتقاوم من خندق الى خندق، ومن قاطع الى قاطع واستمرت من تحت رماد المحنة ضفافُ نهرها تضيئ قصص البطولة وتفيض شوارعها أرتال العزة والشموخ المستمر، وسط عالم عواصمه تترنح في الهزيمة والخوف.
وحدها بقيت بغداد ترفض الاستسلام والتهديد والابتزاز وتفضل الموت وقوفا، قبل اللحظة الرجيمة التي هَوَتْ فيها بين مخالب من يعشقون الذبح والانتقام لنقصهم التاريخي والحضاري..
من يتوقون أن تبقى الحضارة بلا أصل وتُنتزعُ الجذور وينتهي دور الكواكب وتخبوا النجوم ويغطي الظلام وجه النهار، وتنضب ينابيع الأنهار ويزول أساس الجدار ، ويجف الصدر فلا يعيش الوليد.
هَوَتْ بغداد في لحظة عابسة كؤودة من لحظات التاريخ العربي تحت أقدام الغزاة وبقيت تتقاسمها نِحلُ الاحتلال والغزو الأشد وقاحة، تحيل كل يوم مساحات من تلال العراق وسهوله الخصبة الى مقابر جماعية، وتزرع الفتن والحقد الطائفي، بدل الخير العميم الذي كانت بذوره سهلة الارتواء من كل طينة من طين ارض السواد، وكل شبر على ضفاف رافديه، وهما يوزعان موجهما الأزلي الكريم من نينوى حتى شط العرب.
لقد أعادت هذه الذكرى في نفوس العالم ما قام به هولاكو 1258 ، وأيقظت كل ذكرى سيئة حزينة ارتُكبتْ بحق الانسان والحضارة والقيم السماوية، وصارت موقظة لكل حزن وغم حتى انها الْيَوْم تنهض هما وحزنا لم يستطع إخفاءه ركام الحزن والخوف الناجمين عن وباء يفتك ويقتل دون رحمة كما قتل غزاة بغداد ومحتلوها دون رحمة وشفقة، وصارت تنطبق عليها ابعد من ذلك ابيات متمم بن نويرة يرثي اخاه مالكا :
لقد لأمني عند القبور على البكا ^^رفيقي لِتذرافِ الدموع السوافِك
فقال أتبكي كل قبر رأيته^^ لقبر ثوى بين اللوى والدكادك
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى^^ ذَروني فهذا كله قبر مالك