إعلانات

حروب أميركا: مَن يقول الحقيقة؟

جمعة, 19/01/2018 - 03:59

كاترينا هويفل

هل تصبح حروب أميركا التي لا نهاية لها المصدرَ التالي الذي يغذّي الثورة الشعبية على المؤسسة السياسية؟ في عام 2016، أصيب معلقو واشنطن بالصدمة عندما اكتشفوا الواقع المحزن وغضب الطبقة العاملة في مناطق «أميركا العميقة» الذي دعم ترشحَي بيرني ساندرز على اليسار ودونالد ترامب على اليمين. وقريباً، قد تكتشف مؤسسة السياسة الخارجية للحزبين أن التجاهل الكلي للاستياء الشعبي من حروب أميركا يمكن أن يغذّي انفجاراً شعبوياً مماثلاً.

معظم البحوث واستطلاعات الرأي تشير إلى معارضة أغلبية الأميركيين للتدخلات العسكرية الأميركية في الخارج. وهذا الرفض الشعبي يعكس مواقف أميركية قديمة وثابتة في الواقع، فخلافاً لمؤسسة السياسة الخارجية، التي تسعد بانخراط الولايات المتحدة العالمي الدائم، فإن الأميركيين يفضلون المساعي السلمية، فهُم لا يتسرعون في الغضب ولا يتوقون إلى الاشتباك العسكري. وتاريخياً، كان الأميركيون يرفضون ويقاومون فكرة الذهاب إلى الحرب، وعندما ينادَى عليهم من أجل القتال، فإنهم يريدون الذهاب فعلاً، والفوز بسرعة، ثم الانسحاب. أما الحروب التي تستمر لسنوات وبنتائج غير محددة - من كوريا إلى فيتنام إلى أفغانستان– فإنها سرعان ما تفقد الدعم.

 

هذا الموقف المعقول تناقضه بشكل مباشر السياسةُ الأميركية الحالية التي تحظى بتأييد الحزبين. فبعد كارثة حرب العراق، انتقل صناع السياسات الأميركيون إلى مواصلة الحروب بكلفة منخفضة، بعدد أقل من الجنود على الأرض ووضوح أقل. هذه الاستراتيجية قد تحول دون خسارة الولايات المتحدة ولكنها تضمن تقريباً عدم فوزها أبداً. وبالمقابل، أعيد تعريف «الفوز» ليصبح هو عدم الخسارة، مع البقاء في حالة اشتباك دائم، وهو ما يلزم البلاد بالتضحية بالأرواح والموارد في نزاعات لا نهاية لها. ولما كانت القوات العسكرية الأميركية القائمة على التطوع تأتي من «التجنيد الاقتصادي» بالدرجة الأولى، أي تجنيد أبناء وبنات الفقراء والطبقة العاملة الذين يبحثون عن طريق للخلاص، فإن تلك التضحيات قلما تتقاسمها مؤسسة الأمن القومي التي تضع تلك السياسات.
لكن، هل سيؤثّر هذا على السياسة الأميركية؟ الباحثان فرانسيس شِن ودوغلاس كرينر يريان أنه ربما أخذ يؤثّر فعلاً منذ بعض الوقت. ففي دراستهما الحديثة، وجدا أن «ثمة هوة أخذت تظهر بين المجموعات السكانية التي يموت أبناؤها دفاعاً عن البلاد وتلك المجموعات السكانية التي لا يموت لها أبناء في سبيل ذلك»، وسمياها «هوة الإصابات»، معتبرين أنها قد تكون أسهمت في انتصار ترامب. وبعد البحث عن تفسيرات بديلة، مثل التفسيرات الاقتصادية والطبقية والعرقية، وجد مؤلفاً الدراسة «علاقة حقيقية ومهمة بين معدل التضحية العسكرية للمجموعة السكانية ودعمها لترامب».

والواقع أنه في ثلاثة انتخابات متتالية، أوباما ضد جون ماكين ثم ضد ميت رومني، وترامب ضد هيلاري كلينتون، صوّت الأميركيون للمرشح الأكثر تشكيكاً في حروب الولايات المتحدة، غير أن الحروب والتضحية بالأرواح مستمرة. وخلال الحملة الانتخابية، قال ترامب منتقداً: «إن الأشخاص الذين يعارضوننا هم الأشخاص أنفسهم -فكروا في هذا جيداً– الذين أهدروا 6 تريليونات على الحروب في الشرق الأوسط، وتلك أموال كان يمكننا أن نعيد بها بناء بلدنا مرتين، ولم تنتج سوى مزيد من الإرهاب، ومزيد من الموت، ومزيد من المعاناة. تخيلوا لو أُنفقت تلك الأموال في بلدنا». غير أن ترامب نفسه ملتزم الآن بإنفاق تريليونات أخرى على الحروب نفسها.

هل ستكون ثمة محاسبة عن هذه الحماقة؟ هذا الأمر سيتطلب زعماء سياسيين أو حركات سياسية مستعدة لتحدي التوافق السياسي الموجود حالياً بين الحزبين حول هذا الموضوع، فهذه السياسة غير معقولة، والأرواح التي تُزهق والأموال التي تُهدر حقيقية. والسؤل الوحيد هو: من لديه الشجاعة لقول الحقيقة؟

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

المدصر: الاتحاد