
الناصرة- “القدس العربي”: تشير تقارير عبرية متعددة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات، إلى جانب دول أخرى، تدرس مسألة الاعتراف بأرض الصومال، بعد اعتراف إسرائيل بها قبل أيام.
ويوضح المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن هذا الإعلان لم يكن مفاجئاً في السياق الإقليمي؛ إذ تنظر كيانات سياسية انشقاقية، أو ذات تطلعات انفصالية، في دول عربية أخرى مثل ليبيا وسوريا والجزائر والسودان، إلى نيل الاعتراف الدولي باستقلالها بوصفه هدفاً مركزياً، وترى في “الاتفاقيات الإبراهيمية” مع إسرائيل مساراً أكثر سلاسة وسرعة لتحقيق ذلك.
لا تقتصر أهمية أرض الصومال على موقعها فقط، فهي تبدي انفتاحاً واضحاً على تطوير تعاون أمني، وعلى الانخراط في مبادرات موالية لإسرائيل
ويستعرض “مدار” كيف تبلور هذا المسار في حالة أرض الصومال، ويقول إن جذور جمهورية أرض الصومال تعود إلى مجتمع قبلي رعوي تقوده العشائر، وعلى رأسها عشيرة إسحاق في الشمال الغربي، حيث اعتمد السكان على الرعي والتجارة عبر موانئ تاريخية مثل بربرة، منوهاً بأن التدخل الاستعماري الأول كان عندما حولت بريطانيا هذه المنطقة إلى محمية عام 1884 للحفاظ على طرق الملاحة، وساعدت في تنصيب مخاتير وعشائر للحكم غير المباشر على السكان.
ويشير التقرير لأمرين:
أولًا، إسرائيل اعترفت بدولة “أرض الصومال” خلال فترة استقلالها القصيرة التي استمرت خمسة أيام. وبعد أن اتحدت مع الصومال، في 1 تموز 1960، انقطع أي مسار علاقات محتمل مع إسرائيل.
ثانياً، الاتحاد بين أرض الصومال والصومال تم على عجل ومن دون ترتيبات دستورية واضحة، ما أدى إلى تهميش الشمال سياسياً وإدارياً، وظهور توترات سرعان ما تفاقمت في عهد الديكتاتور الاشتراكي محمد سياد بري، خصوصاً في أواخر الثمانينيات، مع قمع دموي استهدف مدن الشمال وحركة “المؤتمر الوطني الصومالي”. ومع سقوط نظام بري عام 1991، أعلنت القيادات العشائرية والحركة الوطنية في أرض الصومال عن استعادة استقلال أرض الصومال ضمن حدودها السابقة، وكان ذلك في 18 أيار 1991.
لماذا لا يعترف أحد بأرض الصومال؟
عن هذا السؤال يوضح التقرير أنه بعد استقلالها من طرف واحد، وبدون تنسيق دولي أو أفريقي، بدأت أرض الصومال البحث عن اعترافات دولية، وكانت تنظر إلى إسرائيل باعتبارها “جواز السفر” للوصول إلى البيت الأبيض ونيل اعتراف الولايات المتحدة. في 2 كانون الأول 1995، وجه إبراهيم عقال، رئيس أرض الصومال، رسالة رسمية إلى رئيس وزراء إسرائيل إسحق رابين وطلب إقامة علاقات دبلوماسية وتعاون أمني في مواجهة ما وصفه بـ “التهديد الإسلامي المتطرف”، لكن من دون أي خطوات عملية من قبل الطرفين.
ويتابع: “لكن، من المهم الإشارة إلى أن أرض الصومال لديها حكومة فعّالة، تتبنى مبدأ التداول الديمقراطي للسلطة، وتنجح في ذلك منذ العام 1991 دون انقطاع، ولديها عاصمة، ومؤسسات تنفيذية وتشريعية، وقضاء، وجيش وشرطة، إضافة إلى عملة وطنية مستقلة. سياسياً، طوّرت أرض الصومال نموذج حكم هجين يجمع بين المؤسسات الديمقراطية ودور الشيوخ والزعامات العشائرية، ما أتاح تنظيم انتخابات تعددية وانتقالات سلمية للسلطة، في سابقة نادرة في القرن الأفريقي”.
وطبقاً للتقرير، يعتبر عدم الاعتراف الدولي الرسمي بأرض الصومال سبباً في ضعف الدولة اقتصادياً، وعدم وصول تبرعات أو منح أو دعم دولي واسع. ورغم ذلك، لا بد من التأكيد على أن الدول الأهم التي تقوم بمساعدة أرض الصومال هي: الإمارات، السعودية، إثيوبيا.
التعاون مع إسرائيل: متى بدأ؟ وما هي تداعياته الإستراتيجية؟
تفيد التقارير بأن التعاون بين إسرائيل وأرض الصومال يمتد إلى أكثر من عقدين، وكان متأثراً بموازين القوى الجيوسياسية. مثلاً، بعد أن حظرت السعودية استيراد المواشي من أرض الصومال في 2000-2001، بدأت أرض الصومال النظر إلى إسرائيل باعتبارها شريكاً اقتصادياً محتملاً.
في شباط 2001، أفادت تقارير بأن رجال أعمال إسرائيليين كانوا يتواجدون بشكل متواتر في العاصمة هرجيسا. ويقول التقرير إنه ومع أن العلاقة بين إسرائيل وأرض الصومال كانت جيدة، بدون إعلانات رسمية أو مشاريع تعاونية واضحة، فإن التحول الرسمي الأول كان في 14 آب 2020 عندما أعلنت أرض الصومال دعمها لاتفاق التطبيع الإبراهيمي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، في إشارة إلى أنها “تتمنى” أن تكون جزءاً من هذه الاتفاقيات. وبالفعل، تطورت العلاقات بين البلدين بعد هذا الإعلان بشكل يوحي بأنهما بالفعل يتجهان نحو تطبيع كامل للعلاقات.
بعد إعلان ترامب نيته تهجير سكان قطاع غزة، قامت أرض الصومال بمغازلته عبر فتح قنوات حديث مع الإسرائيليين حول استعدادها الأولي لقبول توطين الغزيين
ويضيف: “ففي شباط 2022، وصلت قوة إسرائيلية إلى أرض الصومال لمعاينة وإعادة إعمار مدرجات طيران حربية ومدنية أقيمت في الحقبة السوفياتية. كما كشفت تقارير إسرائيلية عن أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين الموساد وأرض الصومال في أفضل حالاته، وعلى مستوى عال”. منوهاً أنه بعد إعلان ترامب نيته تهجير سكان قطاع غزة، قامت أرض الصومال بمغازلته عبر فتح قنوات حديث مع الإسرائيليين حول استعدادها الأولي لقبول توطين الغزيين داخل أراضيها، قبل أن تنفي هذه النيات لاحقاً.
وطبقاً لتقرير “مدار” تُعدّ العلاقة بين أرض الصومال وإسرائيل ذات طابع إستراتيجي بالدرجة الأولى، انطلاقاً من الموقع الجغرافي الفريد لأرض الصومال عند مدخل خليج عدن، في مقابل اليمن، وعلى مسافة قريبة نسبياً من مناطق سيطرة الحوثيين. هذا الموقع يمنح أهمية خاصة لإسرائيل بوصفها منصة محتملة لجمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة النشاط الحوثي، ودعم عمليات اعتراض الهجمات البحرية والجوية، إضافة إلى توفير عمق عملياتي قريب من مسرح الصراع في البحر الأحمر.
في هذا السياق، تُقارن القيمة الإستراتيجية المحتملة لأرض الصومال من ناحية إسرائيل بالدور الذي تؤديه أذربيجان في الإستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة إيران.
كما يقول التقرير إن أرض الصومال تتميّز عن بدائل إقليمية أخرى؛ فإريتريا، رغم قربها الجغرافي، تُعد معادية للغرب ومتحالفة مع إيران، بينما تحافظ جيبوتي على موقف حيادي، وتفتقر إثيوبيا إلى منفذ بحري.
ويخلص للقول: “إلى جانب ذلك، لا تقتصر أهمية أرض الصومال على موقعها فقط، بل تشمل أيضاً استعدادها السياسي والأمني للتعاون مع إسرائيل، إذ تتبنى قيادتها موقفاً إيجابياً تجاه الأخيرة حتى خلال حرب غزة، وتبدي انفتاحاً واضحاً على تطوير تعاون أمني، وعلى الانخراط في مبادرات موالية لإسرائيل، بل والنظر في الانضمام إلى مسار توسيع اتفاقيات أبراهام”.
القدس العربي

