1
غدا تنطلق في تونس القمة العربية في دورتها الثلاثين... تنطلق والأمة العربية على ما هي عليه من حال؛ يعلم الله وحده مقدار مأساويتها... بحور من الدماء لا تجف في مكان إلا انفجرت في مكان آخر ، أنباء تتواتر كل دقيقة بهدم مساجد أوصوامع أوبيع، تهجير أبرياء لا يدرون إلى أين يهربون بأرواحهم، تدمير دول وإرجاعها قرونا إلى الوراء، ارتفاع وتيرة الاستهلاك، وتراجع الإبداع، ازدياد هجرة العقول والأدمغة بحثا عن لقمة العيش، ربا لا حد له في تشظي النخب وتمزقها، عنجهة غير مسبوقة للعدو، ومزيد من الطمع في ثروات الأمة وثغورها، وفي استرخاص قيمها وقراراتها... فماذا ينتظر المواطن من هذه القمة؟
2
بعيدا عن الأحلام والتشاؤم نرى أن الحدث جدير بالتنويه فالقبول بأن يظل هذا الإطار قائما، وأن يحافظ على دورية اجتماعاته مهم لكن الخروج به من طور الحدث الإعلامي إلى الفعل الممكن التحقق هو ما ينتظره الإنسان العربي...
نحب أن يدرك قادتنا ما تراه شعوبهم من قتامة لوحة الواقع، ومن ضرورة البحث عن خطط وبرامج واقعية قابلة للتحقق من أجل أن يكون لجامعتهم دور في المنظومة الدولية.
3
أجل قد لا يتفقون في الأولويات، ولا في تحديد الأصدقاء والأعداء، ولا في المقاربات؛ لاختلاف المصالح والأصدقاء والأعداء والإجراءات... وهل هم إلا من هذا الواقع الذي تتشاجر نخبه أحزابا وشيعا وطوائف ومذاهب؛ وكل يرى أنه هو وأفكاره عين الصواب الذي ينبغي أن يرث الأرض بعد نفي الآخرين منها، لا مصالح تجمعهم، ولا مخاوف توحدهم؟!
4
ومع كل ذلك نتمنى أن يضيفوا إلى البيان المعهود قرارات بسيطة تتعلق بحرية التنقل والإقامة والتملك بالنسبة لمواطني دولهم وفق قوانين كل دولة... أن يقيموا مشاريع تضمن المواصلة بين مواطنيهم... أن يشجعوا شركات القطاع الخاص على التكتل لتكون رقما معتبرا في عالم الاقتصاد... فلماذا مثلا لاتوجد شركة عربية لصناعة الدواء تتكتل فيها المحاولات القائمة ويستثمر فيها رجال الأعمال؟ لماذا لا يوجد مصرف عربي تتكل فيه مصارف عديدة ليكون قادرا على المنافسة؟! بل لماذا لا تتكل أحزاب ومنظمات مجتمع مدني واتحادات ثقافية وفكرية بتشجيع من قادتنا؟!
5
يأتي هذا الاجتماع بعد عقود من "الاستقلال" و"التنمية" و"المقاومة" و"الصمود"... بعد سنوات من "ثورات" "الربيع" و"الخريف"، و"انتفاضات الأرياف"، و"حراك المدن"... يأتي بعد دخول تكلات "المغرب العربي"، ومجلس "التعاون الخليجي" في عطلة غير معروفة الأجل... يأتي وقد بلغ صراع النخب في فلسطين حدا غير مسبوق... فهل كتب علينا أن تكون أحوالنا من سيء إلى أسوأ؟ هل نسعى إلى تدمير ذاتنا أم أن عدونا يسعى إلى نموت ونمحي ببطء؟ أسئلة كثيرة من هذا القبيل قد تقود إلى مزيد من "جلد الذات"، لكن الذي لا يدركه أعداء هذه الأمة من داخلها ومن خارجها أنها أمة الصبر على الابتلاء، وأنها لذلك قد بشرها المولى عز وجل بالهداية إلى سبيل رشدها؛ لذلك نعاهد مولانا أن نحس، أن نتكلم، أن نئن، أن نصبر ما حيينا، ومن هنا نطالب قدتنا بأن يكونوا على مستوى التحديات، وأن لا يخيبوا آمالنا؛ ونحن على يقين أن قوة عدونا ليست إلا من ضعفنا، وأنه سيأتي اليوم الذي تتحقق فيه آمال هذه الأمة.
____
مثقف وأديب مور يتاني قدير وأستاذ جامعي ومدير بيت الشعر في نواكشوط.