نواكشوط - صحراء ميديا:
لم يخف الشاب الموريتاني محي الدين سيف سعادته باللقاء الذي جمعه قبل يومين مع الرئيس التنفيذي لشركة فيس بوك، وقال معلقاً على اللقاء الذي استمر لساعة: « مارك زوكربيرغ كان دائماً مصدر إلهام بالنسبة لي ».
يأتي هذا اللقاء بعد أسابيع من افتتاح مقر شركة « ريميندر » في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الشركة التي يترأسها ويديرها الشاب الموريتاني، وتعد تجسيداً لفكرة مبتكرة راودته خلال رحلة البحث عن عمل بعد عام من تخرجه.
تخرج الشاب الموريتاني (23 عاماً) من « المدرسة المركزية بباريس »، وهو الذي تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس نواكشوط، ليصبح مهندساً مختصاً في معالجة وتسيير البيانات الضخمة « BIG DATA »، ولكنه أيضاً وقع في حب الخوارزميات التي يؤمن بأنها قادرة على تسهيل حياة الباحثين عن فرص عمل مناسبة لهم.
بعد تخرجه قضى محي الدين عاماً من الفراغ، يبحث عن فرصة عمل مناسبة له، وكان أغلب وقته يقضيه متنقلاً بين باريس ونواكشوط، ولكن الفكرة التي ستغير حياته كانت وليدة الصدفة، وفق تصريحات نقلتها عنه صحيفة « لوموند » الفرنسية، يقول فيها: « للمرة الأولى عندما زرت موقعاً للاكتتاب عن طريق الانترنت، وجدت نفسي أمام آلاف العروض للتدريب والعمل، وكانت أمامي مشكلة للعثور بسرعة على العرض المناسب لي »، فخطرت في باله الاستفادة من الفكرة المطورة من طرف شركة « نيتفليكس ».
ولادة « ريميندر »
من هنا ولد مشروع « ريميندر »، الذي يقوم على مجموعة من الخوارزميات التي تقلص عدد الاحتمالات وتمنح الباحثين عن عمل فرصاً أكبر للعثور على العروض التي تناسبهم، كما أنها أيضاً تعطي صيادي أصحاب المواهب بيئة مناسبة لما يبحثون عنه.
يقول محي الدين: « أحب الطريقة التنبؤ التي يقترح من خلالها نيتفليكس الأفلام، إنها تناسب بشكل دقيق أذواقنا، حتى تلك التي لا نعلم عنها أي شيء، وبالتالي فكرت في أنه يجب أن أفتتح نيتفليكس للاكتتاب عبر الانترنت »، ويوضح محي الدين بهذه العبارات مدى افتتانه بـ « الذكاء الاصطناعي ».
بدأت فكرة الشاب الموريتاني محي الدين تكبر بشكل تدريجي، مستهدفة في البداية السوق الفرنسية، ويوضح في حديثه مع « لوموند » أنه « منذ سبتمبر، جمعنا عدة آلاف من المستخدمين، حصلنا عليهم من دون أي جهد دعائي، كما تمكنا من تحقيق 450 مواجهة بين المشغلين والباحثين عن شغل »، وهي أرقام يعتبرها إيجابية.
التوسع والانتشار
في فرنسا، كانت الخوارزميات التي كتب الشاب الموريتاني على مستوى كافٍ لإقناع لجنة تحكيم مسابقة في ريادة الأعمال الإبداعية نهاية شهر أبريل الماضي، فمنحته الجائزة الأولى التي كانت قيمتها 10 آلاف يورو، كما أن الشاب الموريتاني نجح بعد ذلك في إقناع « قطب المؤسسات » في المدرسة المركزية بباريس لتجعل من « ريميندر » منصة الاكتتاب المقبلة بالنسبة لرواد المدرسة.
ويوضح الشاب الموريتاني أن هذه النجاحات دفعته لاستهداف السوق الدولية، وخاصة القارة الأفريقية التي ينحدر منها، ويقول في هذا السياق: « لقد أطلقنا بداية مايو الجاري (ريميندير أفريكا)، وقد بدأنا بالفعل في محاولة إقناع العديد من المؤسسات في بلدي ».
ويضيف: « بفضل منصتنا سنبدأ تسيير الاكتتاب لعدد من كبار المشغلين في موريتانيا، على غرار شركة موريتيل موبيل، شركة الاتصالات الأولى في البلاد، ولكن ايضاً (التجاري وفا بنك موريتانيا) وهو أحد المؤسسات الوازنة في القطاع البنكي الموريتاني ».
ويتوج الشاب الموريتاني توسع شركته بافتتاح مقر لها في الولايات المتحدة الأمريكية، سيجعله أقرب من « وادي السيليكون »، حيث توجد كبريات الشركات العالمية المختصة في مجال التقنية.
ابن « البركة »
حصل محي الدين على شهادة الباكالوريا من ثانوية « البركة » بنواكشوط، وهو يبلغ من العمر 16 عاماً، وهو من مواليد نواكشوط لأب موريتاني وأم مغربية، وما يزال وفياً لزيارة نواكشوط خلال العطل الصيفية، حريصاً على ارتداء الزي التقليدي وشرب الشاي، وفق ما أكد مقربون منه لـ « صحراء ميديا ».
يتحدث محي الدين أربع لغات، فبالإضافة إلى اللغة العربية والفرنسية، يتقن كلاً من الإنجليزية واليابانية، وظهر في السنوات الأخيرة محاضراً يلقي عدداً من العروض حول تجاربه الشخصية وبدايات مشروعه، الذي بدأ في شقة صغيرة ومتواضعة في أحد أحياء العاصمة الفرنسية باريس.
يقول المقربون من محي الدين إنه عنيد ولا يتنازل بسهولة عن حقه، وقد ظهر ذلك جلياً عندما جاء في الرتبة السادسة على المستوى الوطني في مسابقة الباكالوريا، شعبة الرياضيات، ولكنه رفض هذه الرتبة وطعن في النتائج لدى الوزارة المعنية، بحجة أنه حصل على « صفر » في مادة الفلسفة، وبعد مراجعة النتائج ثبت أنه على حق وصعد إلى الرتبة الأولى.
اليوم دخل محي الدين عالم ريادة الأعمال، وأصبح يطمح لحل مشاكل تشغيل الشباب في العالم، من خلال خوارزميات تضمن سهولة التواصل مع المشغلين، ولكن أحد أقاربه يقول لـ « صحراء ميديا » إنه لن ينسى فترات الكفاح الصعبة التي عاشها في موريتانيا وفي باريس، وسيكون وفياً للشباب الموريتاني الذي يعاني البطالة، وفق تعبيره.
مع مارك
منذ أن ظهر محي الدين في صورة رفقة الرئيس التنفيذي لشركة فيس بوك، حتى بدأ الموريتانيون يتحدثون عنه، وكتب العديد منهم رسائل موجهة إلى مارك يريدون منه نقلها إليه، وهو الذي كان في حديثه مع مارك مشغول بأشياء أخرى بعيدة جداً عن اهتمامات الموريتانيين.
يقول محي الدين إنه تحدث مع مارك خلال ساعة كاملة عن مواضيع عديدة، في مقدمتها « الذكاء الاصطناعي » و « التعليم الآلي المدمج »، وكيف ستؤثر هذه التكنولوجيا على مستقبل الإنسان والبشرية، والدور الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات مثل فيس بوك في مساعدة النظم البيئية المحلية.
ولكن محي الدين خرج من اللقاء وكتب انطباعاته على حسابه في موقع « لينكدين »، وقال: « الحصول على فرصة لقضاء ساعة معه (مارك زوكربيرغ)، بعد أسابيع من الإطلاق الرسمي لشركة ريميندر في الولايات المتحدة، يعد واحداً من اللقاءات المفاجئة بالنسبة لي ».