مرَّة عَبَرَت أذني كلمات المسرح السّياسي، ولم أتدبَّر معناها كثيرا قبل هذه الأيام،.. أزيح السِّتار عن رُكْح مسرحٍ وطنيّ جدّ مُتداخل، جدّ مُتناقض، ليست حالة من المُمِلّ المُتكرر في سوابقنا الانتخابية،.. فكلُ مَشهد كحجر النَّرد لا يقل عن ستة أوجه قابلة للقراءة.
• مَشهد سُريالي ..
سيدي محمد ولد ببكر في المعارضة!،.. لم أتصوَّر يومًا في الخيال أو احتمالات المحال، أن أشهد تحوّل سيدي محمد للمعارضة، ووقوفه في وجه "المَخْزن"، ومع من؟،.. مع تواصل!.. زادَ الاستغراب خطوة في اتجاه الحيرة.
سيدي محمد رجل أخْلاق وكِياسة، يُذكِّر بخِصال الأمير في قصص الأطفال، .. مُوظَّف دولة طيّع، صبور على وقت الدَّوام، ومَرؤوس جيِّد، وُلِدَ إداريًّا على فطرة الوفاء للنّظام،.. يَخدم رئيسه من مُنطلق عاش الملك، وان انزاح أو أزيح، عاش خليفته فورًا، وهذه عقيدة التكنوقراطي التقليدي،..
ما زلتُ استغربُ كيف سَيُبْري "تواصل" لسان سيدي محمد "الأديب" ليوصله للحدَّة المطلوبة لحمل خطاب المعارضة،.. سيتَوجَّب عليهم "اتْلاطيمْ ياسِرْ من لخْشَبْ" تحته ليَسْخُن قليلا، فالرّجل شديد الرَّزانة،.. وحتى لو شاغبَتْ المرحلة وهَوَتْ بكلمة من خطابه، ستكون حتما "اسغيره وممدوقه".. فالغلبة لاستحكام الطَّبع.
جميلٌ استقبال تواصل "لمرشحهم"، وقد اسمَعوهُ حين قابلوهُ كلمات ليست كالكلمات، تكْبير وهيللة، وكيف لا؟.. وقد اسقطوا قلعة من قلاع الموالاة ورفعوا عليها راية الإسلام!،... أتخيَّلُ المُرَشَّح أو المُترشِّح يبتسم وهو بمعية رئيس تواصل ويهمس له:«وأخيرا التقينا لقاء الغُرماء، لا تقل شئنا، فإن التِّخْبازَ شاء»،.. وبعد اللقاء، وعلى عتبات المَقَرِّ يُشيِّع ولد سَيِّدِي ولد ببكر، وقد عانق فيه حينَ ودَّعه الزُّهد في الفوز بالرِّئاسة،.. ثم يبادله الهمس ببعض الصِّدْق، فالمؤمن التَّواصليُّ لا يُخادع:« أكدِب عليك لو قلت بَحبَّكْ.. أكدب عليك،.. مَصْلحتي معك في الرَّبط على قلوب رعيَّتي من الاستمالة، وقد بدأت تنسلُّ، غزوة وغزوتان في اتجاه الأغلبية، أما مصلحتُكَ معي فأتغافل عنها»
السياسة سيِّدة الحِيلة، والتآلف مع الموافق، وعدُوَّة الطيبة، كل شيء فيها مُباح، من الخبث للغدر للضَّغينة، وغير ذلك رومانسيات.
شاغبَ البعض "تواصل" لدعمه لقومجي-شوفيني حتى لو كان تَقاعَد من الاعتقاد منذ زمن بعيد،.. التَّواصليون لن يحاجُّوه بماضيه، ولن يعبؤوا باستنطاق الذاكرة للشتيمة في الحب الجديد بوصفه غواية مُوَالاَتِيَّة كبرى،.. كما أنَّ مصيبة من مصيبة ارحم، فالقوميّ دون الماركسي، في تقدير حزب "مُسلم" يبحث عن حائط مقبول يتكئ عليه مرحليا، ولا يطمح في الوقت الحالي للرئاسة.
نكاية في "تواصل" أيضا، تبرَّأَ البعض من "احساس" سيدي محمد القومي، الذي توارى وراء سفارة لإسرائيل بنواكشوط في عهد وزارته،.. غير أن كل من خدموا الإدارة ثبَّطوا - ولا فخر- فاعليتهم الإيديولوجية، عن جبن حينًا، و عن حفاظ على المصالح أحيانا، أو إيمانا منهم بالقدرة على خدمة الدولة دون إشهار مَيْسَم محدد، ومرُّوا بحالة من الإيمان بالفكر لكن دون مُمارسة، croyant non pratiquant، وأنا منهم، واعصبوها برأسي ، فلو سُئلتُ خلال مرحلة مَا منْ مساري الوظيفي: هل أنتِ ناصريَّة؟، لَقُلتُ: بل بَمْبَارِيَّة وفي مُوبْتي ميلادي،.. فجيل البطولات والتضحية المُمَارَسَة، انتهى مع الثمانينات،..
كانت خدمة سيدي محمد لوظيفته قبْل مُوَظِّفِه، وأخطاء نظام ولد الطايع كمن سبقوه ومن لحقوا به من الرؤساء، تفرَّق دمها بين كلّ من عاصرها..
• مشهد يَسْتحضر الموعظة،..
نبأ يفيد بأن كاديتا مالك ديالو، بَذَّرتْ في الانتقادات اللَّاذعة لمحمد ولد مولود، وأن لو غورمو دافع عنه،.. يُقاوم اليساري العتيد ليُمسك عليه عُمرًا نِضاليًّا يَتَفَلَّتُ من بين يديه،..
تَعهَّدَ السّيد الفاضل محمد ولد مولود بتأمين حياة كادياتا وأسرتها، في وقت حرج خلال أحداث 89م، جعل سلامته تِرْسًا دون حياتها، ويرجع له الفضل - بعد الله عزَّ وجل- في بقائها وفي الَّذي هيَّ عليه الآن،... الوفاء يَحْتضر!
• مشهد يدفع للارتياح،..
مجزرة الأحزاب،.. كمْ دعونا الله أن يُسْبغ عليها من عظيم فنائه، لينخفض منسوب البَبَّغائية السياسية المُشرَّعة ولو لحين، كانت سقطاتُ شاب من رؤساء الأحزاب المحلولة مؤسفة، وهو يَعْلك كلاما بذيئا في مقابلة على الوطنية، ممَّا يُدعِّمُ أنَّ سقوط أحزاب الفراغ في فراغ الموت ضرورة بيئية، وعمل خالص لوجه الراحة.
• مشهد يستحثُّ الفتوى،..
حزب "عادل" في الموالاة!،.. عادت الفسيلة إلى تربتها الأصلية.. ضَيَّع "عادل" عِقدا من عمره، يُكابد الغربة بالصَّبر، وهو يُصلِّي قصرًا خلف المعارضة،.. فليُعِدْ صلاته، فلم يكن على طهارة سياسية، والسَّفر لم يكن قُربة بنيَّة.. كانت "عينُ فاكَفاهْ" وهو يُصلِّي.
• مشهد يثير الشَّفقة،..
أُشفق على السُّلالات الأولى لموالاة "الباطل"، وقد تداعت لها جحافل معارضة "الحق" بالهجرة ، والمُزاحمة مُتجاوزة إياها في الولاء،.. شَتاتٌ من المُغاضبين السَّابقين، وممَّن تدحرج حظهم على وجهه مع "عزيز"،.. وحين التحقوا بالركب لم تعد الموالاة رجسًا من عمل الشيطان، صِنْو الفساد، وبطانة السوء، والتَّملق ودسائس الحكم..
تيار "الموالاة الطاهرة" الجديد، لا يأكل جيفة النظام، لكن يُغْمس في مرقها الانتخابي.. الموالاة "رَاخِ خَنْزْهَ".