النظام والمعارضة .. توازن الضعف !!
تمر موريتانيا ، حقا، منذ 2008 ، بمرحلة وسطى بين الاستقرار وعدم الاستقرار ؛ فلا هي مستقرة تعيش وضعية سلمية تمكنها من مواجهة مشاكل التنمية وتحديات التحولات الاجتماعية ، التي يشهدها المجتمع الموريتاني ، والتي تأخذ ، من حين لآخر، أبعادا من التوتر المتزايد . و لا هي غير مستقرة ، كذلك، بحيث تتعطل فيها ، كليا، المؤسسات الدستورية ، لتعيش البلاد قي حالة أحكام الطوارئ .
ولقد تداخلت معطيات كثيرة في تركيبة الأزمة الموريتانية فعقدتها ، حتى بات الجميع في وضع ارتباك إزاء هذه الأزمة ، التي تزداد ، يوما بعد يوم ، اندفاعا نحو المجهول. وبرغم الجهود التي يبذلها النظام الحاكم ، من جانب واحد ، في سبيل التخفيف من أثقال الأزمة السياسية عليه، إلا أن تلك الجهود باءت كلها بالفشل الذريع ، بسبب أحاديتها ، من جهة، وبسبب تعنت النظام على فرض أجندته تفصيليا، وإصراره على تصفية القوى السياسية والحزبية ، التي كانت مهيمنة على المشهد السياسي في البلاد، قبل مجيء النظام الحالي، وخاصة تلك القوى المنبثقة عن الحركات السياسية التي سادت في ثمانينيات القرن الماضي، باستثناء التيار الناصري، الذي تحلل بكل أسف ، منذ نظام الرئيس ولد الطايع، في دواليب السلطة وأحزابها وحوافها، مخلفا ثلمة بحجمه في جدار و خطاب ودور التيار القومي عموما. فالنظام الحاكم يركب رأسه ويبدي عنادا كبيرا في إخراج تلك القوى من الساحة السياسية ، عبر سلسلة من الإجراءات ، التي تأخذ مرة صيغة " حوارات مونولوغية" لا معنى لها و لا مبنى؛ وأحيانا يتمظهر عناده في ضخ عناوين " حزبية " ليس لها شكل وليس لها مضمون ، بهدف " تغليظ فتلة " الكتلة الموالية له، عدديا. وقد دفعه هذا الإصرار ، على تحييد خصومه السياسيين الفاعلين ، إلى الانكفاء داخل شرنقته الأمنية ، والتعويل على القوى التقليدية والفئوية والقبلية ؛ الأمر الذي أفرغ خطابه من كل محتوى وطني ، وحول تركيبته إلى توليفة قبلية – فئوية – عسكرتارية مهمومة بالاصطراع على المواقع الحكومية والمؤسسات العمومية ، والتموضع في القطاعات الإدارية " الدسمة " .. وهكذا، فإن النظام الحاكم ، اليوم ، ليس شيئا آخر غير محاصصة بين أوليغارشيا من زمرة عسكرتارية - قبلية – فئوية، تخفي نفسها في الشعارات العامة ، وتؤكد وجودها في الممارسات اليومية لتسيير الدولة ، تتوزع المغانم والفوائد ، مما أدى إلى شبه شلل في أداء المؤسسات الحكومية ، التي صارت قسمة بين تلك القوى العسكرية و القبلية والفئوية، الممسكة بالقاعدة الشعبية، المتضائلة ، للنظام؛ فمكنها ذلك من المسك بقواعد اللعبة في كل استحقاق سياسي ، لتظل ، منذ 2008، تحتكر مواقع التأثير في مفاصل الدولة ومؤسساتها، بفضل احتكار وسائل الدولة نفسها ومؤسساتها.
وفي مقلوب الخلفية، توجد معارضة منهوكة ، تتلاحق أنفاسها جراء الإجهاد ، ليس لها ما يجمعها إلا التوحد في المعاناة من أساليب النظام بحقها، وما يفرقها أكثر مما يوحدها ؛ إلا أنها باتت مدركة لخطورة الحرب التي يخوضها النظام ،سرا و علانية، ضدها كأحزاب وكمرجعيات تاريخية في العمل النضالي ، وكرموز وكأفراد من المجتمع. غير أن المعارضة التي تجتاز ، بشق الأنفس، هذه التحديات المصحوبة بهذا الرهان الوجودي المفروض عليها ، تدرك ، أيضا، أن حبل النجاة لها هو في وحدتها ، وتحمل واستيعاب بعضها بعضا، برغم الخلافات الإديولوجية المستعصية تاريخيا، لأن البلد ينزلق نحو المجهول، ولأن المهمة السياسية ، من أجل إنقاذه، باتت في غاية الصعوبة؛ خصوصا أنه لم يعد بالإمكان تغيير هذا النظام إلا بتغيير توليفته العسكرية القبلية الفئوية، وهو ما يتجاوز إمكانيات كل فصيل معارض، على حدة!. وهذا ما يعقد دور المعارضة ، التي ترى البلد يتحول إلى ضيعة خاصة بأقلية عسكرية وقبلية وفئوية ؛ استحوذت على الكتلة النقدية في البلد واستولت على عقارات الدولة وممتلكاتها المنقولة واللامنقولة، وصارت متحكمة في كل شيء. ومن هنا، فإن عملية تعديل الدستور الأخيرة، بقوة التزوير الفاضح، تفوح منها نذر شؤم للبلاد بصورة عامة، وللمعارضة التاريخية، التي تصارع من أجل استعادة ثقة الشعب بمستقبلها ، ومن أجل تثبيت شرعيتها ومرجعيتها السياسية المرتجة. بيد أن المعارضة ، في ضوء تصاعد السخط الشعبي ضد النظام ،واستخفاف هذا الأخير بمعاناة الشعب، قد استفادت سياسيا ومعنويا من بوادر تصدع جدار النظام وتآكل بنيته الضيقة ؛ وهذا ما أدى إلى إضعاف الروح المعنوية لزمر النخب المتحلقة من حوله ، والتي ظلت محصورة في هوامش مشهد السلطة. وعلى هذا، فإن موريتانيا تواجه أكبر خطر، غير مسبوق ، يتمثل في التوازن السلبي لوضعية الضعف بين النظام والمعارضة ؛ فلا النظام مسيطر تماما على البلاد، التي تتفلت منه باطراد، ولا المعارضة قادرة، في ظروفها الراهنة، على تشكيل البديل الفعلي عن النظام، لافتقارها إلى هوية وطنية مشتركة ومشروع سياسي موحد ومقنع، يجدان ترجمتهما في أفعال سياسية تؤثر بشكل مباشر على مجرى الأحداث ، وتجعل المعارضة صاحبة المبادرة ؛ بل إن ما تقوم به المعارضة ، حتى الآن ، هو مجرد تكتيكات قصيرة المدى وردود أفعال تشي دائما وتغري النظام بقابلية استيعابها، أو استيعاب بعض مكوناتها، برغم ضعفه وإفلاسه السياسي والأخلاقي. وفي حالة ما إذا بقي الوضع على ما هو عليه من سوء ، في ضوء معطيات الواقع، فقد تتدحرج البلاد ، لا قدر الله، نحو فراغ سياسي مفاجئ، في ظل غياب قوى سياسية معارضة منظمة تمسك، في مثل هذه الحالة، بالمبادرة وتضبط إيقاع الأحداث؛ فتملأ الفراغ ، وتكون جهة التواصل مع الجهات الدولية؛ والأخطر من كل ذلك أن التنظيمات والشبكات الإرهابية في المشرق العربي- التي يبدو أن الغرب قد استنفد غرضه منها بعد ما دمر بها أقطار تلك المنطقة – ستتجه ، " بعد هزيمتها هناك" ، بكل تأكيد نحو منطقة المغرب العربي، خصوصا وأن فراغا هائلا، سياسيا وجغرافيا وأمنيا، أصبح يمتد من موريتانيا ليغطي جميع منطقة الساحل، حتى نجيريا....!!
بفعل الوضع الاقتصادي المتردي .. الشباب الموريتاني في خطر !!
لم تتوقف موجات هجرة الشباب الموريتاني سواء من داخل البلاد نحو العاصمة، أومن الوطن إلى فجاج العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي، بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية . فقد هاجر ما يناهز ثلثا الشباب الموريتاني من ديارهم وتشتتوا شذرا مذرا في العالم بحثا عن مصادر للدخل بعد أن ضاقت عليهم ثروات بلدهم بما رحبت ، وبعد أن يئسوا من سياسات الترميم و " الإصلاحات الهيكلية " التي فرضتها على البلاد المؤسسات النقدية الدولية ، المتواطئة مع أنظمة الفساد والإفساد، وكانت أكبر كارثة اقتصادية عرفها بلدنا بسبب نتائجها على الاقتصاد الوطني بصورة عامة، وعلى الفئات الاجتماعية الوسطى والدنيا، من سكان المدن الداخلية و القرى و الريف والبادية، أي ما هو في حدود الثمانين في المائة من سكان البلاد؛ خصوصا وأن تلك "الإصلاحات الهيكلية" جرت في حقبة أفسد أنظمة عرفتها البلاد ، منذ استقلالها ؛ حيث ارتفعت نسبة الطالة بمعدل مرعب في أوساط الشباب ( حدود 40% )؛ وحيث تردى مستوى التعليم حتى وصل في انحداره أسوأ وضع له ، في ظل النظام القائم. فضلا عن عدم الانسجام بين محتويات ما يسمى التعليم مع متطلبات الاقتصاد غير المصنف الذي طغى ، وعدم ملاءمة مخرجاته مع حاجات الناس، حتى لا نقول حاجات سوق العمل؛ لأنه لا وجود عندنا ، لسوق عمل بالمعنى المتداول في علم الاقتصاد. كما أن الحاملين للشهادات الجامعية ، فضلا عن ذلك ، لا يعنون شيئا بالنسبة للكفاءة بسبب فشو الاختلاس المنظم ورداءة الرقابة على المسابقات الوطنية. وعندما تجتمع عوامل ارتفاع نسبة الأمية في شعب مع ارتفاع نسبة الفقر بين أفراده ، مع انتشار البطالة في شبابه ، والتدني المروع لمحتوى تعليمه ، فإن الوضعية العامة لهذا الشعب تصبح جحيما لا يطاق !
إن موريتانيا اليوم هي مجرد تجمع من الشيوخ العجزة والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا، مع قلة قليلة من الشباب الذين لم يحالفهم الحظ في تملك وسائل يشترون بها تأشيرات دولية ، خصوصا أمريكية وأوروبية، للخروج من هذه جهنم التي تلفح وجوههم ، وتأكل أعصابهم وتثبط معنوياتهم وتحرق أجسامهم ، وتدمر أحلامهم وتخرب عقولهم وتجفف عواطفهم ، وتشوش أفكارهم ، وتحد من رؤيتهم ورؤاهم...! ومن الغريب أن كل الحلول التي تتقدم بها الحكومة الفاسدة مباشرة أو غير مباشرة تندرج كلها في إطار الاحتواء في الأجهزة الاستخبارية للسلطة بصيغ مختلفة ، مباشرة أو غير مباشرة، على غرار هياكل تهذيب الجماهير التي ابتكرها النظام الوحشي للرئيس السابق ولد هيداله في ثمانينيات القرن الماضي، وبشكل لا هدف من ورائه إلا امتصاص الطاقة النفسية والبدنية والغضبية لألئك الرافضين لهذا الجحيم وخاصة الشباب ، الذين، بفطرتهم وتكوينهم وقلة خبرتهم، يستسلمون للدعاية بسهولة؛ فيجدون أنفسهم أدوات ضمن ماكينة دعاية السلطة لمواجهة خصوم الواقع، الذي دفع بهم، هم أنفسهم ، إلى هذا الصنف الجديد من الاسترقاق السياسي! وفي النهاية يرمون في سلة المهملات !
إن مثل هذه " السياسة" لن تقتصر آثارها السلبية عند حد تفويت الفرص على الشباب - بسبب سرقة أعمارهم مع ثروات بلدهم – للتلاحم لتغيير واقع بلدهم والثورة على مأساتهم فحسب، وإنما ستمتد الآثار التدميرية لها إلى تعريض البلاد لعملية استنزاف كامل للشباب من وطنه حتى يخلو كليا لشرذمة قليلة من أبناء كبار المفسدين ورهطهم من المنافقين ؛ وعندها لن تكون هذه الشرذمة وقبيلها ، الغارقون في الفساد والنهب والاتجار في كل المحرمات ، قادرون على الدفاع عن البلد ، الذي أفرغ من شبابه، من أي تهديد خارجي ، ولن يكونوا قادرين حتى على حماية أنفسهم من شبكة إرهابية صغيرة ربما تنام عناصرها بيننا في انتظار صفارة الانطلاق، أحرى من انفجار وشيك للمجتمع بسبب حجم الضغط الاقتصادي وما يسببه من ضغط نفسي هائل على المواطنين، من مختلف الفئات والمكونات الوطنية. إن الخطورة التي تهدد الشباب الموريتاني حقيقة، لا مزايدة فيها، وقد تصبح غدا لهبا في شكل إرهاب ديني ، أو في شكل شبكات عنف بعناوين أخرى. إن نذر ذلك تكمن في عزوف ملحوظ بالممارسة للشباب الموريتاني عن دخول الأحزاب السياسية، التي هي أدوات تأطير، وتكوين وتهذيب وتدريب للشباب . فالشباب الموريتاني، اليوم، يتجه بقوة نحو التجمع في أطر هلامية لا يربط بين عناصرها وحدة فكر وتصور ولا تجمع بينها وحدة تنظيم وانسجام. صحيح أن أجهزة النظام المختص تساعد، غباء ، في ذلك لمنع الأحزاب المعارضة من استقطاب الشباب الغاضب من سياسات النظام، ولكن الحقيقة أن المشترك بين هذا الشباب هو الشقاء ، الذي قد يستحيل بركانا حارقا لكل شيء، ومن بعد الطوفان !
لقد كان الشباب الموريتاني ، الذي تخلف مضطرا عن الهجرة من البلاد، يجد متنفسا، ولو ضيقا، في مسابقات تكوين المعلمين والأساتذة ، ومسابقات الجيش الوطني وأجهزة الأمن العمومي، وغير ذلك من الفتات على هامش الدولة ؛ غير أن هذه المنافذ ، هي الأخرى، قد سدت أمامه لتبقى حكرا ، أيضا، على كبار زمرة الضباط الحاكمين وكبار المسؤولين في الحكومة وقيادات حزب السلطة ، والمخابرات وبعض أبناء الوجهاء الاجتماعيين ، الماسكين بالأرضيات المحلية ، المتحالفين مع كبار ضباط الجيش الماسكين بزمام الأمور؛ والفارضين لسلطة الأمر الواقع ...!!
الدخان والأدوية المزورة.. أفضل وسيلة لقتل الفقراء !
يعيش الشعب الموريتاني أوضاعا اقتصادية غير مسبوقة ، منذ سنوات حكم الرئيس الأسبق ولد هيداله، التي كانت مضرب مثل شعبي في التشاؤم .. غير أن النظام الحالي لم يكتف بإطلاق " السيبة " في ثروات البلاد الباطنية من قبل الشركات الدولية التي لا ترحم، ولم يكتف بنهب المال العام من قبل أقلية قرابية وزبونية للنظام، وإنما تجاوزت الأوضاع ، في ظله، درجة مأساوية تفوق الخيال، ليس أقلها البيع الجماعي لمؤسسات الدولة بالمراخصة أو الدمج العشوائي والتصفية، دون مبرر وجيه إلا إخفاء جرائم الاختلاس المنظم من كبار المسؤولين في قمة السلطة؛ وحتى رواتب العمال في بعض المؤسسات ، لم تسلم من اختلاس مدراء تلك المنظمات !، حيث كثير من العائلات فيها أطفال ومرضى وشيوخ يعانون بسبب أن هذا المدير أو ذاك سرق رواتب معيليها ، دون حسيب ولا رقيب ولا خشية !
فقد أغرقت السوق الوطنية بالأدوية المزورة على نحو فوضوي رهيب ، حتى تناولته تقارير أممية ، وانتشرت عصابات التلصص والسطو والحرابة كالضباع الجائعة تقتل وتسلب وتسرق كيف شاءت ومتى شاءت، في المنازل والمحلات والشوارع، وفي أطراف العاصمة وقي مركزها، وحتى في المكاتب الحكومية. كما تفشت ظاهرة القتل الوحشي المجاني بين المواطنين لأتفه الأسباب ؛ وخصوصا في أوساط الشباب والمراهقين ، فضلا عن الانتحار بين الفتياتن واختطاف الأطفال أو اختفائهم! هذا عدى فشو الرشوة بين الموظفين ، صغارا وكبارا، والمحسوبية والزبونية والقبلية والفئوية والاثنية. ومن اللافت أن وتيرة التحلل في جسم المجتمع يتزامن مع استقالة الدولة كليا من كل مسؤولياتها بشكل خطير ، وباتساع في النطاق. غير أن ما يهز الشارع الموريتاني هذه الأيام ويصيب الناس بهلع شديد هو التقارير الدولية التي أكدت أن السوق الموريتانية تعج بأكثر من مليون وثلاثمائة ألف طن من الأدوية المزورة، ومن أنواع متعددة ولأمراض مختلفة. ولم يلاحظ المواطنون أي اهتمام ولا تحرك ، على أي مستوى حكومي، أو من أجهزتها الصحية لمواجهة هذا الطوفان من الأدوية المزورة التي تستنزف جيوب المواطنين ، ثم تقتلهم بعد إفقارهم ! .
فما تزال الصيدليات العشوائية ، المنتشرة كالحوانيت في كل مكان وكل زقاق ، تبيع الأدوية كيفما اتفق ن بلا رقيب ولا حسيب. كما أن وسائل الإعلام السمعية والبصرية الرسمية ومسؤولو قطاع الصحة إلتزموا صمت الأموات إزاء هذه التقارير ، ما عدى اعتراف ضمني وخجول من الناطق الرسمي للحكومة ، الذي أكد أن تزوير الأدوية ظاهرة دولية تعاني منها جميع الدول. أما الأمر الثاني ، الذي لفت انتباه الناس هو أن المجموعة الحضرية والمؤسسات المتعاقدة معها لتنظيف العاصمة ، اعتادت ، منذ أشهر، على إحراق جبال القمامة داخل الأحياء السكنية ؛ وحين تصاعدت الشكاوي من هذه الأدخنة السامة ، باتت المجموعة الحضرية ومتعاقدوها يحرقون القمامة بعد أن ينام المواطنون، الذين من بينهم الرضع والشيوخ وأنواع المرضى !حتى تفشت فيهم أمراض الحساسية والربو وضيق التنفس والقلب ؛ بل إن بعضهم مات بسبب هذه الأدخنة . إلا أن الحكومة لم تهتم لهذه الإبادة الجماعية ؛ وكأن لسان الحكومة، والنظام بصورة جماعية ، يقول للشعب : لقد حاولنا قتلك بالجوع والعطش والبطالة وارتفاع أسعار مواد الحياة ، وباللصوص والحرامية ، غير أن أفضل وسيلة لقتلك جماعيا هو استخدام أسلحة الأدوية المزورة والأدخنة السامة ! ويبدو أن المجموعة الحضرية مصرة على هذه الجريمة ضد الإنسانية وضد البيئة !
نحو إعلام وطني مهني ..!!
أيها السادة المدونون .. أيها السادة الإعلاميون دعونا نشعركم ، نحن المستهلكون ، بأننا سئمنا التعاطي مع إنتاجكم ؛ فهو المسبب للغثيان الذي نعاني منه كل لحظة نطل فيها على نوافذكم .فقد أغلقتم أمامنا أبواب الثقافة والمثاقفة ؛ فتسببتم في ظواهر لم تكن معروفة لدينا، وأوجدتم قبائل لم توجد بين ظهرانينا ، وتقولتم غير الحق وكلمتم الظنون ؛ وجعلتم من كل ذلك غذاء لمواقعكم التي تسترعي انتباه الناس بطلاق سيدة من زوجها ، وبوفاة عربيد في مافيا المخدرات... ألم ينتبه أولئك الذين يروجون الرذيلة وتتصدر تحديثاتهم كل سفالات مجتمعات لا تدين بديننا ؛ فيوجد من بينكم من يتلذذ ويبشع أو يزيد من حظوظ موقعه على غوغل ينشر عبارة " اغتصاب " دون تحفظ أو دون استهجان للفظ بذيء كهذا !
ألا ترون أننا - حين نلتمس لكم العذر مرة ، ثم نعود لمطالعة صفحاتكم - لا نجد جديدا يذكر. فالاستنساخ للعناوين ، ولو من بلدان أخرى، هو أهم اكتشاف نلاحظه! فهل الدم الذي يجري في عروقكم مستورد، هو الآخر، مثل العناوين ؟.. ألا تغارون على وحدة شعبكم ؟ وعلى قيمه السمحاء ؟ .. ألا يوجد عيش كريم دون النهش في أعراض مجتمعكم ؟ .. ماذا يبقى لكم ، إذا كانت الرذيلة ، بكل صنوفها، هي الجديد في صفحاتكم ...
أيها السادة الإعلاميون ، بإمكانكم أن تتوبوا وتكفروا عن ذنوبكم التي اقترفتموها بالتوحد على كلمة سواء : ألا تنشروا و لا تروجوا ، و لا تستضيفوا و تسندوا قولا لمن يتعدى على الثوابت الوطنية .. بإمكانكم أن تزرعوا وترعوا كل ما من شأنه أن يرسخ مفهوم الدولة ،ويجسد المواطنة ويوطد عراها. ولن يكلفكم ذلك كثيرا. فاسعوا تجدوا.. وجربوا تحققوا النجاح في السلطة الرابعة . وإذا كان البعض منكم لا يثق في السلطات الثلاث الأخرى، فليجعل من السلطة الرابعة بديلا بناء ، بدلا من أن يتخذها مغنما ووسيلة للابتزاز . إن الصور المتداولة ، في يوم الفوضى بحجة أن قانونا للسير سيفعل ، لا توحي بانتماء صميمي لمهنة المتاعب ، ولا بشعور وطني صادق تجاه القضايا الكبرى للوطن. فكفوا أيها السادة ، يرحمكم الله، عن الاصطياد في المياه العكرة ، وابتغوا عيشا لا يكون على حساب وطنكم وبني جلدتكم. ونحن في انتظار تجاوب كريم منكم مع رسالتنا إليكم وردود أيجابية ، بعد قراءة ما بين سطورها . ودمتم ..
الامبريالية العنصرية ...العداء الدفين للأمة العربية !
الحلقة الثانية
و في 30 من حزيران 2014 وافقت الأمم المتحدة علي تدمير كل الترسانة الكيميائية السورية ، علي أن يتم نقلها إلي ميناء جيويا تاورو في ايطاليا قبل أن يتم نقلها إلي سفينة أمريكية ليتم تدميرها في البحر، و هو وعد غير مستساغ لقيمة الشحنة البالغة ألف طن
كما شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجوما صاروخيا سنة 1998 دمرت فيه مصنع الشفاء لصناعة الأدوية البشرية و البيطرية في جمهورية السودان ، و دمرت الطائرات الصهيونية مصنع اليرموك للتصنيع الحربي جنوب الخرطوم 24/10/2012 ، كل ذلك في إطار تجريد و منع أي دولة عربية من امتلاك الحد الادني من وسائل الدفاع عن النفس ، أو الاستفادة من مقدراتها في التطور والنمو.
أما فيما يتعلق بغزو الدول و اشتياحها قصد استعمارها و القضاء علي مؤسساتها ، فهو الحالة الغالبة في الوطن العربي قديما و حديثا و سنأخذ منه نماذج فقط ، لكثرة الاعتداءات التي عرفتها وتعيشها هذه الأمة إلي اليوم !
فبعد الحرب العالمية الثانية و معاهدة سايكس بيكو تم تقسيم الوطن العربي إلي دويلات ، أخضعت لاستعمار بعض الدول المنتصرة في الحرب ،فظلت تعاني من الضعف و التخلف و التبعية للغرب ، مما سهل نهب خيراتها و استغلال ثرواتها.
فمنتصف القرن العشرين عرف حروبا واعتداءات كثيرة في مختلف نواحي الوطن العربي ، من العدوان الثلاثي علي مصر سنة 1956 و الاعتداءات الصهيونية المتكررة علي لبنان ، والتي كانت تستهدف القضاء علي القوى الفلسطينية و جعل لبنان دولة فاشلة مستباحة من طرف الكيان الصهيوني للتحكم و السيطرة علي النفوذ فيها ، و قد ساعدته حليفته إيران من خلال توطين مليشياتها لزعزعة استقرارها والعمل علي السيطرة عليها وتقاسم النفوذ فيها ، ضمن مشروعها التوسعي في المنطقة - الحرب بالوكالة .
و في سنة 1993 ، نفذت الولايات المتحدة إنزالا جويا علي شواطئ الصومال لموقعها الاستراتيجي و للتحكم في باب المندب ، حيث تصدت لها إحدى الحركات آنذاك وكبدتها خسائر فادحة تمثلت في 18 قتيلا و عدد كبير من الجرحى مما أجبرها علي الفرار فورا، لتعود بعد 13 عاما للانتقام من الصومال يوم 10/01/2007 عن طريق غارات جوية دمرت فيها العديد من المنشات و خلفت الكثير من الضحايا ، و حولتها إلي دولة فاشلة تتحكم فيها كل العصابات ، و هو المنهج المتمكن الذي تطبقه أمريكا علي خصومها.
أما بالنسبة للعراق، فمنذ انتصار ثورة 17 -30 تموز المجيدة 1968 و المؤامرات تنسج و تحاك ضده للقضاء علي مشروعه النهضوى ، أمل شعبه لانتشاله من واقعه المزري وأمل الأمة العربية التي وجدت فيه طوق نجاة لانتشالها من التبعية للاستعمار الأجنبي و الدفاع عن سيادتها و كرامتها ، و استعادة حقها كأمة فاعلة بين الأمم لها مساهماتها الفاعلة في بناء الحضارة الإنسانية .و في هذا الصدد يقول الشهيد صدام حسين :(لقد عرضنا علي الإخوة العرب يوم 8 شباط 1980 برنامجنا الذي سمي بالإعلان القومي . و هو برنامج ينظم العلاقة بين الأقطار العربية علي أساس الرابطة القومية وينظم علاقة الأمة العربية مع جيرانها علي قواعد عدم التدخل و الاحترام المتبادل للسيادة والكرامة ، كما يدعو إلي تنظيم علاقات الدول العربية بالعالم علي أساس الاستقلال العربي الكامل و الإرادة العربية الحرة و الفعالة) .
يتواصل
اللصوص ... و الصراع المزعزع!
من حين لآخر تعيش انو كشوط حالة من القلق و انعدام الأمن في بعض أحيائها ، بسبب كثرة العمليات التي ينفذها لصوص ، منهم من يظهر علي بصماته أنهم أصحاب سوابق متمرسون .
يقع هذا رغم ما تقوم به السلطات الأمنية من إجراءات ، و ما قامت به الدولة من بناء لسجون جديدة في عدة ولايات بما فيها نواكشوط ، وما يظهر من مداهمات لأوكار اللصوص علي شاشة القنوات ، إلا أن الأمر لم يغير شيئا ، لان اللص الذي دخل علينا و حاول سرقتنا أو ذبحنا بسلاحه الأبيض أو إبادتنا بمسدسه المحشو بالأعيرة النارية أو كان سيغتصب البنات الصغيرات قبل الكبيرات هذا اللص الذي جمعنا كل قوانا و امسكنا به ، وتدفق علينا أفراد الحي لمساعدتنا في حمله إلي مخفر الشرطة ، بعد أيام لقيته و هو يسير في الشارع مع مجموعة من أصحابه، أنيقا و حسن الهندام . مما يبين خللا في منظومة المراقبة والمتابعة ، ومع افتراض ثقتنا بمنظومتنا القضائية ، فإنها أمام امتحان صعب ، وهو تكرار إمساك أصحاب السوابق و عتاة المجرمين ثم إطلاق سراحهم لإعادة البحث عنهم مرة ثانية ، أليس في منظومتنا القانونية ما يقضي بتحييد هؤلاء و الإمساك بهم في أماكن لاتقاء شرهم و حماية أنفسنا وممتلكاتنا من بطشهم !، كما أن مراكز التأهيل و التكوين المخصصة للمنحرفين عليها أن تأخذ دورها في هذا المجال ، و ذلك بتحويل هؤلاء إلي أصحاب مهن نبيلة و فتح لهم ورشات للاستفادة منها لانتشالهم من مافيا الانحراف و الإجرام .
أما الميئوس من تغيير سلوكهم من السجناء، فيتم تشغيلهم في تنظيف المدن ، و أعمال البناء والعمل في المزارع و الحقول ، وهو ما يمكن أن يبعدهم عن جو السجن و ما يوفر لهم من امتياز علي نظرائهم ، في بيع المخدرات و تكوين أجيال جديدة من المجرمين الذين كتب عليهم ولوج السجن أول مرة .
أما الحالة الأخرى، فهي أن يجد المجتمع نفسه وجها لوجه مع اللصوص لا قدر الله ، وهو ما يترتب عليه اتخاذ وسائل رادعة ، و هي محاصرتهم من كل النواحي بأساليب رادعة حتى إذا جاس لص ليخطط لتنفيذ عملية ما في حي ما ، فانه سيدرس سيناريو العملية و كيف سينجو بحياته من مجتمع قرر أن يدافع عن نفسه ، و أن يصرع كل من يواجهه !
إن معالجة الوضع الأمني تتطلب مراجعة جذرية للوضع العام الذي يعيشه مجتمعنا، لأنها لا تنطلق من مجرد شخص تجرأ علي الاعتداء ، لكن دوافع الاعتداء ، و الأسباب التي جعلته يخرج عن التقاليد و القيم الاجتماعية ... الخ ، كل ذلك يجب أن يعطي جانبه في المعالجة الأمنية ، لان لفشل التعليم جانبه في المساهمة في تقويض الأمن ، فهؤلاء لم تأخذ الدولة بأيديهم للولوج إلي التعليم ! أو أن حالهم كحال الكثيرين من الذين زج بهم في منظومة تعليمية فاشلة ، وكانوا هم من مخرجاتها .
كما أن للجانب الاقتصادي دوره في التأثير علي سلوك الأفراد ، ففي المجتمعات الفقيرة تنتشر البطالة و تكثر الجريمة و تعاطي المخدرات و مختلف أنواع الانحرافات ، إلا أن للدولة أيضا آلياتها لمواجهة وتخفيف تلك المظاهر، من خلال التدخل لتحسين الحياة الاقتصادية للأفراد عن طريق مؤسسات الدعم و التكوين وغيرها ، و للفساد و الرشوة دورهما الكبير في إفلاس المؤسسات و من بعدهما الدولة ، بإضعاف اقتصادها من خلال ضعف الأداء و المر دودية مع هروب رأس المال و خاصة الاستثمارات الأجنبية .
و للجانب الاجتماعي أثره في المنظومة الامنبة ، ذلك بخلق مجتمع منسجم و متماسك و قوي الرابطة الاجتماعية . فكلما كان المجتمع ضعيفا في بنيته الاجتماعية ، تفشي فيه الطلاق و كثرت فيه الأسر المعالة من طرف نساء ، و هو ما يخلف نقصا في التربية و التوجيه ، كما للظلم الاجتماعي دوره في تقويض الأمن نتيجة عدم العدالة والمساواة و تكافؤ الفرص .