
السالك ولد أباه
*1. دوافع الطرح المتكرر*
الحديث المتكرر عن موضوع الهوية في موريتانيا لا ينبع من هوس أو تهويل، بل من وعي مبكر بأن البلاد تقف على عتبة حوار وطني مفتوح، قد يكون بوابة لمطالب تُهدد وحدة النسيج الوطني. فالنشاط المتصاعد لبعض التيارات العرقية واليسارية ينبئ بسعي واضح إلى تفكيك و إعادة تركيب المجتمع الموريتاني على اسس جديدة خارج مرجعيته االعربية.
*2. مخطط تفكيك البنية العربية*
تسعى بعض الأطراف إلى تفكيك الأغلبية العربية البيظانية، من خلال إعادة تصنيف مكوناتها: الزوايا باعتبارهم امتدادًا بربريًا، والقبائل الحسانية كهوية مستقلة عن العروبة، وعن الهجرات الهلالية الصناع والفنانون كمجموعة ثقافية قائمة بذاتها، ولحراطين كمكوّن مندمج في المجموعات الزنجية على أساس اللون. لا اللغة هذه الترسيمة تُفضي إلى قلب المعادلة: تحويل الأقلية إلى أكثرية مصطنعة.
*3. العروبة ليست تهمة*
موريتانيا ليست مجرد "معبر" أو جسر للتواصل بين العرب والافارقة كما يروّج البعض. إنها ضِلع أصيل في الجسد العربي والإسلامي. وقد أُريد لهذا الانتماء أن يُمسخ عبر مفردات منمقة مثل "التعدد" و"العدالة الثقافية"، لكن الخطر الحقيقي هو حين يتحول التنوع إلى مشروع سياسي مضاد لهوية،الدولة العربية يفرغ الانتماء من مضمونه الحضاري.
*4. المحيط الإقليمي المهدد*
من الجنوب، تستقبل السنغال تيارات انفصالية مثل > افلام "إيرا" وتدعم خطاب التعدد ضد الوحدة الوطنية الموريتانية. من الشرق، تئن مالي تحت وطأة الحروب الأهلية. أما شمالاً، فالصحراء الغربية ملعب لصراعات إقليمية. كل هذا يجعل موريتانيا عرضة لتصدير الأزمات، ومحاولة زعزعة استقرارها من الخارج عبر الداخل.
*5. المفارقة في ترسيم اللهجات*
الدول المجاورة ذات الأغلبية الزنجية، كمالي وغينيا والسنغال، لم تجرؤ حتى اليوم على ترسيم اللهجات المحلية، رغم نسبها السكانية العالية متمسكة بالفرنسة بقوة كلغة عمل ؟؟؟ . أما في موريتانيا البلد العربي المسلم ، فتُطرح هذه المطالب بحدة، وتُضاف إليها دعوات لاعتماد الحرف اللاتيني بدل العربي، في سابقة غريبة تقوض السيادة اللغوية.
*6. اليسار من الأممية إلى العرقية*
التيارات الشيوعية في موريتانيا مرّت بتحوّل عجيب: من خطاب أممي إلى تبنٍّ كامل لأطروحات الأقليات بل وتحولها إلى رأس حربة في الهجوم على المشروع العربي، وعلى الهوية الجامعة. وقد تمكن اليسار من الحكم بالبا طن من سنة1980 وحتى سنة،2005 طيلة 25 سنة خلت ، وفرض أجندته على الأنظمة العسكرية.
*7. أمثلة على نفوذ اليسار في الدولة*
تحت ضغط اليسار، تم قطع العلاقات مع العراق وليبيا القذافى من فترة لاخرى ، وتصفية البعثيين والناصريين من الادارة والموؤسسة العسكرية والديبلوماسية ،
. و تسليم الأمن والمخابرات لعناصر محسوبة على طرح انفصالي يتماهى مع طرح * افلام * لاحقا في محاولة لتغيير طبيعة الدولة من الداخل.
*8. وهم العبور الخطير*
تحويل موريتانيا إلى "جسر" بين العروبة وإفريقيا السوداء * همزة وصل * ليس مجرد وصف جغرافي، بل محاولة استراتيجية لتقويض خصوصية الدولة وخلخلة أساسها الحضاري. هذا الوصف يُسوّق دوليًا لتسهيل تمرير أجندات غير وطنية في الحوار ا ت السياسية، المرتقبة تحت شعارات براقة.
*9. خطر "التعدد المسلّح"*
لا أحد يرفض التعدد، لكن التعدد المسلح بالخلفيات الثأرية والهويات المتحفزة لتصفية حسابات تاريخية هو خطر داهم. قبول التنوع لا يعني التسليم بالتفكك. فالمطلوب هو إدماج العرقيات ضمن مشروع وطني جامع، لا استخدامها كأدوات تفاوض لإعادة بناء الدولة على أسس عرقية جديدة تمهيدا لقيام دولة المحاصصة التى تحمى الفساد وتشجع الابتزاز .
*10. الرهان على الحوار المشروط بالثوابت*
الحوار الوطني لن يكون منتجًا إذا لم يُبْنَ على أرضية واضحة: الاعتراف بالهوية العربية للدولة ، واحترام رموز ها وعدم إعادة تعريف المكونات التاريخية وفق أهواء سياسية. أي حوار لا يلتزم بهذه الثوابت سيكون تفكيكًا ناعمًا للدولة، لا إصلاحًا لها.
*11. الخاتمة*
موريتانيا ليست صدًى لجغرافيتها، ولا سلعة في بازار الإثنيات، بل كيان تبلور على أساس هوية عربية إسلامية جامعة. لاكثر من ألف سنة خلت المطلوب اليوم ليس إقصاء الآخر، بل منع بعض "الآخرين" من استغلال التعدد لخلخلة الأغلبية وتغيير وجه الدولة. فإما أن نرسخ مشروعًا وطنيًا متماسكًا، أو نترك الحبل على غاربه للفوضى الهوياتية والانشطارات العرقية، التي لا تُبقي ولا تذر.

