(كلمة ألقيت في ندوة حول فلسطين)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على خير الانام.
رب ضارة نافعة… أورد هذه المقولة ونحن نتابع مستوى ردود الفعل في الشارع العربي، على آخر تطور تشهده القضية العربية التي أراد لها حملة شعار: “إيران أولا” أن تخرج من دائرة الاهتمام.. وأوردها كذلك وأنا أشاهد أمامي ناصريين من مختلف الأجيال والأحزاب والجمعيات، ومن الشتات، يتجاوزون التموقع والخلافات ليقولوا “لا” لأعداء الأمة.
ولن أذهب في التفاؤل بعيدا، فهذه الـ” لا” صرخة مخنوقة وسط دخان حرائق الأمة، التي بدأت بالردة وسقوط النظام القومي في مصر في السبعينيات، مرورا بسقوط بغداد 2003، واكتملت بالدمار الذي نعيشه الآن… وهي صرخة ضائعة وسط انحسار المد القومي واليساري، للكثير من العوامل الخارجية والداخلية ومنها إحكام الغربيِّ القبيحِ قبضته، وقهرُ الانظمة العربية الحاكمة وتسلطُها.
لقد انهارت الأمة فعلا، لكنها ليست المرة الأولى، التي تسقط فيها ثم تنهض؛ فشواهد التاريخ تحدثنا عن هجمات المغول والتتار والحملاتِ الصليبية في العصور الوسطى، و الصراعِ العثمانيِّ الفارسي ، وموجاتِ الاستعمار.
سأستغل وجودكم هنا الآن، لأدعو إلى أن تنفضوا الغبار الكثيف الذي تراكم على الوجه الناصري في قطرنا هذا وغيب تأثير أكبر التيارات السياسية وأوسعها جمهورا، واكثرِها قبولَ طرحٍ لدى الجماهير.
ليس مقبولا أن يستمر هذا التشرذم.. ليس مقبولا أن يرفع الناصري شعارات لا تنسجم مع طرحه، ولا تخدم مشروعه للبلد وللأمة.. وليس مقبولا أن يغيب نفسه…
يحمل الناصريون معهم تاريخا عظيما من النضال.. ولهم شهداء من الاساءة إليهم ألا يجسد ما استشهدوا من أجله في مشروع سياسي موحد يضمن الاستمرار. وعليه أدعوا من هذا المنبر إلى انصهار القوى الناصرية في مشروع سياسي حزبي.
وقبل أن أسترسل… في القاعة موريتانيون زنوج أقول لهؤلاء :
Le nasserisme est une pensée humaniste qui lutte pour la liberté. Il ne se fonde pas sur le racisme et respecte les spécificités nationales des autres.. Nous avons donc le même combat pour un état de la citoyenneté, dans un pays multiracial et pluriculturel.
في القاعة أيضا قوميون غير ناصريين، ولهؤلاء أقول: أحلامنا واحدة، فكرنا واحد، وآلامنا واحدة.. فلنفكر معا في ما يجمعنا هنا في موريتانيا.. ولنفكر معا أيضا في الدعوة إلى تشكيل جبهة نضالية قومية على المستوى العربي.
على القوميين تجاوز خلافات لا ضرورة لها، وأن يفهموا أن إيران مثلا أمة لها طموحاتها القومية في منطقتنا وليس الصراع الطائفي إلا واجهة لتحقيق تلك الطموحات.. ويتسم دورها بالتباس كبير.. ومثل إيران تستخدم أميركا الطائفية للسيطرة علينا، وتحويل بؤرة الاهتمام إلى عدو غير إسرائيل،.. وقد نجح الطرفان في مساعيهما إلى درجة كبيرة. فأميركا تمكنت من فرض تصور فحواه أن الصراع الحقيقي قائم بين إيران التوسعية التي ترعى قوى عربية متطرفة وتنشر مذهبها، وبين معتدلين عرب يسعون للاستقرار.. والنتيجة هي ما نحن فيه الآن.
على القوميين إذن التعايش الواعي مع صورتين متناقضتين لإيران في المنطقة العربية؛ فهناك الدور الايراني الجيد في دعم المقاومة في فلسطينو لبنان، والتصدي لأميركا وإسرائيل؛ وهناك دورها الطبيعي أمة لها طموحاتها القومية المرفوضة في منطقتنا
والقومي الحقيقي لا يمكن أن يكون طائفيا ولا عنصريا ولا فئويأ.
إن أولوياتنا الآن هنا في موريتانيا هي بناء أنفسنا، والدفع باتجاه بناء الدولة الوطنية القائمة على المؤسسات، وهي الطريق إلى الاسهام في بناء دولة الوحدة عبر كل الأشكال التدريجية والتراكمية.. وذلك موضوع آخر لا يتسع المجال للحديث فيه.
و ينبغي الانطلاق في تصورنا للدولة من جملة من المسلمات منها: إيماننا العميق بالديمقراطية التعددية وإدراكنا أن التجارب القومية التي حكمت أقطارا عربية كانت في ظروف أخرى، وتعاملت مع واقع دولي ومحلي مختلف، وليس واردا تكرار أسلوبها في الحكم.
– الإيمان بالعدالة الاجتماعية وسيلة لتوزيع الثروة بما يقتضي ذلك من تشجيع للرأسمال الوطني، من دون أن تستقيل الدولة وتترك المواطن فريسة لليبرالية الوحشية.
– الإيمان بأن موريتانيا بلد متعدد الاعراق والثقافات.. والقومي لا ينكر خصوصيات الآخرين بل يدافع عنها في إطار دولة المواطنة متكافئة الفرص والحظوظ.
في الختام أدعو إلى أن يتضمن البيان الختامي لهذه الندوة دعوة إلى جميع الدول العربية والاسلامية التي لها صلات بالكيان الصهيوني أن تقطعهأ ، مع الدعوة إلى فرض عقوبات على الولايات المتحدة، منها امتناع المواطنين عن شراء منتجاتها…
والله ولي التوفيق
الشيخ بكاي