
كشف مجمع سوناريم، اليوم الجمعة، عن تنفيذ عملية رمي بالمتفجرات وُصفت بأنها غير مسبوقة من حيث الحجم داخل منجم غارا جبيلات بولاية تندوف. في خطوة عملية تُترجم انتقال المشروع من منطق التحضير التقني إلى منطق الرفع التدريجي لقدرات الاستخراج. ضمن مسار يهدف إلى تغذية الصناعة الوطنية للصلب بخام محلي بدل الارتهان لمنطق التوريد.
وأوضح المجمع، في بيان رسمي، أن العملية نُفذت عبر الشركة الوطنية للحديد والصلب “فرال” التابعة لسوناريم، وتحت إشراف الديوان الوطني للمتفجرات. مشددًا على أن الأشغال تمت “في ظروف جيدة”، مع الالتزام الصارم بإجراءات الأمن والوقاية. بما يعكس إدراج هذا النوع من العمليات الثقيلة ضمن بروتوكولات تشغيل مضبوطة في بيئة منجمية مفتوحة ذات حساسية عالية.
وأسفرت عملية التفجير عن استخراج كمية تفوق 75 ألف طن من خام الحديد، وفق المعطيات المتداولة. وهو مستوى يعكس حجمًا تشغيليًا كبيرًا مقارنة بالعمليات التقليدية، ويؤشر إلى اتجاه نحو تكوين مخزون منتظم يمكن توجيهه للمعالجة والاستهلاك الصناعي. وفي هذا السياق، أكد المجمع العمومي أن عمليات تفجير مماثلة ستُجرى بصفة شهرية، بهدف تعزيز مخزون خام الحديد الموجه للمعالجة داخل مصانع الصلب الوطنية. في انسجام مباشر مع التوجه الرئاسي القائم على الاستغلال المحلي وتثمين الموارد المنجمية الوطنية بدل تصديرها خامًا أو إبقائها رهينة التعقيدات اللوجستية.
وتزامن الإعلان عن هذه العملية مع التحضيرات لتنظيم “حفل تاريخي” بمناسبة وصول أول شحنة من الحديد المستخرج من غارا جبيلات إلى ولاية بشار عبر خط السكة الحديدية المنجمي تندوف–بشار، وهي سابقة تُقدَّم على أنها الأولى منذ الاستقلال، لأنها تضع للمرة الأولى خام هذا المنجم العملاق على مسار نقل صناعي مهيكل يربطه فعليًا بمناطق التحويل والاستهلاك.
سرعة النقل وقدرة التحويل هي معيار النجاح الحقيقي
ويأتي ذلك بعد توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال ترؤسه اجتماعًا لمجلس الوزراء الشهر الماضي، حيث أمر بالشروع في الاستخدام والاستغلال المحلي لخام الحديد المستخرج من غارا جبيلات ابتداءً من الثلاثي الأول لسنة 2026، ما يجعل سنة 2026 نقطة تحول تشغيلية للمشروع، ليس من زاوية الاستخراج فقط، بل من زاوية تحويل الخام إلى قيمة مضافة داخلية مرتبطة بالصناعات المعدنية.
ويُصنَّف منجم غارا جبيلات ضمن أكبر المناجم المفتوحة في العالم، باحتياطيات تُقدَّر بنحو 3.5 مليار طن من خام الحديد، وهو معطى يمنح المشروع بعدًا استراتيجيًا مزدوجًا: بعدًا اقتصاديًا يتعلق بتنويع موارد الجزائر خارج المحروقات، وبعدًا صناعيًا يرتبط بإعادة تشكيل سلاسل الإمداد الوطنية لمصانع الحديد والصلب وتقليص كلفة المدخلات على المدى المتوسط.
وفي موازاة البعد الصناعي، برزت إشارات لمرافقة بيئية للمشروع، إذ أطلقت وزارة الشباب خلال الشهر الجاري عملية تشجير كبرى على طول خط السكة الحديدية غارا جبيلات (تندوف) – بني عباس – بشار، تشمل سبع نقاط موزعة على مسار الخط، وتهدف إلى تعزيز الممارسات البيئية المستدامة ومكافحة التصحر، في محاولة لربط مشروع المنجم، بما يرافقه من نقل ومنشآت، بمقاربة تخفيف الأثر البيئي على طول الممر اللوجستي الجديد.
وعلى مستوى آجال الإنجاز، كشف وزير الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية عبد القادر جلاوي أن أشغال مشروع خط السكة الحديدية المنجمي بشار–تندوف–غارا جبيلات ستُستكمل قبل نهاية السنة الجارية، على أن يدخل حيز الخدمة في جانفي 2026. وأوضح أن المتبقي من المشروع لا يتجاوز 60 كلم من أصل 950 كلم، إلى جانب إنجاز 45 جسرًا خاصًا بالسكة الحديدية، وهي عناصر تقنية توضح حجم الورشة القاعدية التي يُعوَّل عليها لضمان انتظام نقل الخام وتثبيت سلسلة الإمداد من المنجم إلى مناطق المعالجة.
وتُقرأ هذه التطورات، من زاوية اقتصادية عملية، باعتبارها انتقالًا متدرجًا من “مشروع احتياطي على الورق” إلى “مورد فعلي” قابل للقياس والتتبع: تفجيرات شهرية لرفع المخزون، خط منجمي يقترب من التشغيل، وشحنة أولى تُقدَّم كإعلان دخول غارا جبيلات إلى الدورة الصناعية الوطنية. وفي حال التزام الآجال المعلنة، فإن بداية 2026 مرشحة لأن تكون لحظة تشغيلية فاصلة، تُقاس نتائجها ليس بحجم الاحتياطي، بل بوتيرة نقل الخام، وقدرة التحويل، وأثر ذلك على سلسلة الصلب الوطنية وتكلفة الإنتاج وتعميق المحتوى المحلي في الصناعات المعدنية.

