إعلانات

غزة: لمسة النهاية في الحرب على إنسانية الإنسان

خميس, 03/07/2025 - 01:33

محمدُّ أحظانا

Mouhamed H'dhana

كاتب ومفكر موريتاني

 

تقبل منطقة الشرق الأوسط على نهاية حتمية لحرب غ.ز.ة الوحشية، ومشتقاتها الإقليمية العنيفة، سرا وعلانية..

ورغم البطش المطلق واختراق إس..رائيل لكل الأعراف الدينية والأخلاقية الإنسانية البشرية، فإن هزيمة كل أهدافها المعلنة والمخفية؛ الأولى و المتجددة؛ أصبحت واقعا راسخا، لا مناص منه.

خطورة هذه الهزيمة أنها هزيمة ناجمة عن استنفاد كل الطاقات العسكرية والفكرية، والمعنوية والمادية، والاعتبارية.. فهي هزيمة عميقة وليست دون ذلك.

لقد استنفدت حكومة إس..رائيل صبر شعبها على البلوى المتلاحقة بكل أصنافها، وصبر الحلفاء على مؤازرتها بكل شيء، وصبر الإنسانية على سلوكها الوحشي المنفلت، وصبر المحايدين على السكوت عنها، وصبر "المعتدلين" على استفزازها، وصبر العالم العربي والإسلامي وأنظمته على التغاضي والتعامي عن الظلم، والاستخذاء، وصمت القبور، وصبر العملاء على التآمر، وصبر المَدافع على الرمي، و صبر القنابل على الانفجار، وصبر عمران الأرض على الحطام، وصبر الجو على الدخان، وصبر النار على الاشتعال، وصبر البيئة على التلوث، وصبر السماء على أزيز الطائرات، وصبر القذائف على قتل الأطفال والنساء، وصبر الدماء على النزيف.

صبر المقابر على ضيوفها، وصبر العيون على المشاهد الفظيعة، وصبر الآذان على الأخبار الشنيعة.

صبر الماء عن سقاية الأفواه الظمآنة، وصبر الطعام على الامتناع عن البطون، و صبر الأجسام على الحياة، وصبر الأكفان على الأموات.

صبر الجواسيس على الإبلاغ، وصبر الأشرار على الشر، وصبر المصانع الحربية على الإنتاج، وصبر تجار الأسلحة على الأرباح، وصبر الجنود على الخنادق..

لا شيء معروف في العالم لم تستنفد حكومة الكيان صبره في معركتها الخاسرة. لقد استنفدت صبر كل ذي صبر. بل صبر الصبر ذاته استنفدوه.

إن حرب غ.زة انتهت؛ ليس بضغط دولي من محايد أو مناصر، ولا بيقظة ضمير من أحد، ولا بأي شيء آخر غير استنفاد كل شيء من كل شيء.

الإعياء والعجز الإس.رائيلي الغربي عن فعل المزيد هو اللنسة الأخيرة لحرب النتن.. ياهو على غ.زة، فحتمٌ عليه حتمية الموت إنهاء هذه الحرب؛ لا لأنه يريد ذلك فمخزون رأسه من الوحشية ومخزون يمينه المشؤوم لايزال مترعا بالأفكار الموغلة في الوحشية؛ لكنه الاستنفاد النهائي لكل الأسباب، وانسداد لكل السبل.

وعليه، أرى أن هزيمة الكيان، إرادة، ودافعا، وطاقة، ومددا.. تطل برأسها من خلف أول منعرج في طريق حرب غ.زة المتعرج أصلا.

الجديد أن الهزيمة هذه المرة هزيمة عميقة و استراتيجية،

ولأن قائد الهزيمة الحتمية النتن.. ياهو يعلم ذلك فإنه يسوّف في رفع الراية البيضاء المضرجة بدماء الأبرياء؛ واستمرار العمليات الاستعراضية حالية رقصة ذبيح سيهمد بعد حين:

- أولا: لأن هذه الحرب الوحشية استنفدت أساليب الوحشية والترويع والاستهتار بالإنسان في ذاته، فوصلت إلى قمة من الإيغال والتفنن في الإجرام لم تصل إليها البشرية في تازيخها أبدا. و هي إذن حرب يمكن أن تصنف في قمة الحروب الوحشية ضمن موسوعة "جينيس" للحروب الأكثر وحشية.

ثانيا: أنها وصلت إلى درجة مثالية من ملاءمة الظروف الإقليمةية والدولية لم تصل إليها أي حرب سابقة، وليس أمامها إلا الانحدار.

ثالثا: أن صورة "الصهيونية ضحية للمظلومية النازية" و دعوى "معاداة السامية" تهاوت في بئر لا قرار لها، و بالمقابل حلت محلها صورة الظلم الوحشي البشع لأهل غ.زة من جاتب الصهاينة، بشهادة الضمير البشري كله على وجه الأرض.

- رابعا: أن الإفلاس الناجم عن هذه الوحشية أفقد الحضارة الغربية - من وراء إس. رائيل- مصداقية ما بعد قيم الحرب العالمية الثانية كلها، فلم تقتصر الفضيحة المدوية على إس. رائيل وحدها، لأنها مثل الغرب "آدِرْص لعْجيلة الذي قتلها وقتل غسّالتها."

(ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون).

ولقد أفلست على الأثر كل المنظمات الدولية من مشتقات الأمم المتحدة في هياتها التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.. وأفلست في أثر ذلك وسائل الإعلام الغربية العتيدة، وأفلس الرأي العام الغربي قبل انتفاضاته المتأخرة، وأفلست النخب العربية والإسلامية والغربية، ودولها العميقة إفلاسا أشد وأمضى، وانهزمت الديمقراطية الغربية وولت، و انهزمت مؤشرات رأيها، وأفلس اليمين واليسار والوسط.

نعم، إن ذكاء الصهاينة جعلهم لايخسرون وحدهم مثل اللص الماهر، لا يسرق منفردا؛ بل حعلوا العالم يخسر قيمه كلها، وسمعته كلها، ومصداقيته كلها.. بتخطيط ووعي منهم، شرقا وغربا، وجنوبا وشمالا، ووسطا.

ومن هنا كان حطام هذه الحرب عالمي الانتشار بسبب الذكاء الإس..رائلي الهدام، فأصبحت حرب غ.زة عالمية بتأثيرها وأثرها.

لذا فمن يستطيع اليوم من المفكرين الغربيين، أو النخب السياسية، والاجتماعية الغربية وحتى غيرها، أن يتحدث عن ديمقراطيته وعدالته دون أن تبوح نبرة صوته باهتزاز الخجل والتردد و انقطاعات الادعاء والنفاق والكذب؟ من يستطيع من الزعماء الغربيين أوغيرهم من النخب أن يضرب صدره المنبعج براحة يده ويتبرأ من ازدواجية المعايير أويقول: نحن الغرب؟

لقد ماتت تلك "النحن" الغربية في ردهات المستشفيات المدمرة بغ.زة،

وكانت الهزيمة الإنسانية إسرا..ئلية الرأس واليدين، ولكنها عالمية وإنسانية في كليتها.

لذا فإن الطوفان لم يكن مقصورا على الأقصى؛ بل طوفانا عالميا غمر إنسانية الإنسان وجرفها إلى أسافل المستنقعات.

نعم، لقد هزمت الإنسانية هزيمة نكراء ستظهر مضاعفاتها عالميا ولم يهزم الكيان وحده لأن المسؤولية الجسيمة المشهودة مشتركة، بدرجة أو بأخرى بين الجميع.

وأؤكد هنا أنه مالم تسترجع البشرية ذوائب من ذاكرتها الإيجابية، وتلعن -بكل جسارة -تجربتها الشنيعة المشؤومة في غ.ز.ة فإنها ستندم في قابل الأيام ندامة الكُسعي أو الفرزدق أو أشد.

لقد كانت وحشية حرب الاحتلال محدودة جغرافيا، لكنها كانت عالمية بأثرها المدمر على إنسانية الإنسان فانهزم الجميع؛ باستثناء واخد هو مقاوم..مة لا توصف بأنها أسطورية فقط؛ بل بأنها إعجازية..

تلك هي اللمسة النهائية للمشهد الدامي في غ.زة لمن يبحث عنها.