إعلانات

الطريق إلى داكار : شهادة ذي الفكين

أربعاء, 02/05/2018 - 02:44

يعتقد البعض من الحالمين العقلانيين بأن المفاهيم الأخلاقية لا تمتلك خيارا منطقيا للبقاء في وجه الحقيقة المادية ، وبأن الإعتبار الأقوى هو للأخيرة ، بينما تعتبر الأولى مجرد طفرة عاطفية طوباوية .

ومن الجيد عند محاولة اعتراض منطق ما ، أن تؤخذ معاييره بعين الإعتبار كأداة لمحاسبته ، وذلك لتكون المحاججة علمية وعاقلة ولاتدصر عن معيارين مختلفين .

وسأتناول في هذا المنشور قصة الوثائقي المعنون ب " الطريق إلى داكار " ، ليس لمناقشة المحتوى بمنطق دكتاتوري يحول بين المتقصى وغاياته ، وإنما لمناقشته من الحيزين الأخلاقي والسياسي .

بدأ الوثائقي بلقطة لشمس مدينة أغادير الدافئة ، ومالبثت الصورة أن أشفعت بصوت دعائي دافئ يصف ذخر المدينة السياحي ومعالها الخلابة .

رغم أن المدينة تقع في الجنوب الغربي للمغرب وليست هي الأقرب لحدودنا من المدن المغربية المتصحرة في الجنوب .

كان الإختيار إذا لمنح الطريق ألوانا متباينة تناسب رسالة وتقويت الوثائقي .

تبدأ المغرب بشمس مشرقة متلألئة على ضفاف أطلسية خلابة ، بينما تبدأ موريتانيا بجوقة جراء جائعة تطارد قصعة .

ليس تلك الشمس هي أقبح ما يمكن تصويره في جنوب المغرب ، وليست تلك الجراء هي أجمل ما يمكن تصويره في الشمال الموريتاني ( بإمكان أي إعلامي هنا أن يدلي بشهادة فنية واضحة ، تتعلق بالحياد والمهنية ) .

أما الرسالة فهي تصوير ظلام بين نورين أو دمار بين عمارين ، فالطريق إلى داكار لم يكن سوى عنوان رديف لعنوان آخر وهو " هذه هي موريتانيا " .

أما مايخص أطراف الشهادة فهما قناة الجزيرة وسائقان مغربيان .
أما القناة فهي الإمبراطورية التي لا تقدم على ما لاتعي غايتها السياسية منه ، ولا يستطيع ذو فكين أن يدعي أنها قناة إعلامية مهنية خارج سلطة وتوجيهات وسياسة الدولة المالكة ، حتى في إنتاجها الوثائقي الذي خصص كل ألقه المهني والمادي لتذكية التاريخ السياسي وتحمير الحدود السياسية بين كل بلدين وإقليمين في المنطقة .

وعن السائقين فلا أدري في أرض يمكن تصوير يوم من حياة سائق شاحنة دون أن يألم المشاهدون لويلاته ، بما في ذلك سائقو الشاحنات الموريتانيون بين المغرب وموريتانيا ، ولا يمكن لذات ذي الفكين أن ينكر أسوأ معاملة على وجه الأرض في النقاط الجمركية والشرطية على طول الخط الساحلي الأفريقي ، حيث التنكيد الممنهج والذبول الأخلاقي والمهني وترصد المنافع .

هذا من الناحية الفنية .
أما من الناحية الأخلاقية فإن الوثائقي شكل إنتقاما سياسيا باعتباره ضربا في الخاصرة السياسة وعقابا سبقه ما سبقه ، على موقف سياسي لا يستطيع صاحب الفكين نكرانه ولا نكران تبعاته .

ومع أنني ممن يعطون السياسة قدرها ويدركون نسبية أخلاقها وضرورة تلبسها بتلك المزاوجة بين الخطاب المثالي والفعل المصلحي ، إلا أنني هنا لست بصدد تحميل أو توجيه اللائمة لمنتجي ومرسلي هذا الوثائقي .
وإنما أقدم لتوضيح ما ينبغي أن نكونه أو نكون عليه نحن الموريتانيون حين تلم بنا لامة أو تنال منا طامة ، مثلنا في ذلك مثل أي شعب ينتمي إلى حيثه الخاص به .

الوطن كالأم ، لا تتحدد قيمته من عطائه وإنما من وجوده .
وحين يفيق أحدنا على أمه وهي تنازع عاهة أنهكتها عن ممارسة أمومتها ، فلن يكفي ذلك ليكون مبررا لمشاركة النافقة قلوبهم غيبتها والتأفف منها .

وهنا لا بد أن تنجلي الحدود بين المنفعة والأخلاق ، لأن المنفعة لا تكفي لتحرير مناط غير مختل لعلاقتنا حصرا بما ينفعنا .

ولابد أيضا من تحرير الفارق بين الشاهد والمشهود ، فالشاهد هو الأم التي لامناص لنا من الإعتراف بصدق نبضها وما يعالجها من محبتنا ، كما أننا قد لا نكون قادرين على منحها ما خسرته لأننا في الغلب نأخذ منها ما لم نمنحها قبله منحا نستعيضه بعد نمو .

بينما الوطن مشروط بنا ولسنا مشروطين به .
فكل ما أبهر شواخصنا في تلك المدينة الجميلة لم يكن نبتا أنبته مطر ولا عمار جيلوجي كون عمارات وفنادق وأرصفة ومنتزهات ، وإنما كان جهدا لأبناء تلك الأرض جيلا بعد آخر .

أفقت على هذه الدنيا ووالدتي حفظها الله مريضة بمرض مزمن يشل حركتها ، وبإمكانكم تخيل موقفكم مني حين أعبر على هذه الصفحة بأنني أغار من أماهتكم اللواتي طاب لكم منهن جهد بدني اقتدرن عليه .
لن يكون موقفي اخلاقيا بأي اعتبار مهما حاول صاحب الفكين أن يحتال على المنطق .

هل كان على موريتانيا ( الأرض ) أن تستنيت شوراعها مرصوفة ؟
هل كان عليها أن تحمل خيامنا على رؤس ناطحات السحاب بينما نلاحق الفرح لإختيار شققنا المكيفة ؟

هل كان عليها أن تستقبل سائقي شاحنة منهكين بالورود ، حتى تكون وطنا يستحق منا أن ندافع عنه ؟

وأخيرا ، هل كان على وطننا أن يشتري منا حبنا مقابل رفاه تمنحه هبة عابرة للقارات أو مائدة من سماء ؟

الامم لاتعذر في تخاذلها بحجج الحكومات .
ولا تبرر سفهها بسفه الأفراد والقيادات 
والتاريخ ليس محكمة يمكن أن تبرأ فيها الاجيال .
التاريخ لا يعرف غير ترتيب ملفات الإدانة للأمم والشعوب .
ولا مهرب للأمم المدانة من وزرها ، والتعذر بجهل وفساد القادة ليس مما تنصت له الاجيال اللاحقة .

من بنى المغرب هم المغاربة .
ومن بنى السينغال بمررارة ودأب وصبر ، هم السينغاليون .
وقبل أن يفعلوا ذلك ، كانوا يمتطون جردا كجردنا ، وأحبه آباؤهم جردا كما أحبوه عمارا .

وفي الاخير أتوجه للطوابير المشاعرية الخامسة ، بذلك الإصبع الذي لا يمثلني وإنما احتجت استعارته من حيث هو .

مع اعتذار مؤكد لذائقة القراء وذاكرتهم الثقافية والأخلاقية .

ففي الوقت الذي كان دم أبناء الموريتانيات يبارك الثرى في غابات "وغادو" ، انتقاما لشهداء الغلاوية ولمغيطي ، كان صوت صاحب الفكين متحشرجا بنظرية " الحرب بالوكالة " ، وكنا جميعا نصغي إلى ذلك الصوت دون أن نسأل عن جنسية من ماتوا غدرا في لمغيطي ومن مثل بيهم في الغلاوية ، أكانوا فرنسيين أم ماليين ؟

هناك لحظات ليست لممارسة السياسة وإنما لممارسة الشرف وليست للنيابة عن التيارت والأحزاب وإنما عن الأمة .

وطننا ملكنا وحدنا 
نعيب ساستنا ونتحسس تقصيرهم وندفع بأصابعنا في أعينهم ، وتغلي ساحتنا بنا وبمواقفنا .
لكن ذلك هم وفعل حصري للموريتانيين ، وشهادتهم فيه على خراب وطنهم وضياعه ، هي فعل وطني يماثل القتال على الحدود .

أما أن نكون صدى للناعقين من خارج الحدود ، فتلك خيانة الأيديولوجيا للأوطان ، وتلك خيانة لأمانة الرقم الوطني .

كان على أشقائنا المتخمين نفطا ، أن يتركوا شيئا للشعوب وأواصرها ، وكان على المرددين لنفيرهم الإنتقامي ، أن يعرفوا أن لا متسع بين أحزمتنا وخوصرنا يكفي للتنميل والتنكيل الصامت.

وكنا لنكتفي بشهادة اللواتي في رؤسنا ، على وطننا بدل ان نتلو بنشوة المتعبدن شهادة راطنة تحتاج لترجمة عربية من صاحب فكين من خارج الحدود .

فالوطن الذي تحت أقدامنا ينبغي أن يدرك الغير أنه هو ذاته الذي فوق رؤوسنا .

محمد أفو