
ليست اللغة العربية مجرد أداة للتخاطب، بل هي فنٌّ ناطق، وأدبٌ حيّ، وجمالٌ متجدد، صاغ الوجدان، وهذّب الحس، وفتح أمام العقل آفاق البيان. هي لغة إذا نُطقت أمتعت، وإذا كُتبت أدهشت، وإذا أُحسِن استعمالها ارتقت بالفكر والذوق معًا.
وقد اقترن مجد العربية بأعظم ارتباط، حين اختارها الله تعالى وعاءً لآخر كتبه، فكانت لغة القرآن، ولسان الوحي، ومفتاح فهم الدين الإسلامي. ولا يستطيع المسلم أن يؤدي شعائره أداءً كاملاً واعيًا، أو يتذوق معاني صلاته وأذكاره وتلاوته، دون أن يتعلم العربية، لأنها السبيل إلى إدراك النص، وفهم المقصد، والوقوف على دقائق المعاني التي لا تُؤدَّى ترجمةً ولا تُستوفى بغيرها.
والعربية، إلى جانب قدسيتها، لغة أدب وفن بامتياز؛ بها ازدهر الشعر، وسمت الخطابة، وتألقت الرسائل، وتحوّل الكلام إلى صورةٍ ونغم. تمتاز بثراء مفرداتها، ومرونة تراكيبها، وقدرتها الفريدة على الاشتقاق والتوليد، حتى غدت من أوسع لغات العالم تعبيرًا، وأدقها تصويرًا للمعاني النفسية والفكرية.
ولم تقف خدمة العربية عند حدود الأمة التي نطقت بها، بل امتد أثرها إلى البشرية جمعاء؛ فقد كانت لقرون لغة العلم والمعرفة، تُرجمت بها الفلسفة اليونانية، ودُوّنت بها علوم الطب والفلك والرياضيات والكيمياء، وانتقل عبرها نور الحضارة إلى أوروبا، فكانت جسرًا بين القديم والحديث، وحلقة وصلٍ في تطور الفكر الإنساني.
إن الاحتفاء باللغة العربية هو احتفاء بالهوية، وبالدين، وبالذاكرة الحضارية للأمة. والتمسك بها ليس رجوعًا إلى الوراء، بل حفاظٌ على الجذور، واستعدادٌ للمستقبل. فهي لغة قادرة على مواكبة العصر، متى أُحسن استخدامها، وأُعيد إليها حضورها في التعليم والفكر والإبداع.
فاللغة العربية ليست لغة الماضي فحسب، بل لغة الخلود، ما دام في العالم قرآن يُتلى، وفكر يُكتب، وجمال يُحب.
جعفر بن كباد

