بعد اتفاق دكار تشكلت حكومة للإشراف على انتخابات حرة ونزيهة؛ أخذت المعارضة حقائبها الأساسية ذات العلاقة بالعملية الانتخابية، وحين قالت صناديق الاقتراع كلمتها أمام المراقبين الدوليين والمحليين أعلن قادة المعارضة رفضهم للنتائج؛ وبالتالي عدم اعترافهم بالمرشح. وقتها أثيرت شائعات "طيران الباء"، وأساطير أخرى نسجتها قصص الخيال؛ فكان من نتائج ذلك انعدام الثقة بين الرئيس المنتخب وأحزاب المعارضة، وهو ما تجلى في قناعة الرئيس بضرورة تجديد الطبقة السياسية والتركيز على الشباب، وقاد المعارضة إلى تلمس التعلق بأساليب "الربيع" قبل أن تتأكد من عجزها عن تحريك الشعب.
وهاهي المعارضة اليوم تقع في نفس الأخطاء: قبول المشاركة في الانتخابات، ورفض النتائج متى كانت في مصلحة الأغلبية؛ وبالتالي فتح صفحة من سوء التفاهم مع المرشح الناجح ستؤثر على مستقبل الحوار.
قد تكون للمعارضة حسابات خاطئة كما كان لها يومئذ؛ مثل الاعتماد على تحريك الشارع، لعلها بذلك تنجح في قيادة البلد عن طريق "الثورة"، أو بواسطة ضغوط الخارج في ظل وجود مصالح لشركاته الكبرى، أو ابتزاز الأغلبية حتى تتنازل عن حقها في تنفيذ البرنامج الذي التزمت بتنفيذه...
وكلها أمور لن تقع لأنها مخالفة للمصالح العليا للوطن ولديمقراطيته؛ وبالتالي سيكون التفكير في أي منها سابقة تاريخية يمتطيها مستقبلا من لفظته صناديق الاقتراع، أو ركبته هواجس الشيطان في الحصول على طموحه السخصي بوسائل غير شرعية.
لقد دعوت أمس، قبل بيان المرشحين، إلى الحوار وإلى تمويل المعارضة ورعايتها، لكنني اليوم أطالب الرئيس المنتخب بالصرامة والحذر؛ بحيث لا يقبل الحوار ولا الصلح ولا التفاوض مع من لم يعترف بنتائج الانتخابات صراحة، ويعتذر عن إثارة الشغب والفوضى، فأمور الدول لا تتأسس على التردد في اتخاذ القرارات التي تضمن الأمن والاستقرار ، وتكفل سيادة القانون، واحترام الأعراف الديمقراطية.