حين استيقظت صبيحة الجمعة قبل الماضية على فاجعة نيوزلندا تداعت إلى مخيلاتي أحاسيس وأفكار شتى؛ من قبيل دوافع المجرمين إلى اقتحام حرم أماكن للعبادة؟ ودواعي المصلين إلى الهجرة بأنفسهم وودينهم إلى بلاد يكرههم بعض أهلها إلى هذا الحد؟!
2
استغرقني تيار جارف من الخواطر الخرقاء؛ ترأى لي فيه رجال السلفية الجهادية، بألوانهم السمراء، في مواجهة رجال اليمين المتطرف بسحنتهم البيضاء، بدوا لي جميعا في حلبة صراع حامي الوطيس من أجل الحصول على أكثر الأسلحة فتكا وتدميرا...كل يريد تطهير المعمورة من غريمه!
3
حينها تذكرت أن رولان ريغن الرئيس الأسبق للدولة العظمى كان يتفقد مفاتيح السلاح النووي من حين لآخر؛ من منطلق إيمانه بحتمية معركة الهرمجدون المقدسة؛ تلك المعركة التي ينتظرها بعض أتباع الديانات، ويرون أنها قائمة في السماء، وأن نزولها إلى الأرض سيكون قريبا.
4
حان وقت الجمعة فذهبت إلى المسجد واستعمت للإمام، الذي لم يبخل في تبيان عواطفه الدينية؛ حين دعا الله أن لا يترك على الأرض من الكافرين ديارا، وأجهد نفسه في اختيار أشد عبارات الفتك والقتل بخصوم الإسلام...
5
قرأت بعض ما نشر على صفحتي فظهرت لي آراء متباينة؛ بعضها ينقم على حكام المسلمين سكوتهم، وبعضهم يأخذ على بعض الأئمة عدم اتخاذهم المواقف المناسبة لحجم الكارثة، وبعضها يتهم سلطات نيوزلندا بالتآمر والحقد.
6
بعد أكثر من أسبوع من هذه الكارثة البشعة تبين لي أن سلطات نيوزلندا وشعبها على المستوى، وانهم مسلمون بتضامنهم الأخلاقي والمادي. فأي بلد إسلامي لو وقعت فيه كارثة من هذا القبيل ضد جالية مسلمة أو غير مسلمة سيجمع موسروه من المال ما جمعه أهل نيوزلندا مواساة لمسلميهم، أي بلد مسلم لو وقعت فيه كارثة من هذا القبيل ستجرؤ سلطاته جرأة سلطات نيوزلندا؟ ستتضامن مئيعاته تضامن مذيعات نيوزلندا مع مسلميهم...؟
7
أشعر، بكل أسف، أن هجرة الشباب ستزداد إلى هذا البلد وغيره من البلدان غير المسلمة، بحثا عن الأمن والاحتضان والمواساة، وانه ينبغي علينا شعبوبا وقادة أن نفكر في تغيير خطاباتنا لنكون النموذج في المواساة والتضامن والتسامح.
من صفحة الدكتور Abdallah Med Salem Seyid على الفيسبوك