القاهرة- ياسر سلطان |
يعتمد الفنان السوداني أمادو الفادني في أعماله على مفردات الثقافة الأفريقية، مركزاً البحث في تجاربه الأخيرة حول عدد من القضايا الإشكالية ذات الجذور التاريخية كالعنصرية والاسترقاق، مروراً بالتاريخ المسكوت عنه للمجازر التي ارتكبها الأوروبيون في حق الأفارقة في حقبة الاستعمار، وكذلك عمليات التهجير وغيرها من القضايا.
وفي معرضه الأخير «ماهنجو» يعود أمادو الفادني مرة أخرى إلى ذات المنطقة التي انطلقت منها أعماله السابقة كاشفاً الغطاء عن تلك المناطق الشائكة التي مازالت تحكم العلاقة بين الثقافتين الغربية والأفريقية، والتي تستند في الغالب إلى الكثير من المغالطات التاريخية والثقافية، وهي مغالطات تجد صدى لها إلى اليوم عند الكثير من الناس بل حتى لدى الأفارقة أنفسهم.
في معرضه الذي تستضيفه حالياً قاعة «سوما» للفنون في القاهرة، يتطلع الفادني إلى أحد أهم الوسائط المرسخة لتلك المغالطات والمتمثلة في تلك الصورة المثالية للرجل الأبيض كما صورها فنانو عصر النهضة الأوروبي. «ماهنجو»؛ هو لفظ يطلق على الإنسان الأول، أو أبو البشر حسب المعتقدات الدينية التي كانت سائدة في غرب أفريقيا قبل الاستعمار الأوروبي. في أعماله المعروضة ينطلق الفادني من تلك الثيمة الأفريقية ليقدم لنا تصوراته المتمردة على هذه الصورة المثالية التي رسختها تلك الأعمال في الأذهان. فعادة ما تُظهر لنا الأعمال الفنية الكلاسيكية المنتمية إلى عصر النهضة والمتأثرة بالفنون الإغريقية والرومانية الرجل الأبيض على نحو أسطوري، بنسب تشريح وجسد مثالي، كما تقدم لنا صورة المرأة البيضاء كرمز أوحد للجمال والفتنة، بل وتحيطهما أحياناً بهالة من القداسة والروحانية. في مقابل تلك الصورة المثالية للرجل الأبيض نجد تهميشاً متعمداً لصورة الرجل والمرأة الأفريقية، إن كان لهما حضور داخل العمل، فغالباً ما يتواجدان في خلفية المشهد في هيئة مستكينة وخاضعة.
يعيد الفادني صوغ هذه الأعمال الكلاسيكية وغيرها من جديد، لكنه يستبدل الرجل الأبيض الذي يحتل صدارة المشهد بآخر أفريقي. لا يكتفي الفنان في أعماله بالمحاكاة المغايرة فقط لتلك الأعمال، بل يتجاوز ما تضمنته من صور وعناصر مستلهمة من الأساطير الغربية، معتمداً على المخزون الثقافي والحضاري للأفارقة وأساطيرهم المتعلقة بنشأة الحياة. يطالعنا هنا «ماهنجو» في صورته المثالية كما رسمتها تلك الأساطير في هيئته الأفريقية، مزيحاً الصورة التقليدية للرجل الأبيض في أعمال عصر النهضة.
في واحدة من اللوحات التي يحاكي فيها الفادني لوحة الخلق لمايكل أنغلو؛ على سبيل المثال؛ لا يكتفي باستبدال العنصريين الرئيسيين في المشهد بل يتعداهما إلى التفاصيل الأخرى المرتبطة بهما كإخفائه لليدين والذراعين الممدودتين، واستبداله الوجه بقناع فرعوني. الأذرع هنا مبتورة على غرار التماثيل الرومانية القديمة، كما نجد الشخوص الثانوية في خلفية المشهد وقد اكتسوا جميعاً باللون الأبيض.
أمادو الفادني, ولد ويعيش في القاهرة. تميزت طفولته بمزيج بين بيئتين حيث محيطه القاهري والبيت السوداني. العلاقة والتوتر بين الإثنين, كانا من العوامل المؤثرة بقوة في رؤيته لكلا الثقافتين. احتياج الفادني للتعبير عن هذا المنظور المزدوج كان السبب الأساسي لانطلاقه نحو الفن في البداية ومنبع أفكاره حتى الآن. تتمحور أعمال الفادني عادة حول قضايا الهوية والسياسة, من خلال العمل مع الأحداث التاريخية المنسية وسياسات الدولة الحالية.
المصدر: الحياة