
محمد عبد الله ممين
(تدوينة)
قصة تخريب أغطية الصرف الصحي في جسر مدريد من طرف بعض “الكولابة” ان ثبتت صحتها فقد تعيد إلى الأذهان سلسلة من الحوادث التي، رغمتكشف وغم طرافتها احيانا عن علاقة مضطربة بين المواطن والممتلكات العامة. علاقةٌ لا تقوم على الوعي بالمصلحة العامة ، بل على منطق “الاستفادة من المتاح”، ولو على حساب الجميع.
رويت لي العديد من هذه القصص من شهود ثقات، وبعضها عايشته بنفسي.
حدثني إسماعيل محمد يحظيه، فقال:
“كنت مفوضًا للشرطة في روصو، وفجأة انقطعت الاتصالات مع نواكشوط. وبعد تحرٍّ، اكتشفنا أن نساءً في حي بدوي قمن بقطع أجزاء من كابل الاتصالات الرابط بين المدينتين لاستخدام أسلاكه في صناعة الخلاطات المحلية التي تُعرف بـ’آبروخ ’.”
وفي واقعة أخرى، لاحظ عمّال السكة الحديدية اختفاء أجزاء من القضبان، مما عطّل حركة القطار. وبعد التحري، اتضح أن راعي أغنام استعملها لتسييج حظيرته!
حتى الطائرات لم تسلم، إذ اختفت سترات النجاة من إحداها، ولم يكن “الجاني” سوى بعض الركاب الذين رأوا فيها فرصة لاقتناء “ تذكارات من نوع نادر ”.
وفي التسعينيات، وبعد أيام من شراء الشرطة لحواجز حديدية حديثة، بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك شاهدتُ بعضها في حي بدوي نائي حيث تستخدم لرفع قرب الماء.
ويحكي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، في حديث مع مجموعة من الصحفيين، كنت من بينهم أنه سأل وزير البيئة عن سبب تفاوت أحجام الأشجار المزروعة حديثًا على شارع المطار، رغم زرعها في وقت واحد. فأجابه الوزير:
“نروي الأشجار بنظام التقطير، لكن البعض يخرّب أنابيب الري لاستخراج الماء للوضوء.”
قد تبدو هذه القصص طريفة في ظاهرها، لكنها في جوهرها تعبير عن أزمة أعمق: غياب الإحساس بالمسؤولية الجماعية، والأخطر من ذلك أن هذه السلوكيات الصغيرة ليست سوى انعكاس لسلوكيات أكبر.
فالسرقة مِلّة واحدة، والراعي الذي يسرق قضبان الحديد قد يرى في المسؤول السامي الذي يختلس مشاريع تنموية بأكملها قدوة. المال العام بالنسبة للكثيرين غنيمة
لا أمانة،
عندما يُكافأ الفساد في الأعلى بالصمت أو المناصب، يُصبح من الطبيعي أن يُمارَس في الأسفل بأساليب لا تخلو من بدائية وبمبررات “اجتهادية”.
المشكلة ليست فقط في من يسرق “أغطية راكار”، بل في من يسرق طريقاً، ، أو مدرسة، دون أن يُسأل.
وحين لا يُدان الكبار، لا يُلام الصغار.