.........
يعيش أبناء الأجنبيات غالبا حالة اجتماعية ونفسية مركبة، يقعون تحت ضغط أكثر من توجّه، ويعاملون كأنصاف موريتانيين.. "يُطْلقُون" غالبا على أمهاتهم مثل "الَّلّقُو"، ولد الروسية، ولد النِّصرانية، ولد الكُوريَّه...وحتى ولو كان الأمر بيننا ومنَّا وإلينا، منت الحرطانية،.. كيفتْ يانَ..
صعب على مجتمع المتناقضات تقبّل واقع أن هؤلاء الخلساء يرتبطون عضويا بثقافتين متنافرتين، ويُخلصون في لا وعيهم للثقافين.. حتما بنسب متفاوتة، حسب مسار تربيتهم وأين مُورست التربية،..
لا يعوّل على كتائب الاستهزاء المُتحكِّمة في مفاصل الفضاء الأزرق في احترام المُتجانسات، من باب أحرى تفهٌّم المتناقضات،.. "بنات الأجنبيات" أُحْسِنتْ تربيهن بمنطق ومعايير بيئة أخرى، واسقاط الملحفة من طرف بعضهن من حين لآخر يعتبرنه جزئية ثانوية، متعلقة بالتنقل بين ثقافتين.. في حين نعتبره نحن تجاوزا "لما أُمِرَ به"، بل قد يصنف "اخصوريتْ اخبار" في قراءة قريبة لبعض منا..
لا أدافع عن التخلي عن الملحفة، أو عن لِحاف السّتر عموما، ولستُ ممَّن يرى بإطلاق اليد لحرية التَّزيي في مجتمع تقليدي مُحافظ،.. لكن الواقع أن مكوناتنا العرقية حرة في زيها، وفي النسبة التي عليها أن تستر من عموم كتلة الجسد .. فالسلطة على الزي اجتماعية وغير دينية.. وعين الرقيب تحرس مكوّنة واحدة من أصل أربع مسلمة.
من غير الإنصاف أن نتصور أن هؤلاء الخلساء لم يشربوا من بيئة أمهاتهم، وقد ترعرعوا في حاضنة أجنبية، خارج الأطر الاجتماعية لتقاليدنا وعاداتنا واسلوبنا في التكفير والتعاطي مع الأشياء.. والأكيد أن ملابسهم لا تُعجز كفاءاتهم، ولا قُدراتهم في التَّعامل مع واقعنا فهم ليسوا غرباء.
في العقود الماضية كان المجتمع أكثر انفتاحا على ثقافة الآخر، وأكثر تسامحا اتجاه اختلاف الآخر عنا، اتجاه تربيته وفكره وعقيدته،. وهو الجو الذي ارتبط فيه نماذج من رعيلنا الأول بنساء غربيات، والظاهر أن انجذابهن كان أكثر لأبناء الصالحين والزوايا من غيرهم من رجالنا!.
في الصورة بالفستان الأحمر، ليلى احمد باب مسكة، امرابطه حتى النخاع، خرِّيجة السوربون، وعازفة مصنفة لموسيقى الجاز، غلبت عليها دماء أخوالها الكورس.. هذه المرأة ناجحة بكل مقاييس المجتمع الذي احتضنها، "واحنا انغمسو منها لصْباع".. في الصورة أيضا ابنة زعيم الأمة، والأكيد أنها تُدرك كونها منت خيمة النّص في ازوايه..
هذه الأسر - وهي مجرد مثال من مئات هنا وهناك في الغربة- لم تلفظ بناتها، لأنها ببساطة فصَلت -قيَّاسا على العقل الغربي- معيار الاحتشام عن معيار الأخلاق وحُسن التربية.
أصوات النَّقد التي تعيب على مريم البكاي أنها لم تُدْنِ عليها من جلبابها ذات صورة في مقر اليونيسيف، وهي "ابنة الصّالحين"،.. واعتبرتْ سفورها خروجًا على مألوف المجتمع المسلم.. لن تتناول مثلا الوزيرة "با كمبا" بنفس النقد،.. رغم أنها بدورها ابنة زوايا، مسلمة، سنيّة، مالكية، تحضر مجلس حكومة الجمهورية الإسلامية كل أسبوع مع "أجانب" الأمة، وعُهد إليها مرّة بالنهوض بشبابنا،..
عُرْيها لا يلفتُ انتباه "الرقيب" الأخلاقي،.. ولا حميّة للدين من جيدها المحسور عنه في مجلس الوزراء!... هنا يكون في الأمر إمَّا بعض النِّفاق، أو بعض العنصرية في ازدواجية التقييم، والتكييف.
مثلا بظانيه أمها كورية "تفسّخها" سفور وفجور،.. لكن كورية أمها بظانيه "تفسّخها" مقبول لأنه عادة من عادات أهلها، والعادة تُعَظَّم على الدّين عندنا.
المسألة اجتماعية بكل المقاييس وليست دينية.. وفيها بعض التناقض.