إعلانات

تعدد الهويات وترسيم اللهجات في موريتانيا: قراءة نقدية صريحة

جمعة, 21/11/2025 - 01:27

السالك ولد أباه

 

*مقدمة:*

تواجه موريتانيا اليوم وقبل اليوم سؤالًا مصيريًا في مخرجات الحوار الوطني المنتظر [[ يعطين خيرو]] : *هل يجوز ترسيم اللهجات الوطنية تحت شعار "تعدد الهويات"؟* سؤال يتجاوز الظاهر اللغوي إلى عمق وجود الدولة ومفهومها، يستدعي مقارنة عقلانية مع تجارب دول الجوار، وفحص الخلفيات الإيديولوجية المؤطرة لهذا الطرح.

---

*1. المطلب: بين الحق الثقافي والتوظيف السياسي*

ترسيم البولارية، والسونينكية، والولفية يُطرح كحق ثقافي مشروع للأقليات. لكن الواقع يكشف أن المطلب ليس نابعًا من حراك اجتماعي تلقائي داخل هذه المكونات، بل ترفعه نخب أيديولوجية ترى في اللغة أداة لإعادة بناء هوية الدولة وتفكيك ما تعتبره "الهيمنة العربية".

---

*2. النسب لا تُبرر الترسيم*

المكون البولاري مثلًا يشكل 8-10% من السكان، حسب تقديرات موثوقة (اليونسكو، CIA Factbook)، ما يجعله أقل من الحد الذي تفرض فيه دول أخرى ترسيم اللهجات غير المكتوبة . الترسيم اللهجى عادةً يُبنى على أساس أغلبية عددية أو ضرورة وظيفية، وهو ما لا ينطبق فى الحالة الموريتانية

---

*3. تجارب الدول المجاورة: أولوية الوحدة على الرمزية*

- *السنغال:* لم ترسّم الولفية رغم أنها لغة الأغلبية، فضلا عن البولارية بل حافظت على الفرنسية كلغة رسمية، ورفضت جعل اللهجات وسيلة لتقويض الدولة.

- *نيجيريا:* اختارت الإنجليزية كلغة رسمية رغم تنوعها اللغوي الهائل ووجود اكثر من عشرين مليونا من البولار ، منعًا للتفكك.

- - *مالي وغينيا:* رغم وجود البولار والسونينكي، لم يطالب أحد بترسيم لهجاتهم وابقت على الفرنسية لغة عمل وطنية ، لأن الحكمة السياسية اقتضت عدم زجّ الهويات المحلية في التنافس المؤسسي.

---

*4. خصوصية موريتانيا: لماذا يُراد لها العكس؟*

الغريب أن تُفرض على موريتانيا، الدولة العربية ثقافيًا ولسانيًا بنسبة تفوق89%، أجندات لغوية لم تُفرض على غيرها من الدول الإفريقية غير العربية. السؤال المنطقي هنا: *لماذا يراد للدولة العربية الوحيدة في الإقليم أن تتخلى عن رمز سيادتها – اللغة العربية – لصالح رموز عرقية غير مستقرة؟ مزدوجة الولاء *

---

*5. البعد الإيديولوجي: عندما يتقاطع خطاب الأقليات مع اليسار الراديكالي*

الطرح لا يأتي من فراغ. خلفه تيارات ماركسية محلية معروفة بالعداء للمشروع العربى والتحر يض على المنتمين اليه فقدت امتدادها الشعبي، فتحالفت مضطرة مع حركات تطالب بـ"حق تقرير المصير الثقافي"، وراحت تعيد إنتاج خطاب إقصائي ضد الأغلبية العربية، متهمة إياها بالعنصرية والهيمنة.

---

*6. منطق الدولة مقابل منطق الهوية الفرعية*

الدولة لا تُبنى على المجاملات الرمزية. ترسيم اللهجات في الدستور يعني تحويل الهويات الثقافية إلى كيانات سياسية، وهو ما ينذر بصراعات لغوية وعرقية لن تنتهي. المقاربة العقلانية تقتضي:

- تعزيز تعليم اللهجات الوطنية كلهجات ثقافية.

- تحصين اللغة العربية لغةً رسميةً ووحيدةً للإدارة والتشريع.

- رفض المزايدات الرمزية التي لا تخدم وحدة الدولة.

---

*7. خطورة سابقة الترسيم في السياق الموريتاني*

الترسيم الآن، ولو شكليًا، سيفتح الباب لتفكيك المؤسسات الوطنية على أسس هوياتية. قد يُستغل لاحقًا للمطالبة بتقسيم المناصب والإدارة والجيش والمحاصصة على قاعدة عرقية أو لغوية، مما يقوض مبدأ المواطنة المتساوية.

---

*8. الدستور لا يُعاد تشكيله استجابةً لضغط رمزي*

ترسيم اللهجات ليس مطلبًا شعبيًا عامًا، بل فئوي محدود. وان ظل مدعوما من بعض دوائر صنع القرار الفرنسى؟؟ تعديل الدستور ينبغي أن يُبنى على توافقات وطنية كبرى، كااعادة النظر فى المواد التى تحدد الماموريات الرئاسة فى حالة الضرورة لا على طروحات مشحونة بأبعاد تاريخية مؤلمة أو تصفية حسابات رمزية.

---

*9. ذكرى الاستقلال: لحظة مراجعة لا مساومة*

يأتي هذا النقاش في ذكرى الاستقلال، لحظة مراجعة لما تحقق. فهل ننتقل من خطاب "الوحدة الوطنية" إلى "تعدد الهويات المؤسسية"؟ وهل الشعور العام الذي يسود اليوم هو امتداد لما فرضه اليسار المتحالف مع طرح الأقليات المعادى للانتماء العربى ، أم لحاجة وطنية حقيقية؟ على الأغلب، الأمر الأول.

---

*خاتمة:*

موريتانيا ليست الاستثناء الذي يجب أن يفتح ترسانته الرمزية لتجارب لم تنجح حتى في محاضنها الطبيعية. اللغة الرسمية ليست ترفًا بل ركيزة سيادة، ولا يجوز فتحها للمساومة. اللهجات تُحترم وتُدرّس وتُحفظ، لكنها لا تُرسَّم، لأن في الترسيم خلطًا بين التنوع الثقافي والتنازع السياسي. حذارِ من فتح الباب لما لا يمكن سده لاحقًا