إعلانات

الطريق إلى الوعي العميق.. كيف تشكل المشروع الفكري لمختار الشنقيطي؟

أحد, 23/11/2025 - 07:08

 

في قلب الصحراء الموريتانية، حيث تنتقل القصص والحكايات من جيل إلى جيل، نشأ محاطا بالكتب والشعر والموروث الثقافي الغني، انتقل من طفل يهرب من الحفظ التقليدي إلى باحث يدرس الأخلاقيات السياسية والأديان.

وسلطت حلقة (2025/11/22) من بودكاست "حكايات أفريقية" الضوء على سيرة المفكر والناشط محمد مختار الشنقيطي، الذي استعرض بعض مشاريعه التي تجاوزت 25 كتابا وملفا بحثيا.

يقول إن المثقف لا يقرأ عشوائيا، وإن عليه أن يختار بعناية الاقتباسات والأفكار المهمة ليحتفظ بها، لتصبح لاحقا كنزا ثمينا عندما يشرع في الكتابة.

وبعد فترة من القراءة الفوضوية، أصبح المفكر الموريتاني يعتمد على كتابة منظمة تعكس تراكم المعرفة والخبرة، وصارت أغلب قراءاته انتقائية وبحثية، مرتبطة مباشرة بالأبحاث والمشاريع التي يعمل عليها.

ويقول إنه يواجه تحديا في التركيز على كتابة مشروع واحد بعينه، إذ ينتقل بسرعة من مشروع بحثي إلى آخر، لكنه يحرص دائما على دعم جميع مواضيعه بالبحث الدقيق والتحليل المعمق.

البذور الأولى

ويبيّن مختار الشنقيطي أن طفولته التي كانت في قرية الجريف بموريتانيا ببيئة بسيطة ماديا ساهمت في تشكيل معرفته، إذ كانت بيئة غنية ثقافيا، حيث كان والده أديبا بالفطرة وزاهدا متصوفا، يمتلك مكتبة زاخرة بأُمَّات الكتب مثل كتاب "الغزوات" و"مقامات الحريري". وشكلت هذه الكتب حجر الأساس في تكوين وعيه الثقافي. كما لعب الشعر دورا مركزيا في حياته، شعر أبي الطيب المتنبي وأبي القاسم الشابي إلى إيليا أبي ماضي.

التحق بمحضرة القرآن التي تؤدي دور المدرسة في تحفيظ الأطفال القرآن الكريم، حيث درس المتون التقليدية في الفقه المالكي والنحو وعلم التجويد، لكنه أظهر منذ صغره ميلا للفضول والتعلم الذاتي، متجولا لمسافات طويلة للوصول إلى أماكن التعلم، متحديا الأساليب التقليدية التي تعتمد على الحفظ الصارم. ويبرهن مختار الشنقيطي من خلال تجربته على أن الثقافة الحقيقية تتشكل من الفضول والبحث الشخصي، وليس من الحفظ وحده.

توسيع المدارك

درس مختار الشنقيطي في 3 أكاديميات وتخصصات مختلف بفترة الجامعة، وهي: معهد الإمام ابن عباس، وقسم الترجمة بجامعة نواكشوط، والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، متعمقا في الترجمة والأدب الروسي، واطلع على أعمال دوستويفسكي وعبد الرحمن بدوي، لكن هذه التجربة المتعددة منحته القدرة على الربط بين ثقافات مختلفة وتكوين رؤية فكرية شاملة.

ومع دراسة الأخلاقيات السياسية وتاريخ الأديان، تأثر بكتب كبار المفكرين الإسلاميين مثل يوسف القرضاوي وسيد قطب وسيد أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي، ويقول مختار الشنقيطي إن الثقافة تتشكل من الجمع بين المعرفة الدينية، الفلسفة، السياسة، والأدب.

وفي هذا السياق، يؤكد المفكر الموريتاني على أهمية التخصص في القراءة، قائلا إنه يجب على المثقف أن يركز على مجال أو اثنين بدل التشتت في قراءة كتب متفرقة.

ويضيف أن "آلاف أبيات الرجز التي حفظتها لاستذكار أحكام التجويد، لا يحتاج المرء لحفظها حرفيا، بل لفهمها وتطبيقها بشكل جيد"، كما تمنى لو كان هناك من يوجّهه لحفظ الأحاديث، معتبرا أن مهارة الحفظ التي لديه لو قيدها في ما هو أكثر أهمية مثل كتب الأحاديث للإمامين البخاري ومسلم، لكان أفضل من حفظ ما لا يحتاج للاستذكار.

بدأ ضيف "حكايات أفريقية" التدريس في جامعة الإيمان باليمن، حيث كانت الدراسة لها ظروف خاصة، تبدأ بعد صلاة الفجر وتشمل التفسير ودراسة متون تأسيسية في كل علم، وهناك تعرف على كبار العلماء مثل الشيخ عبد الكريم زيدان، فقيه العراق، والعلامة محمد العمراني مفتي اليمن (يُلقب بالشوكاني المعاصر).

ومن أبرز الشخصيات المميزة التقى بها، كان الشيخ أحمد ياسين الفلسطيني عام 1998، أثناء جولة له في الدول العربية، حيث ألقى كلمة في الجامعة. وقد كتب مختار الشنقيطي قصيدة ترحيب بالشيخ أحمد ياسين، لكن منظمي الحفل منعوه من إلقائها.

واعتبر أن اللقاءات المباشرة مع الشخصيات الفكرية ساهمت في توسيع الأفق الثقافي وبناء الفكر.

بناء الفكر المعاصر

وفي صنعاء، تعرف مختار الشنقيطي على مفكرين يمنيين كانوا يصدرون مجلة "نوافذ"، حينها شارك في كتابة مقالات وكان من أبرزها مقال بعنوان "حضارتنا المنحرفة"، استند فيه إلى نظرية المفكر الجزائري مالك بن نبي حول مراحل الحضارة الإسلامية: الصعود، الامتداد، ثم السقوط.

لكن المقال الذي نشره في مجلة "نوافذ" أحدث نقاشا واسعا وغضبا بين العلماء، وكان الشيخ عبد الكريم زيدان من أبرز الذين طالبوا بمناقشته، وشُكلت لجنة لمراجعة الموضوع، لكن زيدان حاول احتواء الموقف.

وتبيّن رحلة مختار الشنقيطي، من طفولته في شنقيط إلى أروقة الجامعات العربية، أن ثقافة المثقف الحقيقي تُبنى على الفضول، القراءة المنتقاة، والانفتاح على التجارب المختلفة، مع الشجاعة في النقد والتحليل، كما تظهر قصته أن بناء الفكر المعاصر يحتاج مزيجا من التراث، البحث المنهجي، والتجربة الشخصية، لتصبح الثقافة ليس مجرد معرفة، بل أدوات للفهم والتأثير في المجتمع.

 

اقرأ أيضا

 

end of list