في مقالين منفصلين حاولت كل من صحيفتي لوموند ولوفيغارو الفرنسيتين تقديم صورة عن العنف الذي يحدث في مالي، بعد المذبحة الدموية التي ذهب ضحيتها نحو 160 شخصا في قريتي أوغوساغو وويلنغارا اللتين يقطنهما مواطنون من عرقية الفولاني وسط البلاد.
وتوقفت الصحيفتان عند مشاهد الدمار وآثار العنف من الجثث المحترقة والمقطوعة الرؤوس والأشلاء وبقايا المنازل المدمرة، إذ قتل المهاجمون حسب أحد الشهود "قدر استطاعتهم، حتى الأطفال والنساء وكبار السن من الرجال".
ويقول شاهد آخر ساهم في عد الجثث السبت الماضي بعيد المجزرة "إنهم لم يدخروا أحدا. لقد أحرقوا كل شيء بالبنزين وقتلوا كل شيء يتحرك بالأسلحة".
وحاولت لوفيغارو العودة إلى جذور الصراع، موضحة أن هذا القتل الأكثر دموية منذ بداية الصراع في مالي عام 2012 لكنه ليس الأول، إذ قتل 37 فولانيا أول يناير/كانون الثاني الماضي بالرصاص في قرية كولوغون، وفي الشهر السابق عدت حوالي عشرين ضحية.
يُشار إلى أن الفولاني من أكبر المجموعات العرقية غرب ووسط أفريقيا -يبلغ تعدادهم ما بين 38 وأربعين مليون نسمة- ويتوزعون بشكل رئيسي بين دول نيجيريا وغينيا والسنغال ومالي والكاميرون والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وغانا وبنين وغيرها من دول المنطقة، ويعمل بعضهم بالزراعة وبعضهم الآخر بالرعي.
جذور الأزمة
وقالت الصحيفة إن المذابح بدأت قبل أربع سنوات مع ظهور كتيبة ماسينا وسط مالي، وهي جماعة يقودها أمادو كوفة وتجند بشكل أساسي شبابا من داخل مجتمع فولاني، مشيرة إلى أن العرقيات الأخرى مثل دوغون أنشأت مجموعات للدفاع عن النفس أهمها "دوزوس" وهم الصيادون التقليديون.
منذ ذلك الحين تسارعت وتيرة القتل والانتقام الجهنمية باطراد بين هذه المجتمعات التي تعاني من خصومات قديمة حول الأرض حسب الصحيفة، خاصة أن "هذه المعارك جزء من الصراع بين الفولاني الذين يمتهنون تربية المواشي ومزارعي دوغون" كما يقول الباحث بوكاري سانغاري.
وتقول لوموند إن قرية أوغوساغو لجأ إليها الكثيرون بعد أن فروا من الاشتباكات الطائفية التي أودت بحياة أكثر من خمسمئة شخص عام 2018 وسط مالي -طبقا للأمم المتحدة- غير أن حجم المذبحة الحالية ودقة تنفيذها صدم البلاد بأكملها.
فقد وصل القتلة -وهم حوالي خمسين شخصا- على دراجات نارية فجرا وأحاطوا بالقرى، كما يقول أمادو ديكو "وبدؤوا في فصل الرجال ثم قتلوا الجميع، وأضرموا النار في الأكواخ التي لجأت إليها الأسر".
وبعد أربع وعشرين ساعة من الهجوم، قام الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء بفصل بعض الوزراء واستبدال ثمانية مسؤولين كبار، بدءا من رئيس الأركان العامة، قبل زيارته الاثنين لقرية أوغوساغو.
كما أمرت الحكومة -حسب لوفيغارو- بحل دان نان أمباساغو الرابطة الرئيسية للصيادين دوغون "لتوضح للجميع أن حماية السكان ستظل حكرا على الدولة" كما يقول رئيس الوزراء سميلو بوبايي ماغا.
نصف اعتراف
وقالت لوفيغارو إن هذه التغييرات غير المسبوقة تبدو وكأنها نصف اعتراف بمسؤولية الجيش في اندلاع العنف، واستدلت بتأخر الجنود في التدخل لإيقاف المذبحة مع وجود قاعدة عسكرية صغيرة تبعد أقل من عشرين كيلومترا عن القرية، إلا أن الأمر استغرق ما يقرب من أربع ساعات لوصول الجنود.
وأشارت إلى شبهة وجود علاقات قوية بين الجيش ومليشيات دوغون، قائلة "ليس لدينا دليل على التواطؤ. ولكن هناك تقارب. فرغم أن الدراجات النارية محظورة فإن دوزوس يستخدمونها دون مشكلة" كما يؤكد سانغاري للصحيفة، وهو لا يستبعد أن تكون للمذبحة صلة غير مباشرة بغارة 17 مارس/آذار على معسكر ديورا، حيث قتل 26 جنديا في هجوم تبناه مقاتلو "ماسينا".
ونبهت لوفيغارو إلى وجود أسلحة في أيدي دوزوس رغم إحاطة الجنود بالمنطقة، إذ أكدت الأمم المتحدة في تقرير لها -دون أن تذهب أبعد من ذلك- أن المليشيا تستخدم بانتظام الأسلحة والذخيرة نفسها التي لدى الجيش المالي.
وفي قرية أوغوساغو المحترقة -حسب لوموند- فقد ديكو (اسم مستعار) كل الأمل وهو يقول موجها الكلام للحكومة "يمكن أن يقيلوا من يريدون. لم أعد أثق بهذا النظام بعد الآن. لا توجد عدالة. بعد الهجمات توقف الدولة المهاجمين ثم نجدهم بعد بضعة أيام أحرارا بيننا. الدولة لا تستطيع أن تفعل أي شيء بعد الآن. فات الأوان. تعتقد مليشيا دوغون أن جميع فولاني إرهابيون ولذلك سوف يبيدوننا جميعا".
من المسؤول؟
ويتهم الفولاني مليشيا دوغن دان نا أمباساغو بقيادة الهجوم، ولكن رابطة الصيادين دوغوس تنفي ذلك "إننا ننكر بشكل قاطع التورط بأي شكل من الأشكال في هذه المذبحة التي ندينها بأقصى درجات القوة" كما يقول مامادو غودينكيل رئيس التنسيق الوطني لدى دان نا أمباساغو التي قررت الحكومة حلها.
وقد فتحت السلطات تحقيقا بالموضوع لتحديد المسؤوليات، ولكن محمدو ديوارا رئيس بلدية بنكاس يرى أن "جميع المسارات مفتوحة لأنه لم يتبن أحد هذا الهجوم" وبالنسبة لمدير مجلس الوزراء غايا "هناك الكثير من الالتباس والتلاعب" ويوضح ذلك قائلا إنه غالبا ما يتم اتهام الفولاني خطأ بالهجمات الإرهابية، وبالمثل يتهم دوغون خطأ بمهاجمة قرى فولاني.
وتختم لوفيغارو بأن هذه المذبحة قد تشير إلى فشل إستراتيجية رئيس الوزراء، وإلى أن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين الفولاني ودوغون الذي تم توقيعه في سبتمبر/أيلول الماضي في كورو قد عفا عليه الزمن.
ويقول متحدث من الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان "مع هذه الجريمة تغير البعد في الصراع، فلم يعد الأمر يتعلق بالمشاجرات العرقية، ولكن من الواضح أن عمليات تطهير عرقي يتم فيها استهداف المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، تجري بمالي".
المصدر : لوفيغارو,لوموند