
رحل اليوم بنواكشوط محمد الزين ولد القاسِم (1952-2025). كان عالِماً موريتانيا صارَ يُنظَرُ إليه أنّه "آخر الكِبار" من جيل العلماء المحظريين الكلاسيكيين. ولعلّه من آخِر الزوايا، فمفهوم الزوايا في صيغته المغاربية هو مدارِس إسلامية، ولكنّها صارَت كُتلاً قبلية وعشائرية، لا مدرسية فقط، في الصحراء وبالأخصّ موريتانيا. أمّا في المغرب الأوسَع فقد ظلّت الزوايا امتداداً للرباطات المشرقية والمغربية والصحراوية، وقائمة على فكرة المدرسة أكثَر من الجماعة. وكان ولد القاسِم وفياً لهذا النموذج، مثله مثله أستاذه، الحاج ولد فحفحو (1913-2028) كما من سبقه من جهابذة القرن التاسع عشر والعشرين.
وُلد ولد القاسِم في كَرو ودرَس في تكّانت وأسّس بها عدة محاظِر منذ ثمانينيات القرن العشرين كمحظرة "اكراف الخير" و"القفلة" و"اجميجة"، وغيرها من المحاظِر التي ظلّ يؤسّسها حتّى 2009. كان زاوياً منفِقاً في بناء المحاظِر، مجانية التعليم والمعيشة. بل وإنّه بنى طُرُقاً فكّ بها العزلة بين القرى المحظرية في لعصابة وتكانت أفادت التبادل الثقافي وحتّى التجاري في الحومة. لم يلتحِق ولد القاسِم كثيراً بالدولة، كما فعلت المحاظِر الموريتانية، التي دخلت إمّا في نموذج المدرسة الحديثة أو التجارية أو في طلب الريع عند السلاطين، المحليين أو الخارجين. وظلّ، غالباً، منعزِلاً عن الدولة وناسها. ولعلّ جمهور المدن لم يُعايِنه إلاّ في ترندٍ فيسبوكي في 2021 عندما اصطدمت مزاحية العلماء الموريتانيين التقليدية لديه بالصوابية السياسية عند "جيل زيد"، الذي لا يُداهِن في اللباقة السياسية. ففَهِم العصر واعتذَر عن مزحته. لم يكن مكابِراً. وظلّ محبوباً وخلف أثراً روحياً ومعرفياً معتبَراً.
رحمه الله وأدخَله فسيح جنانه.

