إعلانات

حَمْدَنِياتٌ (1) …/عز الدين بن ڭراي بن أحمد يورَ

جمعة, 12/12/2025 - 02:05

أوعزَ أحدهم يوماً إلى الشيخ حمدَن رحمة الله عليه بجمعِ شعره في ديوان، بحيث يضعه في متناول الجمهور، فأجابه الشيخ : لقد اخترت أن لا أحول بين الناس وبين ما أنشأته من شِعر، فما كان منه جديراً بالبقاء سيبقى، وما كان غير ذلك فالضياع أولى به …

لم يجمع الشيخ شعره في ديوان، لكن جمعته الذائقة الأدبية وتلقته بالإقبال والقَبول، ومن خلالها حفظته الذاكرة الجماعية، فكانت نصوصه حاضرةً كلما كان الحديث عن الأدب وما تعلَّق به …

لقد حفظت لنا الذاكرةُ الجماعية قولَه يخاطبُ الفنانة المحبوبة المرحومة : “محجُوبَ” بنت الميدَّاح، في حفل غناء حضره الرئيس المختار والعاهل المغربي الحسن الثاني، فجرَ سبعينيات القرن الميلادي المُنصرم :

ما أحسن الشدوَ إن حاكته آلتُهُ

في كفِّ “محجوبَ” تتلوهُ مقالتُهُ

 

لمَّا شدَت لِرجال القَصر واستمعُوا

دلَّت على سامعِ الألحانِ حالتُهُ

 

فذو الفخامةِ حيَّتها فخامتُه

وذو الجلالةِ حيَّتها جلالتُه

 

ومن نهاية الثمانينيات، حفظت لنا الذاكرةُ قولَه ضمنَ أبيات معروفة، عزَفَ فيها على وتَر وطني حسَّاس يومَها :

مِسكينةٌ سقطت فريسةَ من غَوَى

والذئب يعبث بالشواكلِ والشَّوَى

 

لمَّا دعت إخوانَها مذعورةً

إخوانُها في الأمر ما كانوا سَوا

 

إنَّ الحيادَ من الأحبة جفوةٌ

مهما تَلَطَّفَ في العبارة والتوى

 

وأوصلَت لنا مِن الأدب الرمضاني عدةَ نصوصٍ جميلة معروفة، يقول في أحدِها :

 

ربَّاهُ لُطفَك بالأسَرْ

العيدُ أصبح يُنتَظرْ

 

 ﻟﻴﻠﻰ ﺗُﻘﻠﺐُ ﻓِﻜﺮَﻫـﺎ

ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﺗﻌﺒﺚ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮْ

 

 ﻟِﺘﻨﺎﻝَ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﺿـَةٍ

جادَت بِها ﺃﻳﺪﻱ ﺍﻟﺒﺸﺮْ

 

 ﻟﻜﻦَّ ﻫﺬﺍ ﻛﻠَّﻪُ

ﻟﻢ ﻳﺮﺿﻪُ ﻣﻨﻬﺎ ﻋُﻤَﺮْ

 

 ﻓﺎﻟﺼﻮﻡُ ﺧﻠَّﻒ ﺑﻌﺪَﻩُ

ﺩَﻳﻨﺎً ﻋﻠﻰ ﻣَﺪِّ ﺍﻟﺒﺼَﺮْ

 

ﻓﺘﺤﺎﻭﺭﺍ ﻭﺗﺨﺎﺻﻤا

ﻭﺗﻔﺮﻗﺎ ﻭﻗﺖَ ﺍﻟﺴﺤَﺮْ

 

وما ضيَّعت شعرَه الطريف الذي عالج فيه بعض أمور المجتمع، على غرار قوله في أسلوبٍ نَقديٍ جميل :

 

تَشكَّلْ فإن العصر عصر تشكلِ

ودَع جانب المضمون في زي مُهْمَلِ

 

تشكَّلْ فإن المرءَ يفقدُ وزنَه

إذا لم يكن في موضة المُتشكل

 

فكم مِن بسيط زيَّن الشكلُ حظَّهُ

وكم مِن رفيعٍ حطَّه الشكلُ مِن عَلِ

 

وحفظت لنا أبياتاً تُسدُّ دون مثلها الأقفال، قالها في رثاء الصالح الشريف : محمد محمود بن ادَّن رحمة الله عليه :

 

قالوا : تولَّى أحمدٌ، قلتُ : اسكتوا 

 وأصابني ماقد ذهلت لأجلهِ

 

ورجعتُ نحو الذكرياتِ أعدُّها 

 والفكر يسبح في معالم فضلهِ

 

وبسبحـةٍ كانت تلازم كـفـَّه 

 وتلاوةٍ مطبوعةٍ من عقلهِ

 

خالي لأنت ومن تكن خالاً لهُ 

ينلِ العلاءَ ويأمَننْ في رَحْلِهِ

 

هذا مقامُ العائذين بجاهكم

 من سَطوةِ الزمنِ الجديدِ وأهْلِهِ

 

ما هذه إلا أمثلة قليلة مِن بين نصوصٍ كثيرة لم تشذ عن قاعدة شعر الشيخ حمدَن – قاعدةٌ مفادها الإحساس المُرهف والأسلوب الأنيق والقريحة الطافحة …

 

وفي الحقيقة، قد انسحبت تلك القاعدة على أدب الشيخ بمفهومه الواسع، فقد انسحبت على أنظامه التعلمية وأراجيزه التأمُّلية وأجوبته وفتاويه، وظهرت حتَّى في تعاطيه الفريد مع الأمور مهما كان موقعها في سُلَّم الأهَميات …

 

رحم الله شيخَنا، وجزاه عنا بأحسن الجزاء …

 

طاب مساؤكم ،،،

 

عز الدين