
السفيرة مور أوبين خلال لقائها مع وسائل إعلام جزائرية. الصورة من صفحة السفارة الأمريكية في الجزائر على فيسبوك
الجزائر- “القدس العربي”:
أكدت السفيرة الأمريكية في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، أن الشراكة الجزائرية الأمريكية تقوم على أسس متينة من التعاون والاحترام المتبادل. واكتفت الدبلوماسية بعموميات فيما يخص موقف بلادها المثير للغضب بخصوص القضية الفلسطينية، مؤكدة أن الولايات المتحدة تسعى للسلام.
وفي ندوة صحافية نشطتها السفيرة مع وسائل إعلام جزائرية، قالت أوبين إن متانة العلاقة بين البلدين، تتجسد في مجالات متعددة أبرزها التعاون العسكري ومواصلة التنسيق حول قضايا السلم والأمن الإقليمي. وأبرزت بشأن التعاون العسكري بين البلدين، أن هذه العلاقة قديمة ومستمرة، مشيرة إلى توقيع مذكرة التفاهم في كانون الثاني/ يناير الماضي بين قائد “أفريكوم” السابق الجنرال لانغلي والفريق أول السعيد شنقريحة، والتي جسدت الرؤية المشتركة للاستقرار الإقليمي والدولي.
وأشارت إلى أن التعاون يتجسد في زيارات وتبادلات ميدانية، منها زيارة المدمرة الأمريكية “يو إس إس فورست شيرمان”، وإجراء تمرين حول الأمن الجوي بقاعدة بوفاريك الجوية بمشاركة فريق من القوات الجوية الأمريكية قادم من قاعدة رامشتاين، إلى جانب تمرين مشترك في مجال المواد الخطرة HAZMAT.
وكشفت أنها حضرت الأسبوع الماضي مراسم تسليم القيادة للجنرال أندرسون كقائد جديد لـ”أفريكوم” بحضور وفد عسكري جزائري لأول مرة، معتبرة ذلك مؤشراً على عمق وتوسع العلاقات. وأشارت إلى أن الوفد الجزائري أجرى لقاءات قصيرة مع نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، ومع القائدين السابق والحالي لقيادة أفريكوم، وهو ما أتاح فرصة للتعارف وتطوير العلاقات.
وبخصوص موقف بلادها الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة، وما يثيره من غضب في الشارع الجزائري، قالت أوبين في إجابة لا تخلو من الدبلوماسية إن “القضية الفلسطينية تحتل مكانة خاصة في أولويات بلادها”، مؤكدة أن “الولايات المتحدة دافعت وتواصل الدفاع عن السلام وعن إيصال المساعدات الإنسانية، مع تكثيف الجهود من أجل التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني”.
وأضافت أن واشنطن شكرت الجزائر على التزامها الكبير بهذه القضية، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة شاركت الجزائر ومعها العديد من الدول الأخرى في الاستجابة للوضع الإنساني في غزة، وفي تشجيع المجتمع الدولي على التحرك.
الولايات المتحدة ترغب في المساهمة في تسهيل إحراز تقدم نحو تحقيق هذا الهدف، بما يفتح المجال أمام حقبة جديدة من السلام والازدهار في الصحراء الغربية
وأوضحت مور أوبين أن بلادها تتبنى مقاربة واقعية تجاه الوضع الحالي، مركزة على ضرورة إنهاء النزاع عبر تحقيق عدة أهداف أساسية، هي: إطلاق سراح المحتجزين، إنهاء ما وصفته بسيطرة حركة حماس ووقف التهديدات الموجهة ضد إسرائيل، وفي الوقت نفسه ضمان وصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى السكان في غزة. واعتبرت أن الوضع معقد وصعب للغاية، لكنه يشكل محوراً دائماً في النقاشات بين الولايات المتحدة والجزائر، حيث تتم مناقشته بشكل صريح ومفتوح.
وفي ملف الصحراء الغربية، قالت السفيرة الأمريكية في الجزائر، إن “هذا النزاع طال أمده كثيراً حيث تجاوز الخمسين عاماً، وهو ما كلف أرواحاً عديدة وحرم سكان المنطقة من السلام والأمن والازدهار الذي يستحقونه”. وأوضحت أن “الولايات المتحدة ترغب في المساهمة في تسهيل إحراز تقدم نحو تحقيق هذا الهدف، بما يفتح المجال أمام حقبة جديدة من السلام والازدهار في الصحراء الغربية”. وأكدت أن “واشنطن تشجع جميع الأطراف على الدخول في محادثات دون تأخير من أجل التوصل إلى حل مقبول من الطرفين”.
وفي ما يتعلق بالطاقة والاقتصاد، أوضحت مور أوبين أن لقاء الرئيس عبد المجيد تبون مع مسؤولي شركتي “إكسون موبيل” و”شيفرون” يعكس حركية في مسار التعاون، مؤكدة أن الشركتين تجريان محادثات مع الحكومة الجزائرية حول تطوير مشاريع جديدة في مجال الغاز. وأضافت أن واشنطن تعتبر هذه الشراكة ذات أهمية استراتيجية وتدعمها بقوة، مشيرة إلى أن التعاون الأمريكي الجزائري في قطاع الطاقة يمتد لعقود طويلة.
وأكدت دون أن تفصح عما إذا كانت هناك شراكة لاستغلال الغاز الصخري في الجزائر، أن بلادها تساند إدماج التكنولوجيا الأمريكية وتوظيف الكفاءات الجزائرية في المشاريع المشتركة بما يعزز الازدهار. وأوضحت في الوقت نفسه أن التعاون الاقتصادي لا يقتصر على الطاقة، إذ توجد أكثر من مئة شركة أمريكية ناشطة في الجزائر، منها 15 فقط في مجال النفط والغاز، والباقي في مجالات متنوعة، من بينها الزراعة التي تشهد تعاوناً متزايداً يساهم في دعم الأمن الغذائي. وتحدثت أيضاً عن دعم الولايات المتحدة لمسار الانتقال الطاقوي في الجزائر، حيث تعمل مع الحكومة الجزائرية لمرافقتها في مشاريع الطاقات المتجددة وتقديم حلول تقنية متكاملة تغطي مختلف المجالات، مع الاستمرار في تطوير الطاقات التقليدية.
وفي الإطار نفسه، تطرقت السفيرة إلى موضوع الابتكار والمؤسسات الناشئة، مؤكدة أن التعاون الأمريكي ساهم في إطلاق أول صندوق استثماري خاص بالجزائر بالشراكة مع وزارة المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة، وهو مشروع متعدد السنوات حقق خطوات معتبرة. وأشارت إلى أن هناك اهتماماً متزايداً من الشركات الأمريكية بالعمل مع شركاء جزائريين في هذا المجال، مما يساهم في تبادل الخبرات التكنولوجية وزيادة الاستثمارات، وهو ما يعزز الروابط الاقتصادية والإنسانية.
واستشهدت بتجربة شركة “بلدنا” القطرية التي ستنشئ وحدة لإنتاج الحليب بولاية أدرار باستخدام أبقار أمريكية وتقنيات أمريكية للري الذكي، معتبرة ذلك مثالاً على شراكات ثلاثية ناجحة تجمع الجزائر وشركاء آخرين بالتكنولوجيا الأمريكية. كما أكدت أن مشروع فتح خط جوي مباشر بين الجزائر والولايات المتحدة يظل من أولوياتها الشخصية خلال فترة عملها، معتبرة أن ربط الجزائر مباشرة بنيويورك عبر مطار “جي أف كاي” سيعزز العلاقات الاقتصادية والسياحية والثقافية بين البلدين، مشددة على أنها ستواصل الدفع بهذا المشروع إلى حين تجسيده.
السفارة الأمريكية تدعم توفير أساتذة للغة الإنكليزية في الجامعات الجزائرية، إلى جانب برامج لتكوين الموظفين الحكوميين الجزائريين لبلوغ مستوى مهني متقدم في الإنكليزية
وعن التعاون الثقافي، أبرزت السفيرة أن العلاقات الجزائرية الأمريكية ترتكز أيضاً على هذا الجانب الحيوي، مشيرة إلى وجود خمسة مراكز ثقافية أمريكية في الجزائر تعرف باسم “American Corners” في كل من وهران، قسنطينة، ورقلة، بشار والجزائر العاصمة، حيث يمكن للجزائريين تعلم اللغة الإنكليزية مجاناً.
وأكدت أنّ السفارة تدعم توفير أساتذة للغة الإنكليزية في الجامعات الجزائرية، إلى جانب برامج لتكوين الموظفين الحكوميين لبلوغ مستوى مهني متقدم في الإنكليزية. وأوضحت أن هذه المبادرات تمثل ركناً أساسياً في تعزيز التفاهم بين الشعبين. كما أشارت إلى تنظيم ورشة للمبارزة في ولاية تيبازة استمرت ثمانية أيام بمشاركة رياضيين أمريكيين من المستوى الأولمبي، حيث جرى النشاط باللغة الإنكليزية وكان فرصة للشباب الجزائري للتلاقي مع نظرائهم الأمريكيين وتبادل التجارب، وأعلنت عن برنامج مماثل سيقام في ولاية نيوجيرسي الأمريكية لاحقاً هذا العام. واعتبرت أن الشباب الجزائري يقبل بكثرة على تعلم الإنكليزية، وغالباً بلكنة أمريكية، وهو ما وصفته بالمثير للإعجاب.
ووفق السفيرة، فإن علاقات الجزائر والولايات المتحدة تستند إلى إرث تاريخي يعود إلى معاهدة السلام والصداقة الموقعة عام 1795، والتي سيحتفل البلدان قريباً بذكراها الـ230، وأن هذا الإرث يتجسد اليوم في شراكة متنامية تشمل الأمن، الاقتصاد، الثقافة والطاقة، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.