المصدر: الاتحاد (الإماراتية)
أجرى الحوار : حمد الكعبي
الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى موريتانيا عام 1974، كانت حاضرة بقوة في حوارنا مع فخامة محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة الذي يقوم بزيارة رسمية للدولة حالياً.
استذكر فخامته في حديثه مع «الاتحاد» الدور المهم والبارز لتلك الزيارة في وضع الأسس القوية للعلاقات بين البلدين وشعبيهما الشقيقين، والتي تمتد على مدى نصف قرن، مؤكداً أن العلاقات الإماراتية - الموريتانية وطيدة، وقائمة على الاحترام والتعاون، تغذيها روابط عميقة ومتنوعة من الدين واللغة والهوية الحضارية المشتركة. زيارة الغزواني الحالية للدولة استثنائية لاعتبارات عدة، أهمها، أنها أول زيارة له إلى بلد عربي منذ انتخابه رئيساً للجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة، قبل أشهر عدة، كما أنها أثمرت الكثير من الخير للبلدين والشعبين الشقيقين، بما شهدته من تبادل اتفاقيات، ومذكرات تفاهم استهدفت تعزيز التعاون وتنويع آفاقه بين البلدين في الإعفاء المتبادل من التأشيرات، والمجالات التعليمية والعسكرية والفنية والأمنية والتنموية والاستثمارية، إضافة إلى المجالات الإنسانية والرعاية الاجتماعية. كما جاءت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بتخصيص ملياري دولار لإقامة مشاريع استثمارية وتنموية وقروض ميسّرة لموريتانيا، لتجسد حرص الإمارات على دعم الأشقاء، ما يجعلها من أكثر البلدان دعماً للاقتصاد الموريتاني، وهو ما عبّر عنه ضيف البلاد الكبير في حوارنا معه، والذي أجاب خلاله عن تساؤلات «الاتحاد» حول آفاق الشراكة والتعاون بين البلدين، مستعرضاً أفضل الطرق لتعميم نموذج الإمارات في التنمية وترسيخ الاستقرار والازدهار والتعاون للخروج بالمنطقة من تحديات المرحلة إلى أفق جديد من الشراكات البناءة والتعاون والتضامن، والفرص الاستثمارية والاقتصادية الواعدة في بلاده. كما تحدث فخامته عن رؤية بلاده في سبل الحد من التدخلات الأجنبية في المنطقة العربية، والحفاظ على وحدة الصف العربي، وتعزيز دور النظام الإقليمي العربي، وكيف يرى توابع ما يسمى بـ «الربيع العربي»، مشيراً إلى أن بلاده واجهت «العاصفة» بالتنمية الشاملة، وتثبيت ركائز دولة القانون والمؤسسات.
وفي ما يلي نص الحوار:
* في ضوء نتائج زيارتكم الناجحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ما هي آفاق علاقات الشراكة والتعاون بين البلدين على المستويات السياسية والاقتصادية؟
** العلاقات الموريتانية- الإماراتية وطيدة قائمة على الاحترام والتعاون، تغذيها روابط عميقة ومتنوعة من الدين واللغة والهوية الحضارية المشتركة، ويظهر ذلك جلياً في قوة التعاون الثنائي بين البلدين، وتطابق الرؤى والمواقف من مجمل القضايا العربية والإقليمية والدولية لدى القيادتين.
وكان لزيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمة الله عليه، الدور البارز في الارتقاء بهذه العلاقات إلى أعلى المستويات، هذه زيارة ما زالت حتى الآن في ذاكرة الموريتانيين الذين كانوا موجودين آنذاك، وحتى في ذاكرة الذين لم يكونوا موجودين لأن آباءهم وأمهاتهم أخبروهم عنها، وعن الدور الذي لعبته في تكوين هذه العلاقات التي تتجلى في حفاوة الاستقبال خلال زيارتنا الحالية لهذه الدولة العزيزة علينا وكل الموريتانيين، ويؤكد ذلك ما وقعناه أثناء الزيارة، من مذكرات تفاهم، وما أعلنته الحكومة الإماراتية، بمناسبتها، من تخصيص ملياري دولار لإقامة مشاريع استثمارية وتنموية وقروض ميسرة في موريتانيا. كما يغطي تعاوننا الثنائي، حالياً، مجالات متعددة، من بينها الزراعة والطاقة والأمن والثقافة والنقل، ونحن مصممون، بعون الله، على تعميق هذا التعاون، كما سيتضح من خلال أعمال اللجنة المشتركة الموريتانية- الإماراتية للتعاون التي ستنعقد دورتها الثانية في بلادنا يومي 11 و12 من شهر مارس المقبل برئاسة مشتركة من وزيري الخارجية. أما على المستوى السياسي، فإن رؤى ومواقف البلدين، كما سبق أن أشرت إلى ذلك، متطابقة بخصوص أبرز القضايا العربية والإقليمية والدولية، ونحن نقف دوماً إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة كل ما يمكن أن يهدد أمنها واستقرارها.
الإمارات النموذج
* برأيكم ما هي أفضل الطرق لتعميم نموذج الإمارات في التنمية وترسيخ الاستقرار والازدهار والتعاون للخروج بالمنطقة من تحديات المرحلة إلى أفق جديد من الشراكات البناءة والتعاون والتضامن؟
** النموذج الإماراتي فريد، بحق، في ترسيخ الاستقرار وفي الإنماء والازدهار، ويبعث برسالة فحواها أن التمسك بقيم التسامح والانفتاح والإقبال على العلم والعمل لتحقيق تنمية مستدامة شاملة هو السبيل الوحيد للحاق بركب الأمم المتطورة والحفاظ على الأمن والاستقرار، والخروج بالمنطقة من تحديات المرحلة إلى أفق جديد من الشراكات البناءة والتعاون والتضامن.
النموذج الإماراتي يستهدف الإنسان أولاً، ويأخذ بعين الاعتبار التنمية البشرية والتعليم والمعرفة والاعتماد عليها من الناحية الأخلاقية، كما يعتمد على التسامح والتنوع والانفتاح تجاه الجميع، وهذا النموذج نفتخر به، كدروس لمنطقتنا ومجتمعاتنا العربية، لأن نتائجه كفيلة بأن تجعل الإمارات في مصاف الدول المتطورة، لأنها حددت الأهداف، واتبعت الأساليب والطرق التي من خلالها يمكن أن توصلنا لهذا الأداء.
فرص استثمارية
* ما الفرص الاستثمارية والاقتصادية التي ترونها واعدة في موريتانيا، وفي أي القطاعات الاقتصادية، وهل من لمحة عن سياسة الاستثمار في موريتانيا؟
** موريتانيا، بحكم موقعها الاستراتيجي، وما تزخر به أرضها من ثروات طبيعية، وما تمتلكه من مجالات استثمار واعدة في مجالات الطاقة والصناعات الاستخراجية والنقل والزراعة صالحة لأن تصير إحدى الوجهات المفضلة للاستثمارات العربية والأجنبية، لا سيما أننا اتخذنا مؤخراً، العديد من الإجراءات لتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات. فعلى سبيل المثال، تم وضع مدونة جديدة للاستثمارات ودعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحديث مدونة الصفقات العمومية لضمان شفافية الإجراءات، كما تم إنشاء نافذة موحدة لتسهيل المعاملات، علاوة على توقيع معاهدات ضمان الاستثمار مع العديد من الدول، من بينها الإمارات العربية المتحدة، إلى غير ذلك من الإجراءات التي تزيد من جاذبية بلادنا للاستثمارات.
التحديات والأزمات
* ما هي مقاربة موريتانيا لاحتواء التحديات والأزمات التي تعصف الآن ببعض دول منطقتي شمال أفريقيا والساحل؟
** أقوى وأخطر ما تواجهه دول أفريقيا ودول الساحل خاصة، من التحديات، هو التحدي الأمني المتمثل في الجماعات المتطرفة. وواجهنا في موريتانيا هذا الخطر من خلال بلورة استراتيجية شمولية ذات أبعاد أمنية واقتصادية وفكرية. ونحن مقتنعون بأنه علاوة على الجهد الأمني، لا بد من العمل على بناء تنمية شاملة، وعلى ترسيخ قيم التسامح والانفتاح وقبول الآخر لمكافحة التطرف والإرهاب.
الصف العربي
* كيف ترون سبل كف التدخلات الأجنبية في المنطقة العربية، والحفاظ على وحدة الصف العربي، وتعزيز دور النظام الإقليمي العربي في إيجاد حلول فعّالة للأزمات وبؤر التوتر في الدول العربية غير المستقرة؟
** نعتقد أن السبيل إلى كل ما ذكرتم هو تفعيل العمل العربي المشترك، وتقوية الهوية الحضارية المشتركة، ودعم التعاون «العربي- العربي»، والحرص على نشر قيم الانفتاح والتسامح، والعمل على بناء اقتصاد عربي مشترك قوي يؤمّن تنمية شاملة ومستدامة.
دول الساحل
* أين وصلت جهود القوّة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، وما مدى فعاليتها في محاربة جماعات العنف والجريمة المنظمة، وما تقييمكم لمستويات الدعم المقدم لهذه الدول من بقية الدول الأخرى؟
** دول الساحل لديها مشاكل وتحديات متعددة، أبرزها التحدي الأمني وتعرضها لهجمات إرهابية، تفاقمت بعد تردي الوضع في المنطقة بسبب الأزمة الليبية؛ لذا اتخذت معاً بعض الإجراءات المشتركة، لأنها متشابهة في الكثير من الأمور، أولها وجودها في المنطقة نفسها، وثانياً التحديات والتهديدات القائمة عليها من النوع نفسه، كما أنها دول صحراوية بأحجام مختلفة، وتتعرّض للتهديدات الإرهابية، فتفهمت بأن لديها من العوامل المشتركة ما يجعلها في الوضعية نفسها، فقررت تكوين ما يسمى بـ«تجمع الخمس» أو تجمع الساحل للدول الخمس، خاصة أن التهديدات التي ذكرناها صارت حادة جداً، ولا يمر يومان أو ثلاثة إلا وصارت هناك هجمات إرهابية في إحدى هذه الدول، وكلها دول تواجه التحديات والتهديدات نفسها، فرسمت في مواجهة هذه التحديات استراتيجية يندمج فيها البعد الأمني مع البعد الاقتصادي، وشكلت قوة مشتركة، ووضعت برنامجاً لاستثماراتها ذات الأولوية، وحصلت على وعود كثيرة بخصوص دعم قوتها المشتركة بالعتاد والتدريب، وكذلك وعود بتعبئة الموارد الضرورية لتنفيذ برنامجها للاستثمارات ذات الأولوية، إلا أنَّ ما توفّر إلى اليوم من دعم على المستويين الاقتصادي والأمني لا يزال دون الحد الأدنى المطلوب.
الأزمة الليبية
* ما تقييمكم لفرص نجاح مسار برلين الرامي إلى إيجاد حلول للأزمة الليبية؟
** الأزمة الليبية معقدة وذات انعكاسات خطيرة على المنطقة بصفة عامة، وعلى الأمن والاستقرار في أفريقيا بصفة خاصة. لقد تحولت ليبيا بفعل تسلل المرتزقة والإرهابيين إليها إلى قاعدة خلفية، وخزان رجال، ومؤن وعتاد للجماعات الإرهابية الناشطة في أفريقيا، خاصة في منطقة الساحل.
ونحن نعتقد أن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا بتفاوض شامل لا يستثني طرفاً، يمهد له وقف شامل لإطلاق النار ومنع كلي لتدفق الأسلحة.
والأهم في مسار برلين، أنه جعل المشكلة الليبية على هذا المستوى من التدويل، فحضرتها الأطراف كلها، والجهات التي لديها اهتمام بالحل، هذا في حد ذاته إيجابي، ولكن ليس النهاية لأنه مسار، وينبغي أن يتخذ وأن يحسن إذا كان يحتاج إلى تحسين من أجل التوجه إلى الحل؛ لأن ليبيا تعبت، وتعبت من ورائها دول الجوار كلها.
تنمية شاملة
* المنطقة العربية منذ ما يعرف بـ«الربيع العربي» تعيش حالة استقطاب إقليمي واسع بين قوة تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقومات النظام الإقليمي العربي والحفاظ على وحدة وسيادة واستقرار الدولة الوطنية العربية، وقوة تسعى لتأجيج الصراعات والنزاعات لتدمير الدول الوطنية ومؤسساتها، فكيف كانت المقاربة الموريتانية للتعامل مع مثل هذا الاستقطاب، وكيف تمكنت من احتواء خطر محاولات تأجيج أحوال عدم الاستقرار، خاصة أن دعوات ذلك ترددت منذ عام 2011؟
** صحيح أن ثمة قوى سعت وتسعى إلى تأجيج الصراعات والنزاعات في العالم العربي. وكان لما سمي بـ«الربيع العربي» دور في نشاط هذه القوى. وواجهنا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية عاصفة «الربيع العربي» بالعمل على تدعيم وحدتنا الوطنية وتقوية لحمتنا الاجتماعية ومكافحة الفقر والغبن، والعمل على بناء تنمية شاملة، وعلى تثبيت ركائز دولة القانون والمؤسسات. ما يسمى بـ«الربيع العربي» اسم على غير مسمى، فالربيع جميل جداً، ولو كان ربيعاً لما أوصلنا إلى الوضعية التي نحن فيها، وأعتقد أننا إذا كنا موضوعيين ينبغي أن نسأل: هل الوضع العربي كان أحسن قبل أو بعد ما سُمي بـ«الربيع العربي»؟، وأنا أترك لكم الإجابة!
إشادة بـ«الاتحاد»
حرص فخامة محمد ولد الشيخ الغزواني رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية الشقيقة، على الاطلاع على صحيفة «الاتحاد»، مثمناً دورها الإعلامي في المنطقة والإقليم، منذ انطلاقتها في العشرين من شهر أكتوبر عام 1969، بدعم من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤكداً اعتزازه بها، لأنها الصحيفة الأولى في الإمارات التي أسسها الشيخ زايد، قبل قيام الاتحاد، وتنقل رسالة الإمارات بمصداقية إلى المنطقة والعالم.
تعليم متطور
أشاد الرئيس الموريتاني بنظام التعليم في الإمارات، وقال: زرت مدرسة الأصايل في أبوظبي، واطلعت على المناهج وأساليب التعلم.. ووجدت تعليماً يرتكز على مهارات القرن 21، ويعتمد على الأنشطة التفاعلية والرحلات الاستكشافية العلمية بجانب تعزيز الابتكار، والاهتمام بالذكاء الاصطناعي، الذي يعد الطالب إعداداً جيداً لسوق العمل، ويعوّض نقص المعلمين بالاعتماد على الأجهزة الذكية. وجميعها حلول تعلمية مبتكرة تحتاج إليها الدول العربية التي تعاني نقصاً في المعلمين.
مكافحة الإرهاب
أشار فخامة محمد ولد الشيخ الغزواني إلى أن الاتفاقيات التي تم توقيعها على هامش زيارة الحالية لدولة الإمارات، تصب في مجال تعزيز التنمية، وتوثيق مستوى التعاون، في ظل ما يجمع البلدين من تقارب في وجهات النظر حيال مختلف القضايا، ومنها مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث تقف موريتانيا في وجه هذه الآفة العالمية التي تشكل عقبة أمام التنمية وتحسين واقع المجتمعات العربية والتقدم نحو المستقبل.
تنسيق وتشاور
أكد فخامة محمد ولد الشيخ الغزواني لـ«الاتحاد»، أن التحديات في المنطقة كثيرة، وتلتقي الإمارات وموريتانيا على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب التنسيق والتشاور وتعزيز العمل المشترك في الإطارين العربي والإسلامي، ونبذ جميع أوجه التطرف والإرهاب وداعميه، وتبني سياسات الانفتاح على دول العالم لما فيه خير الشعوب.