الشيخ محمد الحافظ النحوي يحاضر في المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية -مخاطر التصنيف والإقصاء - بمكة المكرمة
ألقى صاحب المعالي الشيخ محمد الحافظ النحوي رئيس التجمع الثقافي الاسلامي بموريتانيا وغرب فريقيا كلمة في فعاليات مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الذي حضره أكثر من 1000 شخصية إسلامية ما بين عالم ومفتى ووزير للشؤون الدينية والمؤتمر تحت الرعاية السامية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
وقد بدأ الشيخ حديثه بحمد الله تبارك وتعالى على ما من به من نعم وعلى نعمة الإسلام وعلى نعمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , ثم عرج على أهمية المكان والزمان لهذا المؤتمر مؤكدا أن رابطة العالم الإسلامي قد وفقت في اختيار عنوانه ومكان انعقاده في جوار بيت الله الحرام .
ثم أكد الشيخ النحوي شكرهم كعلماء ومشايخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان على رعايتهم لهذا المؤتمر العالمي وحرص المملكة على ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية في الإسلام , من خلال تجفيف منابع التطرف والإقصاء مؤكدا على وقوفهم مع المملكة في وجه كل الهجمات التي تتعرض لها مردفا بالقول بأن المملكة العربية السعودية مؤهلة تاريخيا وروحيا لقيادة العالم الاسلامي وتوحيد صفوفه مقدما الشكر الجزيل لمعالي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى على حسن الضيافة والاستقبال وجمعهم لهذا العدد لكبير من علماء الأمة من جميع الطوائف والمذاهب .
وقد تطرق الشيخ في كلمته إلى المحاور التالية :
أساس وحدة الأمة :
قال تعالى :
إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ
قال الشنقيطي في تفسير أضواء البيان :
والمراد بالأمة هنا : الشريعة والملة ، والمعنى : وأن هذه شريعتكم شريعة واحدة ، وهي توحيد الله على الوجه الأكمل من جميع الجهات ، وامتثال أمره ، واجتناب نهيه بإخلاص في ذلك ، على حسب ما شرعه لخلقه وأنا ربكم فاعبدون أي : وحدي ، والمعنى دينكم واحد وربكم واحد ، فلم تختلفون؟
وتقطعوا أمرهم بينهم [ 21 \ 93 ] أي : تفرقوا في الدين وكانوا شيعا ؛ فمنهم يهودي ، ومنهم نصراني ، ومنهم عابد وثن إلى غير ذلك من الفرق المختلفة.
أساس الاختلاف
ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ
جاء في تفسير الطبري :
عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك ) ، قال : للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب
قصة اختلاف الصحابة في صلاة العصر
قال لهم صلى اللـه عليه وسلم : "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة "
فقسم من الصحابة رأى أن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم أمرهم امرا صريحا بالصلاة في بني قريظة ، فقالوا لا نصلي إلا في بني قريظة حتى لو خرج الوقت
وقسم تأولوا وقالوا إن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قصد الإسراع ولذلك صلوا قبل الوصول .
وهذا الخلاف بين الصحابة وفي حياة النبي صلى اللـه عليه وسلم ، ولعل هذا الخلاف في هذه الواقعة أسس لظهور مدرستين : مدرسة النص أو مدرسة الظاهر ، وهي تأخذ بحرفية وظاهر النص ..
أما المدرسة الأخرى فهي مدرسة المقاصد وهي التي تعنى بمقاصد الشرع وتعليله طبعا مع مراعاة النص وعدم مصادمته .
وأهمية هذه الحادثة أن النبي صلى اللـه عليه وسلم لم يحسم خلاف الصحابة في هذه القضية ولم يبين أي الفريقين كان أولى بالصواب..
والمستفاد من هذا مراعاة المصالح واحترام حق الاختلاف بين أهل العلم وأن الاختلاف في الفهم ينبغي أن لا يؤثر على وحدة الأمة .
وما أجمل ما قاله عمر بن عبد العزيز : " ما أحب أن أصحاب رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم لم يختلفوا ، لأنه لو كان قولا واحدا كان الناس في ضيق ، وإنهم أئمة يقتدى بهم ، ولو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة".
إذن فليس كل اختلاف مذموم بل الاختلاف قد يكون رحمة ، . هذا الإمام أحمد بن حنبل يقترح على مؤلف كتاب " كتاب الاختلاف " أن يسميه كتاب السعة.
والامام ابن القيم يعطينا نموذجا رائعا احترام المخالف
يقول في كتابه " مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" معقبا على ما قاله شيخ الإسلام الهروي : " الرجاء اضعف منازل المريدين ".
يقول ابن القيم معقبا على هذا الكلام : شَيْخُ الْإِسْلَامِ حَبِيبٌ إِلَيْنَا. وَالْحَقُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْهُ، وَكُلُّ مَنْ عَدَا الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ، وَنَحْنُ نَحْمِلُ كَلَامَهُ عَلَى أَحْسَنِ مَحَامِلِهِ. ثُمَّ نُبَيِّنُ مَا فِيهِ.".
فابن القيم اختلف مع شيخ الإسلام الهروي وبين ما يراه حقا لكنه احتفظ للشيخ بمكانته واحترامه ..
وهذا ما نفقده اليوم في كثير من الاختلافات التي تحصل بين أهل العلم .
خطورة التصنيف والإقصاء
إن خطيف الناس وإقصائهم واحتكار الصواب أنه يضعف وحدة الأمة ويضعف التواصل جسور التواصل بين أبنائها ، ومن خطورة التصنيف أنه إلغاء لحق الاختلاف وإلغاء لحق العلماء في النظر في الأدلة . والاشتغال بالتصنيف ينهك الأمة ويشغلها عن قضاياها الكبرى .
يقول الشيخ بكر أبوزيد في كتابه : " تصنيف الناس بين الظن واليقين" : موجها لومه للمشتغلين بالتصنيف :
" فترى وتسمع رمي ذاك أو هذا بأنه خارجي ، معتزلي ، أشعري ن ، طرقي ، تبليغي ، مقلد متعصب ، متطرف ، متزمت ، رجعي ، ، اصولي ، .. وفي السلوك ، مداهن ، من علماء السلطان ، من علماء الغسل والوضوء ،
ومن طرف لاديني : علماني ، شيوعي ، اشتراكي ، قومي ، عميل ". انتهى كلام الشيخ بكر.
حان للأمة أن تدرك خطورة التصنيف والإقصاء واحتكار الصواب ، فالأمة لا تختلف على القطعيات ، أما ما عدا ذلك فقد بين لنا الصحابة والسلف الصالح أصول الاختلاف فيه لكن الخلف ، إلا من رحم ربنا ، اجتهد التأسي للاختلاف المذموم وترسيخه فدفعت الأمة ثمن ذلك من وحدتها ..
لنتذكر سعة رحمة ربنا ولنستبشر بهذا الحديث الشريف :
عن ابن مسعود رضي اللـه عنه قال : كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ ﷺ في قُبَّةٍ نَحوًا مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ : « أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ » قُلْنَا : نَعَم، قَالَ : « أَتَرْضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ » قُلْنَا : نَعَم، قَالَ : « وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلَّا كَالشَّعرَةِ البَيضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسْودِ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَرِ » متفقٌ عَلَيهِ.