
سمير الجندي
روائي فسلطيني
كانت نواكشوط في أيام معرض الكتاب الدولي أشبه بساحة تتنفس الحياة من بين دفات الكتب، وتغتسل بروح الحرف وعبق التراث الموريتاني الأصيل.
هناك، في مدينة الرمل والضوء، التقت العراقة بالحداثة، وامتزجت أصالة المكان بوهج الكلمة، فانبثقت فسيفساء من الأمل والجمال والعمل الدؤوب.
في ذلك المعرض لم تكن الكتب مجرد أوراق مطبوعة، بل كانت مرايا لوجوه ناصعة تحمل الذاكرة والحنين، وتروي حكايات أجيال لا تزال تؤمن بأن الثقافة هي الجسر الأجمل نحو الغد. بين الرفوف، كانت روايتاي «فتى المدينة» و «ألا خوف عليهم» تقفان كغصنين في حديقة الأمل، تمتدان بأوراقهما نحو أياد قمحية تفيض دفئا، وعيون تلمع من وهج الشغف، ومن توق إلى المعنى والجمال.
كان المشهد أشبه برقصة بين الحبر والرمل، بين صدى البحر ونبض الصحراء.
في كل زاوية من المعرض كانت الأرواح تلتقي قبل الأجساد، وكان الحوار بين القلوب أبلغ من الكلام. هناك أدركت أن نواكشوط ليست فقط عاصمة بلد عربي، بل موطئ حلم كبير يتفتح على صمت الصحراء كزهرة من ضوء.
أما الأحبة: الخليل الزبير، الشاعر المبدع المختار السالم، الشيخ، الشيف محمد، د.نور، د.نضال، الشاعر الدكتور عبد الرحيم... فقد كانوا نوافذ من صدق وإنسانية، قصائدَ تمشي على الأرض، وملامح حفرت في الذاكرة كما تحفر الوشوم في الروح.
تلك الأيام مرت كنسمة صيف تمسح عن القلب غبار البعد، لكنها تركت أثرها الدافئ في الوجدان، وعدا بالعودة، وشهادة بأن الكلمة ما زالت قادرة على أن تصنع الفرح الشفاف والأمل المتجدد، حتى في مدن الرمل التي تكتب حكايتها بحروف من شمس وكرامة.

