إعلانات

هل تدعم روسيا خطة الحكم الذاتي المغربية لحل نزاع الصحراء؟

ثلاثاء, 14/10/2025 - 03:53

عادل نجدي

فتح تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الاثنين، أن بلاده مستعدة للترحيب بمخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لتسوية نزاع الصحراء، الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يتعلق بتطور جديد في موقف موسكو. وفي خطوة لافتة، أعلن وزير الخارجية الروسي، اليوم الاثنين، أن مقترح الحكم الذاتي المغربي لإنهاء الصراع حول الصحراء، أحد أوجه تقرير المصير المعتمدة من طرف الأمم المتحدة، إذا ما تم ذلك عبر اتفاق جميع الأطراف. وهي المرة الأولى التي تبدي فيها موسكو ترحيبها بمقترح الحكم الذاتي المغربي بوصفه خياراً واقعياً لطي الملف.

وأكد لافروف، الذي كان يتحدث في لقاء صحافي عقده مع ممثلي وسائل الإعلام من الدول العربية في موسكو، أن الموقف الروسي تجاه قضية الصحراء يرتكز على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مشيرا إلى أن بلاده "تدعم تقرير المصير عبر الجلوس إلى طاولة الحوار، وليس من خلال إجراءات أحادية". ولفت إلى أن قضية النزاع حول الصحراء كانت مطروحة على الطاولة منذ خمسة عقود، وكان الحل المطروح حينها لتسويتها هو خيار الاستفتاء، غير أن الواقع تغير لاحقا، مشددا على أن "مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يمكن أن يكون حلا ناجحا إذا حظي بموافقة الأطراف المعنية وأشرفت عليه هيئة الأمم المتحدة".

وفي إشارة إلى القرار الجديد المتوقع من طرف مجلس الأمن بخصوص إعادة تعريف بعثة الأمم المتحدة، لتتحول من "المينورسو"، التي تعمل على تطبيق الاستفتاء، إلى صيغةٍ جديدة تعمل على تنزيل الحكم الذاتي، قال لافروف إن بلاده ستستند إليه عند اعتماده. ويأتي إعلان لافروف في وقت تتجه الأنظار إلى الجلسة التي سيعقدها مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة، لمناقشة آخر التطورات المتعلقة بالوضع في الصحراء، إضافة إلى بحث مستقبل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء "المينورسو".

وفي السياق، قال مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتيحي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن ما أعلن عنه لافروف يعتبر تطورا نوعيا في الموقف الروسي من قضية الصحراء، معتبرا أن التغييرات والتطورات التي عرفها الملف بعد مواقف مؤيدة للحكم الذاتي لدول كبيرة داخل مجلس الأمن الدولي، فرضت على موسكو أن تبدي استعدادها للتوافق من داخل المجلس لإنهاء النزاع في الصحراء.

وبحسب الفاتيحي، فإن الموقف الروسي محاصر من جهة بجودة شراكاتها مع المملكة المغربية، ومن جهة أخرى، بمواقف الدول دائمة العضوية داخل مجلس الأمن الدولي التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها حلا مثاليا لإنهاء نزاع الصحراء. واعتبر  أن إعلان موقف روسي متقدم وهي تترأس دوريا مجلس الأمن يكشف عن انخراط إيجابي منها مع باقي أعضاء المجلس لاستصدار قرار نهاية أكتوبر / تشرين الأول الجاري يحسم إنهاء النزاع.  

 

وأوضح أن تصريح لافروف يؤشر أيضا على أن كواليس مجلس الأمن تعرف مشاورات مكثفة لا بد أن تترجم إجماعا أمميا ينعكس على قرار سيحسم نزاع الصحراء، وفق آليات عملية تضع آجالا معقولة لتطبيق الإجراءات العملية لحل النزاع بإشراف أممي أساسه سيادة المغرب على الصحراء. كما أنه يشير إلى أن مناقشات عميقة بشأن هيكلة جديدة لدور بعثة "المينورسو" في الصحراء جارية للتكيف مع ما سيسفر عنه القرار الأممي المقبل بشأن طبيعة الحل على أساس مبادرة الحكم الذاتي تحت إشراف أممي يوكل إلى هذه البعثة.

واعتبر أن نواة الترحيب الروسي بمبادرة الحكم الذاتي، تتضمن تطورا نوعيا أيضا في عرف السياسية الخارجية الروسية، حيث باتت تعتبر الحكم الذاتي شكلا من أشكال تقرير المصير، وأنه يمكن أن يكون حلا ناجحا لنزاع الصحراء. من جهة أخرى قال رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، نبيل الأندلوسي، إن تصريحات لافروف تأتي في ظرف دولي وإقليمي دقيق، تطغى عليه تداعيات الحرب في أوكرانيا والتي جعلت روسيا تبحث عن توطيد حضورها في العالم العربي وأفريقيا، خاصة مع دول ذات وزن جيوسياسي واستراتيجي على المستوى الإقليمي مثل المغرب والجزائر.

وأوضح الأندلوسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن موسكو تدرك أن المغرب أصبح فاعلا محوريا في شمال أفريقيا وغربها، وأن موقعه في القضايا الأفريقية مهم لأي استراتيجية روسية في القارة الأفريقية. لكن، وفي المقابل، تحافظ روسيا على علاقات تقليدية متينة مع الجزائر، أحد أبرز داعمي جبهة "البوليساريو" الانفصالية. ورأى أن لافروف يحاول صياغة خطاب متوازن يرضي جميع الأطراف، وإن كان التصريح الأخير حاملا لاعتراف ضمني بمصداقية المبادرة المغربية، عبر اعتبار أن مخطط الحكم الذاتي يمكن أن يكون "حلا ناجحا إذا حظي بموافقة الأطراف وتحت إشراف أممي"، وهذا يمنح المقترح المغربي شرعية سياسية ضمن إطار أممي حاضن. كما يعتبر تقدما عن الموقف الروسي الكلاسيكي الذي كان يكتفي بتأكيد "الاستفتاء" و"الحياد الصارم" حد الجمود.

ولفت إلى أن لافروف لم يربط تقرير المصير حصرا بالاستفتاء، بل أدرجه في سياق "الجلوس إلى طاولة الحوار"، وهذا تأويل مرن لمبدأ تقرير المصير، يفتح الباب أمام حلول سياسية توافقية كالحكم الذاتي، مما يمكن اعتباره موقفا قريبا من الرؤية المغربية للحل. وأكد أن إشارة لافروف إلى الاحتكام للأمم المتحدة بوصفه شرطا ضروريا يعتبر استمرارا لتمسك روسيا بالإشراف الأممي، مما يعكس رغبتها في البقاء ضمن إطار الشرعية الدولية، مع تجنب الاصطفاف الصريح إلى أي طرف، وإن كان التصريح الأخير للافروف يعد إشارة إلى انفتاح روسي على المقاربة المغربية، حيث أصبح موقف موسكو أكثر واقعية وبراغماتية تجاه مقترح الحكم الذاتي، بعدما أصبح خيار الاستفتاء عمليا وواقعيا متجاوزا.

وخلال الأشهر الماضية، كثّف المغرب تحركاته الدبلوماسية نحو عواصم غربية، في خطوة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في مسار نزاع الصحراء، من خلال محاولة ترسيخ الاعتراف الدولي بسيادته على المنطقة، وتوسيع نطاق الدول الداعمة لمبادرة "الحكم الذاتي". وهي التحركات التي أفضت إلى انضمام بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في دعم المقترح المغربي.

وجاءت هذه التحركات في ظل مؤشرات على دخول النزاع مرحلة حاسمة، بعد تأكيد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، خلال جلسة مغلقة عقدها مجلس الأمن في إبريل/ نيسان الماضي، أن الأشهر الثلاثة المقبلة قد تمثل فرصة حقيقية لتحقيق تهدئة إقليمية، تمهّد لوضع خريطة طريق جديدة باتجاه الحل.

وتنص المبادرة المغربية، التي قوبلت برفض جبهة "البوليساريو" والجزائر، على نقل جزء من اختصاصات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى "جهة الحكم الذاتي للصحراء". وبموجب هذا النقل، يدبّر سكان المنطقة "شؤونهم بأنفسهم بشكل ديمقراطي"، بينما تحتفظ الرباط باختصاصاتها المركزية "في مجالات السيادة، ولا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية"، فضلاً عن ممارسة الملك لاختصاصاته الدينية والدستورية.

 

تقارير عربية

​​​​​​​المغرب: ما دلالات تشجيع واشنطن الشركات الأميركية في الصحراء؟