مع اقتراب ذكرى الإحتفال بتأسيس حزب البعث العربي الإشتركي الثالثة والسبعون
من أسرار حيوية البعث
بقلم المفكر والباحث القومي
الدكتور حسن طوالبه
الانسان خلقه الله في احسن صورة , وكرمه على باقي من خلق من قبل , وامرهم بالسجود له . وعليه فان اية نظرية خاصة بهذا الانسان لابد وان تكون نظرية حية متطورة ترفض الجمود . لان الانسان قيمة عليا في المجتمع وفي الحياة كلها . وقد ادرك البعث هذه الحقيقة وفهم سر الحياة البشرية , وحقيقة خلق الانسان والحياة معا ولذلك كانت حركة البعث مدركة لسر هذه الحياة ومعبرة عن طموح الامة التي اعزها الله ومنحها كل مقومات القوة الروحية , وبها انتصرت على قوى الطغيان والظلم , انتصرت في معارك غير متكافئة في العدد والعتاد , لانها تملك الارادة والايمان الصادق والعزم على الجهاد من اجل الرسالة الخالدة .
اضطلع البعث منذ البداية بعمل تاريخي عظيم شبهه القائد المؤسس رحمه الله بالبحر المتحرك القادر على قذف الشوائب الى الشاطئ , فالبحر يختلف عن الساقية التي لا تستطيع ان تتخلص من الشوائب ولا ان تروي الامة في ظمأئها عندما يشتد بها العطش . فمنذ البداية نذر البعث نفسه لعمل تاريخي كبير , فلم يقبل باهداف محدودة او دور محدود , لان الله تعالى اراد للامة دورا تاريخيا مميزا في نشر رسالة الاسلام , وبناء حضارة عريقة امدت البشرية بمعين الرقي والثقافة .
ولما كانت الحياة في احد اسرارها انها حركة دائمة لا تعرف التوقف باذن الله , فان من واجب الحركة الحية ان تضطلع بدور تاريخي , اكثر حيوية وحركة , فلا ترضى بالجمود والتوقف , لانها حركة ترفض ان تكون خارج الحياة وخارج حركة التاريخ .
قراءة في فكر البعث واستجلاء محطات نضاله الطويل يكشفان عن اقوى سر بقاء حيويته وديمومته هو امتلاكه منذ نشأته قوة الروح وقوة الايمان وقوة التصميم , فبقاء البعث طيلة سبعة عقود مضت وحفاظه على حيويته هو نتيجة الايمان والروح والمعاناة التي عاناها البعثيون في مسيرتهم الجهادية , فقد سقط الوف الشباب شهداء على درب النضال , اضافة الى معاناتهم من السلطات الرسمية القمعية , سواء بالاعتقال والسجن او الحرمان من الوظائف او المطاردة داخل الوطن . وبالايمان تمكن البعثيون من مواجهة التحديات الانف ذكرها , وظل رائدهم الامل والتفاؤل .
الايمان ليست مقولة للمذاكرة , بل هو احد اشتراطات ديمومة البعث وبقاء حيويته . ولا يمكن الاستغناء عن الايمان لانه هو الشرط الرئيس للنجاح . فالذي ارتضى ان يكون عضوا في البعث وينال شرف الانتماء اليه لابد ان يعمر قلبه بالايمان العميق بمبادئ البعث واهدافه النبيلة , فالايمان يخلق الثقة والاندفاع ثم تتطور المعرفة بمبادئ البعث خطوة خطوة , حتى ينمو المناضل في صفوف الحزب ويكون مؤهلا لحمل رسالته الخالدة .
ومن الاشتراطات تقدير دور الفرد المنتمي , لانه ضمن الامة واحد مكوناتها ولابد ان يحتفظ بحيويته واستقلاله في التفكير , فهو مناضل يتسم بصفاء النفس وينشد المعنى وراء اللفظ ويبحث عن الشئ الحي وراء التعبير العام . وكلماء حفظ الحزب للفرد حريته وقدر دوره في التنظيم وفي الحياة ووضعه في المقام الاول في سلم اهتماماته واصبح قيمة عليا في المجتمع , فهذا الفرد سيظل قادرا على الاحتفاظ بسمات النضال والخلق والابداع حتى وان سار مع المجموع العام في المجتمع . بالحرية والاستقلال نضمن وحدة الارادة وتصريف الارادة مكانا وزمانا , وبالتالي نضمن ان يظل البعثي حاضرا في ساحات النضال والتضحية ومستعد للبذل والعطاء في سبيل المبادئ التي امن بها . ولنا في النموذج العملي في العراق بعد 2003 , فرغم كل اساليب القمع التي مارسها نظام الحكم التابع لملالي ايران والادارة الامريكية , وقتل الالوف من البعثيين واعتقال مثلهم وتشريد الملايين منهم الا انهم تمسكوا بالمبادئ النضالية وتمكنوا من اجبار القوات الامريكية على الانسحاب من العراق 2011 . وما زال البعثيون يحملون راية الجهاد ضد المحتلين الفرس الصفويين . ويقفون سدا بوجه التيار الطائفي الذي ينفذه اعوان ملالي ايران في العراق .
ان الاهتمام بالفرد اضافة الى فهم سر خلقه ومنحه القيمة العليا التي يستحقها ,هو لاستخراج كل الممكنات في ذاته وتحويلها الى خلق وابداع . فكلما حافظ اعضاء الحزب على حيويتهم ظلوا في مرحلة العطاء ولا يغادرون عهد البطولة في وقت مبكر قبل الاوان . بل يستمر عطاؤهم وتضحياتهم الى مرحلة متأخرة من عمرهم . ويظل الحزب شابا حيويا وان وصل اعضاءه الى مرحلة الشيخوخة .
ويظل السؤال مطروحا لماذا ظل البعث صامدا قويا في العراق والوطن العربي رغم محاولات التطويق والتشويه والتامر ؟ .
اول سبب في بقاء البعث يكمن في حيوية فكرته المعبرة عن سر حيوية الامة ذاتها .ويكمن نجاح البعث في انه وعى وعيا كاملا هويته النضالية التاريخية كونه نتاج هذه الامة . فالامة هي الاصل والبعث هو التعبير الحي والكبير عن ذات الامة وعن حيويتها وطاقاتها الخلاقة . فالبعث منذ ولادته كان فكرة شعبية تعتبر الشعب اساسا واصلا في بناء الامة وفي حمل القضية القومية . فهو بالتالي حزب تاريخي لانه نشأ من الامة ومن تاريخها وتراثها . وقد حرص البعث على ان تظل فكرته بحاجة ملحة الى تجديد , تجديد في نضاله وتنظيمه ويعمل من اجل الامة ومن اجل مستقبلها وهو ما يجسده البعث في العراق اليوم , فهو المدافع عن عروبته وتاريخه وتراثه بوجه الطائفيين الذين يعملون على طمس عروبة العراق لصالح نظرية ولاية الفقيه .
ومن اسرار بقاء البعث متوهجا انه يؤمن بالتجديد في النضال وفي التنظيم , كما انه يؤمن بالانسانية فلم ينسى هذا السر وهو في اشد الازمات والتحديات فلم يثأر منتقما من العدو المقابل , بل ظلت الانسانية ماثلة في تصرف الاعضاء المنتمين للحزب . واعظم سر في البقاء هو الايمان بالله الواحد الاحد وبالقضاء والقدر خيره وشره . والايمان بحتمية انتصار الحق على الباطل .
في ذكرى تاسيس البعث نترحم على شهداء البعث وفي مقدمتهم الرفيق الشهيد صدام حسين ورفاقه الميامين . وكل شهداء البعث والجيش الوطني .
والتحية لكل المجاهدين الذين جسدوا سر حيوية البعث في العراق وكل المجاهدين الذين يواجهون الطائفيين الحاقدين على الامة العربية .
والتحية للرفيق المجاهد عزت ابراهيم الامين العام للحزب قائد المجاهدين العرب .والمجد العزة للبعث المجاهد والخزي والعار لاعداء الامة العربية من صفويين واعوانهم الخونة.