
نظم اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، مساء أمس الأربعاء (8 مايو 2025غ)، بقاعة الأنشطة بمقره في نواكشوط، في إطار برنامجه الأسبوعي "شاي الأربعاء"، ندوة عن أدب العلامة الشاعر حمدا ولد التاه رحمة الله عليه، حيث قدم الأستاذ محمدن ولد سيدي الملقب بـ"بدنّ"، قراءة في أدب الشيخ حمدًا بن اتّاه (1933 - 12 فبراير 2024 م )، وذلك وسط حضور نوعي.
وفيما يلي نص المحاضرة:
قراءة في أدب الشيخ حمداًً بن اتّاه( 1933 - 12 فبراير 2024 م ) رحمه الله ….
ولد العالمُ الجليل حمداً سنة 1933م في منطقة ابَّيْر التَّورس لأبيه العلامة سيدِي بن المختار أمُّ الملقب اتَّاه (1292 - 1362 هجرية) ولأمه لبابَ بنت العلامة محمد فال الملقب ببها، واتّاه وببّها هما ابنا العلامة محمذن بن العلامة أحمدْ بن العلامة محمدْ العاقل بن العلامة الجليل محنض بن الماحي بن المختار اگدَ عثمان .
ومَحنض بن الماحي هذا كان من الجماعة الخاصة لابن عمه الإمام ناصر الدين وهو شيخ اتييْرنو سليمان بالْ في العلم وقد بلغ فيه شأوًا كبيرا إلى درجة أن الإمام ناصر الدين أمره بالتفرغ للتدريس آنذاك بحجة أنه قدْ تعيَّن عليه مستدلا بقوله تعالى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}~[التوبة : 122].
و بإشارة من الإمام ناصر الدين ، تزوج العلامة محنض بن الماحي إحدى طالباته في المحظرة هي شقيقة العلامة أچفغَ مينحنَ واسمها مريم بنت القطب الشريف مودي مالك فرُزق منها ذرية طيّبةً منها العلامة محمدْ العاقل الجد الجامع للأسرة المشتهرة بالعلم والصلاح والسيادة والقَبول وفي شيخنا حمداً تجسد كل هذا الإرث الكبير وزيادةً .
ومحمد العاقل هذا هو الذي يصفه والدْ بن خالُنا في مقدمة شرحه الشيخ خليل بشيخ شيوخه ويقول عنه إنه " قطب رحى مكانه، وإنسانُ عين زمانه ، المبرِّزُ الفائق لأقرانه، المجيلُ في العلم الجائل في ميدانه ، الفحلُ من فحوله ، الضاربُ في فروعه وأصوله ، السميذعُ الحلاحلُ" وبينهما مراسلات فقية منظومة.
وقد كان العلامة سيدي ولد اتاه شاعرا ومن بديع شعره قوله :
بادرْ إلى الكاس واشربها بأنفاس
وخذ من العظم بين الكاس والكاس
واخترْ لها الكيِّسين دون غيرهمُ
فلن تطيب كؤوس دون أكياسِ
ومنه كذلك :
هيئْ الكأسَ صاح وقت الصباحِ
بين غرٍّ شم الأنوف صِباح
لا يكاد الجليس ينكر منهمْ
غيرَ قرب الجنى وخفض الجناح
ما لهم لغوٌ غيرُ ذكر لغاتٍ
صُحّحت باللسان أو بالصَّحاح
أو أحاديث أسندوها لوهبٍ
وعطاءٍ ونافع ورباحِ
أثبتتْ فضلَهمْ عدولُ حياءٍ
وذكاءٍ و عفة وسماحِ
بيِّناتٌ قضتْ قضاةُ المعالي
بزكاها فما لها من جراح
هكذا هكذا تكون الندامى
لا شِداد الأيدي عِظام المَساح !
توفي العلامة سيدي بن اتاه عن ابنه حمدن وصنوه ببَّها ( ببَّ علما ) ولمّا يبلغا الحلم فنشآ في حضانة أمهما لبابَ وأخويها القاضي محمذن بن محمد فال (امَّييْ) والقاضي حامد بن محمد فال .
وفي رثاء العلامة سيدي بن اتّاه يقول العلامة محمد بن أبي مدين :
قضى العلْم والإكرام للضيف في اللأْوى
غداة أوى المرضيُّ سيد إلى المأوى
إمامٌ بحفظ الدين قد كان مولعاً
فكم ذبَّ عنه بالأدلة مَنْ ألوى
وكم رمَّ ما أثأتْ يدُ الجهل في الورى
من العلم ما يُملي من الحكم والفتوى
توخَّى طريقَ العدل دون سوائها
كما قد توخاها أبوه ولا غروَا
وكان على العِلاَّتِ سمحا مُرَزَّأً
صبورا إذا ما غيرُه أظهر الشكوى
وكان جزاه الله خيْر جزائه
من الأولياء السالمين من الدعوى
سقى الله مثوًى ضمه كلَّ رحمة
وأولاه ما يرضاه في ذلك المثوى
وكان لذاك الآل من بعد فقده
بعونٍ ولطف صارفيْن عن البلوى
وبارك في أبناء أحمدَ كلِّهمْ
ذرى الخمس أربابِ الفضائل والتقوى
بجاه الوجيه الهاشميِّ محمدٍ
عليه من الله الصلاةُ كما يهوى.
أمًا الوالدة لبابة بنت ببها فهْي التي يقول المختار بن حامدن في رثائها :
إلى ربها سارت لبابةُ "ببها"
لتحمل من جناته جَلَّ غَبَّها
تُبَوأُ فيها روضةً من رياضها
تَقَرُّ بها عينا وتُفرِحُ قلبها
تتابع مصًّا من كؤوس رحيقها
ومن لبَن عذبٍ تتابع عبَّها
إلى غير هذا من نعيم تحبُّه
نحب لها ما تشتهى منه حُبَّها
فنحن به ندعو لها اليوم ربنا
وكانت به تدعو له الأمسِ ربَّها
سلام عليها ما أمر فراقها
وأبرك لقياها وأنعم قربها
وتَبقى رياحُ النصر من بعدها على
عشيرتها دأبا تواصل هبَّها
تثير سجايا من سرور ونعمة
تفيض على نعمَ العشيرةُ صبَّها
يعيشون منها فى حياة مليئة
من اليسر والخيرات والعز والبها
ويشبه فيها بَبَّ مختارَ أمه
ويشبه حمداً والدَ الأمِّ ببها
ويحفظ آلُ الشيخ أحمدَ هديَه
فبورك فيها أسرةً ما ألبَّهَا
ولله صيت عمَّ من أوليائها
وقرَّائها شرقَ البلاد وغربَها
وتبقى لديمانٍ من "النيَّ " ثمرةٌ
ولُبٌّ كما كانت لبابة ببَّها.
والنيَّ بنت امّييْ رحمها الله هي المعنية في قول المختار بن حامدن :
إن تُصبِح النيَّ فرحى النفس بعد مَيَيْ
فلا نبالي إذنْ من أن نزور عُلَيْ
لم يؤسها وحدها ذاك المُصابُ فقدْ
آسى الزوايا وآسى مغْفرَ بنَ أُدَيْ
إن تصبرْ النيَّ نصبر كلُّنا ومتى
لم تصبر النيَّ كان الصبرُ أصعبَ شيْ !
دراسته المحظرية والنظامية..
درس الشيخ حمداً القرآن الكريم على ابن عمه القارئ المشهور سيدِي بن محمدْ بن والدْ بن الحريري.
كان يقول لي رحمه الله بالحسانية :" آن القرآن مان حافظ يغير متغرّظ فيه "!
أما العلم فقد أخذه عن كل من :
⁃ خاليْه : القاضي محمذن "اميي"، والقاضي حامدْ ابنيْ محمد فالْ المشتهر بلقبه "ببها" أو ببها الأول كما يسميه المرحوم محمد المختار بن ابَّاهْ.
⁃ ابنَيْ خالتِه العلامتيْن: محمدن وكرَّايْ ابنَيْ محمد باب بن امحمد بن أحمد يورَ .
⁃ لمرابط محمدْ سالمْ بن ألمَّا اليدالي؛
⁃ شيخ الشيوخ العلامة محمد عالي بن محنض الأبهمي ( ت يوم الجمعة 18 جمادَى الأخيرة عام 1390هـ ) وهو أبرز شيوخه وقال لي الشيخ حمداً إنّ شيخه محمد عالي قال له مرة : قرأتَ علي ثلاثة فنون ما قرأها عليّ غيرُك وهي : الجُمَل للخونجي في المنطق والجبْر و علم النيْم . سألتُ الشيخ حمدن عن علم النيمْ فقال لي إنه قريب من ما يعرف بسر الحرف!وأما الجبرُ فهو Algèbre فرع من الرياضيات وأما كتاب الجمل للخَوَنجي فقد اطلعتُ عليه مرة في مكتبة أهل محمد عالي وقال لي الشيخ حمداً رحمه الله إنه مستوى عالٍ من المنطق ( حدْ استوفى المنطق إگدْ إفيْتَگْ بيه حجج المناطقة )!وبالمناسبة يروي شيخنا الشيخ بن حمَّ حفظه الله ورعاه أنه نزل مرةً ضيفا على القاضي حامدْ بن ببها في مقر عمله في المذرذرة (وهو خالُ حمدا وشيخه) فقال له :" مرّ بنا العلامة محمد عالي بن محنض في طريقه إلى السنغال وقال لي بالحسانية " حمداً بعْد عادْ يعرف المنطق"! بمعنى أنه أصبح بارعا فيه!
وسمعتُ شيخنا الشيخ بن حمَّ الصعيدي يقول (وكان من صغار الطلاب في محظرة محمد عالي هو والولي محمذن ولد محمودًا) إن شيخه محمد عالي بن محنض قال له إنه خلال دراسته المحظرية في انيِفْرارْ ربما زار في العطل أسرته في ضواحي " بئر البركه " المسمَّى احسيْ الرحاحلهْ لاحقا سيرا على الأقدام (حوالي 30 كلم ) وكان خلال سفره ذلك يقرأ من حفظه نص الألفية و طرتها و نص احمرار ابن بونه وطرته "!
هذا وقد رثى الشيخ حمداً شيخه محمد عالي بالقطعة التالية :
ستبكي المشكلاتُ بكل ناد
ويبكي النص أحمرَ في المداد
ويبكي الكحلُ والفرس المجلّي
وتنتحب الحلاوة في سواد
وتبكي النون رافعةً يديها
لأسرار ذهبن من البلاد
وتنتحب المطالب وهي سبع
وينقلب اللزوم إلى عنادِ
وتُمسي الكليات بغير سور
وما تحوي الخلاصةُ من مراد
وما قال السيوطي والسكاكي
وما تحوي المقاصد والمبادي
وأوراد الجنيد وفرقتيه
وتطهير القلوب من الفساد
وتهتك حرمة المشهور جهرا
وتنتشر الجهالة في العباد
لفقد الشيخ قدوتنا جميعا
إذا ما السائلون أتوا بَداد
وقلَّب راحتيه بكل فن
وبين في انعكاس واطراد
محمد عال عالم كل فن
ومحيي العلم في ظلم الدئادي
جزاه الله أكبر ما يجازى
إمامٌ قد تفانى في الجهاد
وبوأه الجنانَ وكلَّ خير
وألهمنا الرجوع إلى الرشاد
وبارك في بنيه وفي ذويه
يناديهم لنجدته المُنادي
مشينا والوقار بنا محيط
تشيِّعنا السكينة بائتاد
وقلبي في وداع الشيخ يدعو
ليشكره حمادِ لكم حمادِ
سيرعى "الداهُ" ما جمعت يداكم
ويرفعه "البشير" على عماد
صلاة الله يشفعها سلام
على خير البرية خير هاد.
ورثاهُ كذلك العلامة شمَّادْ بن امْحمدْ بن أحمد يوره بأرجوزة أرخ فيها لحياته يقول في أولها :
بذا الفقيه اللذْ قضى لم يوجَدِ
في ذا الزمان مثله من أحد
يمتاز بالعلم وبالمعالي
وبالمحامد محمدْ عالي
وممن رثاهُ من طلابه العلامتان : محمدن وگرّايْ ابنا محمدْ بابَ بن امْحمدْ بن أحمدْ يوره .
يقول محمدن بن محمد باب في مطلع قصيدته :
إني أعزي بيوت العلم والأدب
والجود والزهد والإخلاص والقرب
إلى أن يقول :
لله شيخي وما شيخي إذا انعقدتْ
مجالس الفرق بين الحق والكذب
قد يعلم العلما إن جاء مجلسهمْ
بأن في الخمر معنى في العنب
ويقول گرايْ في مطلع قصيدته :
حوادث الدهر قد أبدت لنا العجبا
وأظهرت من خفيّ الغيب ما احتجبا
ويقول فيها :
يا شيخ لمْ ننسَ أيامًا تعلمنا
فيها فيسهل للأفهام ما صعُبا
تظل من علمك الصافي تعللنا
فيرتوي الجاهل الصادي بما عذُبا
وممن رثاه أيضًا من أهل انيفرار : الاستاذ محمد فال بن عبد اللطيف و المهندس عبد الرحيم بن أحمد سالم و الأستاذ محمد سالم بن عبد المؤمن و حدُّ ولد محمذن باب بن داداه (امنِّ علما ) رحمه الله.
هذا عن دراسته المحظرية ، أما دراسته النظامية فقد تابعها في تونس بُعيْد الاستقلال إذ سافر إليها رفقة بعض الطلاب الموريتانيين من ضمنهم شقيقه "بَبَّ" وذلك في إطار تكوين عصري استفاد منه عدد من شباب الدولة الموريتانية الناشئة .
الشيخ حمداً الموظف :
ابتدأ الشيخ حمداً حياته الوظيفية معلما في مدرسة ابَّيْر التَّورس الابتدائية قبيْلَ الاستقلال، ثم واصل التدريس لاحقا بعد عودته من تونس معلما ثم مفتشا في التعليم الأساسي ثم أستاذا في معهد بوتلميتْ نهاية الستينات وبداية السبعينات ..
وفي مطلع السبعينات شارك المرحوم حمداً في أول مسابقة نظمتْها المدرسة العليا للأساتذة ENS الناشئة لاكتتاب الدفعة الأولى من الطلاب في سلكيْ الأساتذة والمفتشين، وكنت حاضرا في المنزل لحظةَ إعلان النتائج: حضر المرحوم محمد المختار بن اباه مدير المدرسة رئيس لجنة المسابقة يصحبه أفراد من خاصته وبعد مراسيم السلام وحديث خاطف تناول بعض العموميات قال المرحوم محمد المختار ما معناه : نحن في لجنة المسابقات جعلتنا نتائج التصحيح أمام خيار صعْبٍ : ذلك أننا إذا اتخذنا معيارًا عملَ الأستاذ حمداً كان الناجحَ وحده دون بقية المترشحين وإذا اتخذنا معيارًا عملَ ببَّ نجح ببَّ ونجح معه بعض المتسابقين وهكذا اضْطُرِرْنا إلى اعتماد هذا المعيار الأخير !!
وحتى بهذا الخيار المعتمد بقي الشيخ حمدا هو الناجح بمعايير المِنح الإلهية ولكنه لم يكن الناجح وحده هذه المرة بل نجح معه سائر الشعب الموريتاني بل والأمة الإسلامية جمعاء في الاستفادة جميعا من فكره النيّر وأدبه الجمِّ.
ذلك أن الشيخ حمدا سرعان ما عُيِّن مديرا للشؤون الاسلامية فانفتحتْ أمامه بذلك آفاقٌ رحبةٌ جديدة لمواصلة مهمته التربوية في مجال أوسع من مؤسسة تعليمية خاصة ولصالح فئة أكثر من مجرّد طلابٍ في المدارس النظامية.
وقد صادف الشيخ حمداً ابان تقلّده مسؤولية إدارة التوجيه الاسلامي موجة إلحادية عارمة تجتاح الطلاب والشباب بصورة عامة وبرعاية من دول وجهات أجنبية فواجهها بحزم .. وكمصداق لذلك أذكر أنني كنت أمرين : أولهما أنني كنتُ الوسيطَ بينه وبين بعض الطلاب الحائرين في الثانوية الوطنية يأتونه ليلا في المنزل فيردُّ على استشكالاتهم حول سائر أقسام الدين وأولها الإيمان ! والثانية أنه طلب مني مرة أن أستدعي له في منزله ليلا ذلك الأستاذ الذي أخبرنا أثناء درسه يومذاك في إعدادية البنين بوجود كتاب متداول غريبٍ في موضوعه وواضعه! .. يحمل الكتاب عنوان " هل يمكننا أن نؤمن بالقرآن ؟ أما مؤلفه فهو سفير الاتحاد السوفيتي المعتمد في انواكشوط ! وفي نهاية ذلك الأسبوع خرج الدبلوماسي المؤلف في الاذاعة الوطنية يعتذر للشعب الموريتاني المسلم عن فعلته تلك . أما الكتاب فقد تابعتُ لاحقا حلقات كتبها عالم مغربي في الرد عليه نُشرت تباعا في المجلة المغربية "دعوة الحق"..وأما الأستاذ فهو محمدْ بن سيدي محمدْ حفظه الله ورعاه.
وفي ذات السياق حدثني المرحوم جمال بن الحسن أنه كان مرة هو وأحمدو بن عبد القادر والشيخ حمدا ضمن لجنة ثقافية يرأسها وزير الثقافة تمثل بعضَ ولايات الوطن فحصل خلاف حاد بينهم وبين ممثلي ولايات النهر حول موضوع ثقافي حساس . وتفاقم الخلاف حتى كادَ أن يعصف باللجنة .. قال جمال : وبعد أن يئس القوم من الاتفاق وأوشك الاجتماع أن ينفضَّ دون جدوى ، أخذ الشيخ حمدا الكلام وطلب مني أن أترجم له إلى اللغة الفرنسية وأخذ من عظمه مرة أو مرتين ونفث دخانهُ في الهواء جانبًا وتكلم فأطرب دون أن يُطنبَ وأجاد و أفاد و أبدع و أقنع والقومُ كانما على رؤوسهم الطير . ووالله ما تعقب كلامَه أحدٌ بل كان ختام مسكٍ اكتمل به النقاش بإجماع الأعضاء حول المواضيع موضع الخلاف ورُفعتْ الجلسة وانتهى الاجتماع ! قال جمال : وما فتئ الشاعر أحمدو يستعيد ذكرَ ذلك الاجتماع بإعجاب شديد !!
وفي السياق ذاته ، حدثني الأستاذ الحسين بن محنض أن خاله محمدن بن المختار بن حامدن أخبره أنه أيامَ عمله سفيرا في المملكة العربية السعودية أخبرته المراسيم الملكية ابّانَ موسم من مواسم الحج أن الكلمة الرسمية الاعتيادية للوفود الاسلامية سيلقيها رئيس الوفد الموريتاني وكان آنذاك الشيخ حمدا ولد اتّاه وزير التوجيه الإسلامي .قال سعادة السفير ومنذ ذلك التاريخ وأنا الملازمُ للشيخ حمداً ألح عليه في ضرورة التحضير وأعرض عليه مساعدتي فيه دون جدوى . ولما كان اليوم الموعود ونودي باسمه كانت دهشتي مُضاعفة عندما لاحظتُه يصعد إلى المنصة دون أن يصطحب معه أي ورقة ومن هنا أشفقت عليه وعلى بلاد شنقيط من بعده .. ولكن ما إن بدأ الكلام حتى انقلبت شفقتي فخرا واعتزازا إذ أنه أجاد وأفاد وألهب المشاعر وأيقظ الضمائر بحديث شيق عن تاريخ الاسلام في الجزيرة العربية فبهر الحاضرين وعلى رأسهم الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز !
هذا وبعد إدارة التوجيه الإسلامي أصبح المرحوم حمدا ولد اتّاه وزيرا للشؤون الاسلامية ثم تقلب بعد ذلك في مناصب هامة منها :
⁃ سفير مدير في وزارة الخارجية ؛
⁃ عضو المجلس الاسلامي الأعلى ؛
⁃ عضو المجلس الأعلى للفتوى والمظالم ؛
⁃ الأمين العام لرابطة العلماء الموريتانيين.
وبعد التقاعد تفرغ الشيخ حمدا للتدريس والاستشارات وخاصة في مجال المعاملات الإسلامية.
مؤلفاته:
من مؤلفات الشيخ حمدًا :
⁃ أربعون حديثا في فقه قضايا معاصرة،
⁃ اختصار موافقات الشاطبي؛
⁃ تلخيص كل من : الإتقان في علوم القرآن والخلاصة والأحكام السلطانية للماوردي؛
⁃ جدولة كل من : مختصر خليل، وعلم المنطق، وعلم البلاغة والأصول؛
⁃ وله من الأنظام : نظم الوفود ،ونظم في أحكام المساجد، ومنظومة المستجدات الفقهية ونظم الثقلاء في النقد الاجتماعي .
الشيخ حمدا ولد اتّاه : الوجه الآخر ..
كان الشيخ حمدا بحكم خلفيته الثقافية والاجتماعية صوفيا بالفطرة وله إشراقات روحية طافحة تتجلى بصورة واضحة في حياته اليومية ولعلها هي مفتاح شخصيته .. وقد تعزز ذلك أكثر بعلاقاته الروحية الوطيدة مع الشيخ المربّي جلول الجَزيري وهو شيخ تونسي عجيب صحبه هو وشقيقه ببَّ ابان دراستهما في تونس مطلع الستينات واستمرت صلتهما به وببعض أبنائه قوية إلى حين وفاته تغمده الله برحمته الواسعة … فلا غرو إذن أنْ كان عبدا صالحا بكل ما تحمل الكلمة من معنى ..فهو روحاني وأريحي ومحببٌ إلى الجميع إذْ بسط الله له القبول بين الناس..
اعتاد الشيخ حمدا أن يقول " إن الابتسامة توقيع بالقبول " وتطبيقا لهذه القاعدة فقد كان طلقَ الوجه طريفا بشوشا حاضر البديهة يرسم توقيعه بالقبول للجميع وعلى كل شيءٍ ..
ومن طرافته ما يتناقله عنه بعض زملائه من الفقهاء نذكر منه ما تيسر ..
قيل إن الشيخ بداه بن البوصيري (ت 7 مايو 2009 م) حضر مرة جلسة رسمية مع بعض العلماء لدراسة موضوع عام وكان الشيخ حمدا يرأس الجلسة وأراد الشيخ بداه أن يغادر الجلسة قبل انقضائها ودون إذن رئيسها فلما هبَّ واقفا خاطبه الشيخ حمدا قائلا :{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } فضحك الشيخ بداه ولزم مكانه !
ومن ذلك ملاطفاتُه الكثيرة مع لمرابط محمد سالم بن عدود ومنها على هامش السهرات الرمضانية :
كتب الشيخ حمدا يداعب القاضي لمرابط محمد سالم :
إذا دخل الرشاوى بيتَ قاض
تطايرتْ الأمانة من كواه
فكتب الشيخ عدود مُردفاً :
وإن دخلت كذلك بيتَ مفت
أتت فتواه تابعةً هواه!
ومن مساجلاتهما المتداولة قول الشيخ حمداً في إحدى الحلقات الرمضانية :
مرَّ الجرادُ على حرثي فقلت له
لا تأكلنَّ ولا تهـمَمْ بإفسادِ
فقال منه خطيب فوق سنبلة
إنا على سفر لا بد من زادِ !
وفي الحلقة الموالية كتب الشيخ عدود معلقا :
ومَرَّ أيضا بمرعانا فقلت له:
ما ذا ؟ أمالكَ مرعًى غيرُ مُـرتاد
فقال مالي مَـرادٌ غير تربتكم
فأكرموا نزل هذا الرائح الغــادِي
وقال الشيخ حمدا مرة :
بادر أخي برزانهْ
فالاقتراع أمانهْ
واختر لذا الشعب ندباً
يزينه في المكانه
وإن ذكرت فلانا
بالخير فاذكر فلانه !
فذيّل لمرابط محمد سالم بقوله :
كونوا مع الشيخ حمداً
فقد عرفتم مكانهْ
وقدروا النصح منه
وعطفه وحنانهْ !
فرد الشيخ حمدا بقوله :
عدود انت الجمانهْ
وأنت سهم الكنانهْ
ترُدُّ كلَّ دَعِيٍّ
قد لوثته الرطانه !
ومن ذلك ما روى العلامة أحمدْ بن انّيني في تسجيل متداول بالصوت والصورة مفاده أنه اشترك مع الشيخ حمدا في برنامج تلفزيوني تلقى خلاله سؤالا من أحد المغتربين يسأل عن مدى جواز عمله المتمثل في تنظيف الأوانئ عن المحرّمات من المأكل والمشرب في مطعم غير إسلامي . قال وبعد أن أفتيت السائل بعدم جواز ذلك تدخل الشيخ حمدا فقال على وجه الدعابة : أما أنا فلديَّ رأيٌ آخر إذ أرى أن الرجل قد يكون ينظف تلك الأوانئ بنية تطهيرها من المحرمات !!
ويقول الإمام شيغالي ولد المصطفى إنه رأى مرةً في ما يرى النائم أنه حضر حفلا كبيرا لتكريم حمداً بالشعر الفصيح والعامي وأنه شارك في ذلك الحفل بگافٍ وأن الشيخ حمدا أجابه بگاف آخر. وقد استيقظ وهو يحفظ گافهُ على النحو التالي :
�حمدنْ تِثْن ذِ الناسْ أعليك
بخلاقْ ؤ علمْ ؤ بمْرُوَّ�ؤُ مولان ذاك ألِّ عاطيك
مايعرفُ ماهُ هوَّ !
وقد حدثني الإمام شغالي أن قريبا له من الأئمة والعلماء رأى في ما يرى النائم أنه دائبُ السفرِ بين الحرميْن الشريفيْن : الحرم المكي والحرم المدني و قد طلب من الشيخ حمدا أن يعْبُرَ له تلك الرؤيا فضحك حمداً وقال له بداهة ما معناه : عساك تعدل بينهما إن شاء الله ، فكشف بذلك التعبير العفوي سرا عظيما لدى الرجل ! ويعلق الامام شغالي قائلا : ووالله لقد جاء تأويلُه تلك الرؤيا صادقا كفلق الصبح ! (والله يخويَ ألَّ لحگُ أربعَ).قال : وصرنا بعد ذلك كلما اجتمعنا وإياه مع الشيخ حمدا نسأله على وجه الدعابة إن كان رأى رؤيا جديدة ليعبُرها له الشيخ حمدا فيعرض عن ذلك إعراضا شديدا !�
الشيخ حمداً الشاعر :
جئتُ الشيخ حمدًا بعد عودته من مؤتمر إسلامي كبير منعقد في ليبيا كان فيه ضمن وفد يرأسه وزير الخارجية الأسبق المرحوم حمدي بن مكناس . وقال لي : خلال هذا المؤتمر كان لي موعدان مع الشعر. أولهما أن ممثل جزر القمر واسمه عمر التفت إلي فجأةً في إحدى الجلسات وقال : أنتم الشناقطةُ ترتجلون الشعر ارتجالا فهلاّ أريتنا نموذجا من ذلك ؟ قال فأنشأتُ وأنشدتهُ البيت التالي :
من أحسن الأشياء أن تلقى عمرْ
عمرٌ أتى كيما ينوب عن القمر !
فاستحسن ذلك المؤتمرون .. أما الثانية فهي أنني قلت في إحدى الجلسات بيتين في موضوع المؤتمر وفي الليلة الموالية اتصل علي المرحوم حمدي ولد مكناس في ساعة متأخرة من الليل وقال لي إنه اتفق مع الرئيس القذافي على أن يصبح البيتان قصيدة تُلقى صباح غدٍ في الجلسة الختامية للمؤتمر باعتبارها شعارا له . وهكذا لم يكن بحوزتي من الأوراق سوى هذا الكرتون و قدم إلي القصيدة مكتوبة في ورق مقوَّى من النماذج التي تُلف حولها الأقمصة الجديدة!
وكانت تلك مناسبة لأن أستنسخ تلك القصيدة و أن نبدأ معا جمع ديوانه المفقود يمليه علي مباشرة من حفظه من حين لآخر ! ولا تزال لدي تلك الأمالي محفوظة في مكان آمن !
للشيخ حمداً ديوان شعر يتميز بالسلاسة وقرب المأخذ مع الجودة، ولك كشاهد على ذلك قوله بعد رؤيا رآها بالنبي صلى الله عليه وسلم:
ادخلْ بذاتك عالمَ الأكوان
وانظر جمال فتى بني عدنان
انظر لهذا الوجه فهو صحيفةٌ
كتبت عليه حقائق العرفان!
وقال إنه رأى مرة في ما يرى النائمُ أنه أنشأ القطعة التالية واستيقظ وهو يحفظها :
سبحانك اللهم يا متعالي�ومغير الأحوال بالأحوالِ
�وميسر الأمر العسير ليسره �ومبدل الأجيال بالأجيال
�حول إلى نهج السعادة أمرنا�في الجاه والتوظيف والأحوالِ
وله أيضا:
ربّ إني كما علمتَ فقيرُ
ورجائي في ما لديك كبيرُ
وحسابي مهدد من خفيّ
وحياتي في شكلها تبذير
فافتح الباب يا كريم سريعا
يا لطيفٌ بخلقه يا خبيرُ
وله كذلك هذا التوسل الذي قال لي إنه نسجه اقتباسا من قول خاله القاضي اميي بالحسانية :
أخير السبَّ من لگعادْ
والسبّ گاعْ ابلا مفادْ
ألِّ عاطِ فات الجوّادْ
راهُ عاطيهْ ابلا سبَّ
والسبَّ للِّ ماهُ زادْ
لاهِ يعطِ ماهِ سبَّ !!
قال الشيخ حمداً:
علمتني أن لن يكون سوى الذي
تختاره أرضى بما تختار
فسكنتُ في ظل القضاء مسلِّما
والنفس في طيّاتها الأوطارُ
وأريتني أن الحقيقة ذاتَها
ما للعبيد بيمّها إبحارُ
وأمرتني عند الحوائج بالدعا
فدعوتُ يا وهابُ يا قهّارُ
وإذا حبوتَ العبد منك بحاجة
لبّاهُ عند دعائه الأقدار ُ !
وله كذلك :
خذني المراسل ليلة الإسراء
كيما أحدث ساكني البطحاء
هذا البراق مقدم لمحمد
صلى عليه مكوّن الأشياء
ياتي به الروحُ الأمينُ محمدًا
تبدو عليه علامةُ استحياء
هذي بلاد القدس في حفلاتها
والرُّسلُ فيها حلقة للرائي
في المسجد الأقصى وقفتَ أمامهمْ
رمزا لتلك الرتبة العلياء
والرسل بين مرحب بأخوّةٍ
وبنوّةٍ من أكرم الأبناء
ومضى يتابع في السما إسراءه
كيما يلبّيَ دعوة الإسراء
والموكب النبويُّ أصبح هيبةً
وسكينةً تسري إلى أجزائي
ما ذا أقول السر أصبح غامضا
والذات بين تخوفٍ ورجاء
يدعوك عنهُ نحوه في ليلةٍ
أَكرِم بتلك الليلة الغرّاء
ومن جيّد شعره قوله :
انظرْ إلى هذا الوجود فإنه
لغزٌ يحار العقل في تعليله
نظر المفكر نحوه فتتابعت
نقط السؤال وحار في تحليله
سر الحقيقة في الحقيقة كامنٌ
لا تستطيع البتّ في تفصيله
ما ذا عرفت من الوجود وسره
يا من يحاول أن يسير بجيله
فككتُ منه ذرةً عن شكلها
هلا تركتَ الذرّ في تشكيله ؟!
وذهبت في الصاروخ تكتشف الفضا
ما ذا عرفت من الفضا وجميله
لو يمنع الانسان نور عيونه
ما أدرك الألوان في تمثيله
لو أعطي الانسان سادس حسه
لبدا خفيّ كان في منديله
فكر وراء الكون تعلمْ سره
لا تجعل التفكير في إكليله
الفكر إلا بالرسالة قاصرٌ
حِلَق الرسالة جئنَ في توصيله
لا تسمع التصفيق فهو مضلة
تنسي الحكيم وصوله لسبيله
واعرف لنفسك جهلها إن الفتى
دعوى العلوم تزيد من تضليله
واعرف لربك حقه حقا ولا
تفصل ذرى القرآن عن إنجيله !
وله كذلك :
الله أكبر إنه الإيمانُ
قد ضمنا ودليلنا القرآنُ
ضحك العدوّ وظنها ألعوبةً
حتى تفجّر حوله البركانُ
نور من الوحي المقدس هزّنا
لا القُطر لا التمييز لا الألوان
يا آسيا افريقيا أختٌ لكم
وحْي السماء لمجدكم عنوان
هيّا لنبني أمةً قد مُزِّقتْ
أوصالها أودى بها العدوان
لا يا عدوُّ فنحن أهل حضارة
سيقوم بعد سقوطها البنيانُ
في الحكم في الأخلاق في عاداتنا
في فكرنا ولْيخسأْ الشيطانُ
هيّا إلى نيل الشهادة إنها
لهْي الحياة وغيرُها خُسرانُ
فالله جلّ قد اشتراكمْ منكمُ
فاستبشروا يا أيها الإخوانُ
في عُقدة قد أبرمتْ فوق السما
لا تنقضوا ما أبرم الرحمان
لبّيك إنا سائرون لقدسنا
ولْيسقط الأعداء أيا كانوا !
وله في ذات السياق :
وقف الدين يندب المسلمينا
ودعاه المحلفون يمينا
وأقاموا من الدعاوى عليه
ما كفاه بأن يكون مدينا
سألوه عن التقدم لمّا
وقفوا في طريقهم حائرينا
سألوه عن ما ادّعته اوروبّا
مذهب الحق منهج المصلحينا
سألوه عن النساء وقالوا
إن حق البنات حق البنينا
فارقصي يا فتاتنا ولتغنّي
والعبوا يا بنون في اللاعبينا
وتعاطى المحلّفون رموزا
لخصوها في أن يموت سجينا
وانبرى الدين والوقار عليه
في هدوء يستسمح السامعينا:
سامحوني فإنني كنت أحجو
من أراهم من تربتي أجمعينا
غير أنّي وجدت عقلا دخيلا
والعقول الدخيلة اليوم فينا !
وله أيضا :
إنّي نسيت حقيقة عنواني
وبدأت أسأل كل من يلقاني
إن قلت إني مؤمن بسياسة
مأخوذة من مصدر رباني
أو قلت إني مؤمن بوجودها
حكموا عليّ بأنني إخواني
وإذا ذكرت حضارة عربية
قالوا بأني عنصريٌ ثاني
هذي جيوبي فافحصوها جهرة
ولتفحصوا من بعدها إيماني !
وله في التوجيه الاجتماعي :
أعطوا الفتاة كرامةَ الإنسان
إن الفتاة لها المحل الثاني
لطفاً بها فلها غرائز وحدها
وبها تُميّزُ عن بني الإنسان
في جسمها تبدو الفوارقُ ما لَنا
ننسى الفوارقَ ساعةَ البرهان
ولنا ميول نحوها أَعَدالةٌ
تركُ الفتاة فريسةَ الفتيان
أمِن العدالة أن تبوح بحسنها
إن الجمال بضاعةُ النسوان
أمن العدالة أن نكلف كفّها
حفظَ البيوت ونهضةَ الأوطان
الشرع كمَّل نقصها بكمالنا
سرُّ البقاء تزاوجُ الأكوان
إن الولادة إن تكن فوضى أتت
أجيالها فوضى وفي خسران
والحب تخمُد ناره إن لم يكن
جسمُ الفتاة يُصان في الأردان
حِكمٌ أراد الله أن تبقى لنا
وبها البقاء مخلَّدٌ في آن
تلك الحقيقة مالها من منكر
إن الحقائق مدفع الإذعان
نادى بها "گراي" وهي حقيقة
نادى بها الرحمان في القرآن
راعوا لها تلك الحقوق وأنها
أنثى تَدين بشرعة العدنان
صلى عليه الله ما ستر البَهَا
ثوبٌ يرد على جمال فان!
ومن طريف شعره قرلُه:
تَشكَّلْ فإن العصر عصر تشكلٍ
ودع جانب المضمون في زي مُهْمَلِ
تشكلْ فإن المرء يفقِد وزنه
إذا لم يكن في موضة المُتشكل
فكم مِن بسيط زيَّن الشكلُ حظَّهُ
وكم مِن رفيعٍ حطه الشكلُ مِن عَلِ!
ومن طريف شعره :
كنْ راضيا بسيرك المُمتِعِ
و امشِ مع الناس على المهيعِ
ولا تقل حقي ولا حقهُ
فالمدّعى عليه كالمدعي
و الخلقُ في طريقه واردٌ
وصادرٌ يجري إلى مَجْمَع
فمنه مَن يمشي على بطنهِ
و منه من يمشي على أربع !
مختارات من نظم الثقلاء :
و بدأت يداه في أعمال
تكدر الصفو بكل حال
من أنفه وفمه ومن شَعرْ
وجلده يرمي الذي قد انتثرْ
وربما يلف تحت المطله
ومفردا ياتي وياتي جمله
ثم ثنى وسادة بريئه
ليس لها ذنب ولا خطيئه
ووخز المطلة والكرسيا
بإصبعيه عبثا مليا
ودورة المياه إن أتاها
رفع سمكها وما سواها
وبعد ذا يتركها مفتوحه
مياهها جارية مكفوحهْ
وحولها من ورق مبلول
ما يمنع الداخل من دخول
وبعضهم ياتيك في وقت العملْ
مزودا بطاقة من الكسلْ
يقلب الهاتف والأوراقا
ويجعل الوقت له اطلاقا
لحاجة شخصية مستعجلهْ
وحاجة رسمية مفتعلة
وبعضهم ينفض قبل الأكل
يديه حول الناس بعد الغسل
وعدَّ بين الثقلا من ياتي
عند خروجك إلى الساحات
لراحة القلب من الأعمال
لجلسة طويلة المجال
وعدَّ منهم صاحب الأشعار
وصاحب الأنباء والطواري
وقاطع الكلام بالكلام
وداخل من غير ما سلام
وجالس بالقرب يوم الحرِّ
لاسيما إن لم يكن ذا جر
وعطرُ من للذوق لم يوفق
وذو الدخان في المكان المغلق
الرثاء في شعر الشيخ حمداً :
رثاء جمال عبد الناصر (15 يناير 1918 - 28 سبتمبر 1970م):
يا بانيَ المجد العظيم السامي
يا صانع التاريخ في الأيام
�يا بانيَ الوطن العظيم لأمة
كانت تعيش بعالم الأوهام
�علمتنا من نحن ما أهدافنا
ما عزنا ما ثورة الإسلام
�أسست مذهب ....................
ومنعت منها ثالث الأقسام
�علمت حرف الضاد مَن أصحابه
وكتبته بالعز والإكرام
�ناديت من هذا الخليج إلى المحيــ�…ط بلادنا : لا حق للأقزام
ووقفت والأعداء حولك حلقة
في موقف التفكير والإقدام �
ما زلت تضرب والدخان سحابة
حتى صنعت المجد في أعوام�
حتى دعوك أبا العروبة ناصرا
حتى دعوك محقق الأحلام�
يا مصر صبرا فالنفوس قريحة
ترجو العزاء بساحة الأهرام �
يا نيل عز المصريين وأمة الــ
إسلام بكل سيل طامِ�
أجمال ندعو والدموع ذوارفٌ
ونرى فراغك في المكان السامي �
فارقتَنا في ليلة المعراج في
حفل من الأرواح والأجسام�
سيظل شخصك في النفوس مصوَّرا
ويظل فكرك منبع الإلهام�
في الساحة الكبرى وحولك أمة
يدعون : ناصر يا أبا الأيتام�
في ساحة الحرب الرهيبة واقفا
تبدو بوجه ثابت بسّام�
في المشكلات وقد تأزم أمرها
أثبتَّ فيه وشائج الأرحام�
يا مصر يا قلب العروبة تابعي
ما خطه وتمسكي بسلام �
أنت الكنانة في سهامك قسوة
ما مسها التاريخ بالاحجام�
ولنا ببابك وقفة وترحم
بالصمت والرهبوت و الإسهام !
وله كذلك في الرثاء :
يا أسرة الشيخ الكبيرْ
ومحطة العلم الكثيرْ
�يا ملجأ الكهل العجو
زِ وميتم الطفل الصغير�
يا فيصل الخطب العظيــ
ـــمِ وبلسم العظم الكسير�
يا ربقة العقل الشريــ
ـدِ ومرهم البصر الضرير�
في ذمة الله الجليـــ
ـــلِ بروضة الخلد النضير
في غرفة لا شمس في
أرجائها لا زمهرير
�في حلة من سندس
وعلى أرائك من حرير
�يُسقى من الراح العتيـ
…قة شربة فيها عبير
�لا زال سرّ الشيخ في
أحفاده قمرا منير
�ثم الصلاة على النب
يّ محمد وهو البشير
رثاءُ الشيخ عبدُ الله بن الشيخ باب بن الشيخ سيديا ( ت 1383 - 1964م):
قالوا نعيت فحطمت أركاني
وتساقطت من جذعها أغصاني
وتكاثرت فيك الهواجس هاجس
يبكي وآخر خاشع الأجفان
ما كنت أحسب أن تغادر منزلا
أكملتَ فيه الخير بالإحسان
ونسيتُ أنك ذو طموح ربما
أداك نحو العالم الروحاني
إن غيبوك عن العيون فقد بقي
تَ مخلدا في عالم الأذهان
وطبعت في أذهاننا صورا بها
تحيا مع الأفراح الأحزان
في صورة تحيا جبينك ساجد
متصدع من خشية الرحمان
في صورة تحيا وكفك منفق
عددا من الفتيات والفتيان
في صورة تحيا وحولك حلقة
يتدارسون معارف القرآن
ألفيتَ هالة مجدكم فدخلتها
ومن الحداثة لم تصل لثمان
فرفعت من شأن البلاد وأهلها
فدعوك كهف الحائر الولهان
ناديت بالإسلام في إفريقيا
ورفعته متماسك البنيان
نم ب"السلامة" في ضريحك آمنا
فالله يكلؤ جملة الإخوان
لا تخش من أمر الرعية حادثا
يجري مع الأيام والحدثان
مادام فيهم فتية غذيتهم
روح الشريعة ملة العدناني
صلى عليه الله جل جلاله
ما ناح قمْري على أفنان
رثاء أحمدُّ بن المختار ( ت 1974م):
وداعا يا بن زائدة الأيادي
ويا معن العشيرة والبلاد
وداعا للفتوة يوم ولت
تشاركها السماحة فى الحداد
على الفيّاض أحمد يوم ولَّى
وأضحى الجوُّ يرفل فى السواد
وداعا للسيادة والمعالى
وإنفاق الطريف مع التلاد
فسل عنه القبيلة إن ألمت
ملمات الحوادث والعوادي
سيخبرك العفاة بما حباهم
وهذي الحال شاهدة تنادي
وإنا والقلوب بها جراح
لنفخر بالبنين على الأعادي
أباة قد تغذوا من أبي
كرام قد تربوا من جواد
ولا زالت من الرحمات تترى
هتون من مداليج الغوادي
على قبر تضمنه وفاحتْ
له النفحات تحمل عرف جاد
صلاة الله يشفعها سلام
على خير البرية خير هاد
رثاء الإمام المختار "توتاه" بن أبنُ بن الاَمانه (ت 1976م):
توتاهُ يا نهرَ الحيا الرقراق
فى ذمة الله القديم الباقي
تسعون عاما ثم عام بعدها
كرستها لمكارم الأخلاق
إن أنس لا انساك في أندائنا
متهللا بجبينك البراق
فى ساحة المحراب حولك حلقة
يتأملون بدائع الخلاق
تتلو كتاب الله تجلو حسنه
بين الطباق وأحرف الإطباق
وتراه يُصغي للحديث بقلبه
ولعله قد شاع فى الآفاق
يعطى البسيط من الأنام مكانة
حتى يُظنَّ على مكان راق
قبسٌ من أخلاق النبوة ساطع
شاء الغروبَ فرُدَّ للإشراق
بمحمد وبأحمد نسماتُها
أزكى من النسرين فى الأحقاق
تلك السيادة لا سيادة فوقها
حلّت ذويك بأحسن الأطواق!
رثاء أحمدو بن احميِّدْ (ت في 17 نوفمبر 1989م):
انت العميد على الصحافة أحمد
والشعب يشهد والوزارة تشهد
أفنيت عمرك في بناء تراثنا
وبه مساعيك الجليلة تحمد
في أمة بدوية لم تتحد
في نهجها والطبل فيها سيد
عبثت بها عاداتها فتفرقت
في فترة قد غاب فيها المسجد
ووسائل الإعلام فيها لعبة
هذا يدندنها وتلك تعربد
أخذت قشور حضارة غربية
شرقية "لاروس" فيها المنجد
والدين فيها نزعة فردية
هذا يقوضه وذاك يشيد
ففتحت في باب الصحافة منهجاً
فيه الحداثة والأصالة تنشد
ماكان فيك تزلف وتقرب
ماكان فيك تميع وتشرد
علمتنا من نحن ما تاريخنا
ماديننا ما عزنا ما المقصد
كم عادة سلبية واجهتها
والشعب فيه تفسخ وتجمد
كم فكرة وطنية بينتها
في فرق من قد بدلوا أو جددوا
كم حلقة أدبية أحييتها
والقلب في محرابه يتعبد
سل عنه أيام الدراسة يافعا
طورا يرتلها وطورا يسرد
سل عنه أقران الفتوة والندى
فهو الكريم بن الكريم الأمجد
سل عنه أسرار البلاغة والفصا
حة إنه سحبانها المتفرد
سل عنه ميدان الإنابة والتقى
مافارس الميدان إلا أحمدو
قد وجهته عناية من ربه
وبها إلى نيل المعالي يصعد
فإذا تكلم فالقبول يحفه
وإذا تصرف فالعناية ترشد
يارحمة الرحمان أمي قبره
وتلطفي فالقبر فيه ممجد
والله يحفظ آله من بعده
والكل يهنأ بالسلام ويسعد
يارب صل على النبيِّ محمد
ما رنحت ورقاء وهي تغرد
رثاء عبد الرحمن بن السالك ( النحْ علما ت 1398هـ - 1978م):
يا عابد الرحمان في وقت السحر
يا سالك النهج القويم المعتبر
�في ذمة الله الكريم مودّعا
تطوي صحائف ما نشرت من الدرر
�عجبا له جمع الشريعة والحقيــ
ـقة والبلاغة والظرافة في بشر �
سل عنه تخريج الفروع وردها
نحو الأصول ووصلها نحو الخبر�
سل عنه محمرّ النصوص وشرحها
سل عنه ألواحا ملئن من الطرر�
سل عنه سمار القريض بليلة
أدبية قد حاولوا فيها السمر�
ما زال صوت الحق يجذب قلبه
نحو التجلي والتحلي والعبر�
بإشارة صوفية رمزية
قد وافقت نص الكتاب المستطر�
الله علمه الكتاب بفضله
ما أعذب الترتيل منه للسور�
وترى عليه براءة وطهارة
فكأنه ما زال في سن الصغر�
تلك النجوم تدور في أفلاكها
قمر يغيب وبعده يبدو قمر�
لا زال ذاك السر فيهم ساريا
متتبعا آثارهم يقفو الأثر
وحنت من الرحمات طيِّبة الثرى
في قبر ذاك الحبر واكفة المطر �
ومن الصلاة على النبي محمد�تأتي الزيارة للحوائج والوطر
رثاء سيدي محمد "حَمَّ " بن عابدين الصعيدي (ت 1986م):
لله ما أزكى وما أطهرا
حمَّ الشريف العارف الأزهرا
قطب نمته عترة طُهِّرت
من بضعة من معشر طهرا
من أهل ذاك البيت من أصبحوا
لكل خير نازل مصدرا
كنا إذا ما مسنا دهرنا
نجعله الملجأ والمخفرا
نراه في يقينه باسما
فتالف النفس به أكثرا
كأنني بوجهه واضعا
لربه جبينه في الثرى
كأنني بوجهه رافعا
يديه يدعو ربه في البرى
نراه من سجوده دائما
ختما على جبينه أثرا
يحرك القلب إلى ربه
إن رجّع التهليل أو كبرا
وتسمع القلوب ترتيله
فتخشع الآذان مما قرا
إن كان في ذهابه راغبا
ليلحق الركب الذي هجرا
فنحن من فراقه نالنا
ما قد ينال النفس مما جرى
والحمد لله لنا بعده
من زين المحراب والمنبرا
فذاك ناج جلعد بعده
وذاك شيخ شبله في الشرى
شيخان حازا سره بعده
فأظهرا السر الذي أظهرا
لا زال ذاك السر في بيتهم
وزاده من فضله أكبرا
فإنني للازم غرزهمْ
وإنني لممسك بالعرى
حتى أنال المرتجى بينهمْ
إذا أتيت النشر والمحشرا
يا سيد الأنام خذ راحتي
إلا فإني ضائع في العرا
إن عاقت الأشباح عن رؤيتي
فهب لعين القلب أن تنظرا
صلى عليك الله ما رنحت
حمامة ورقاء غب السرى
رثاء لمرابط محمد سالم ولد عدود رحمه الله ( ت 4 جمادى الأولى 1430 - 29 ابريل 2009 م) :
لا يا مذيع فإنها أنباءُ
قد روجتها بيننا الأعداءُ
ما غاب عن أم القرى عدودها
عدود في أرجائها أصداء
سيظل بين الكتب وهو مبيِّنٌ
إجمال ما لم تدره العلماء
سيظل والطلاب في جنباته
يتبادرون وكلهم إصغاء
سيظل في بيت القضاء موفقا
حكم القضاء وحوله الخصماء
سيظل في آدابه متفننا
قد أعجبت من سحره الفصحاء
سيظل في محرابه متعبدا
لله جل وقلبه وضاء
وترى العفاة ببابه قد حلقوا
والكف منه منفق معطاء
إن كان فارقنا الغداة فإننا
نلقي البنين وكلهم نقباء
بيت بناه الله من أمجادهم
قد اسسوه وكلهم صلحاء
لا زال ذاك البيت في أمجاده
آل المبارك سادة عظماء
عدود يا رمز الفتوة والندى
من أذعنت لمقامه الحكماء
في رحمة الرحمن في جناته
في روضة أفنانها غناء
ثم الصلاة على النبي محمد
ما رنحت من شوقها ورقاءُ !
وفاته ..
حدثني ذو ثقة قال : سافرتُ مرة مع الشيخ حمدا من ابَّيْر التَّورس إلى انواكشوط ، فلما قطعنا مسافة حوالي عشر (10) كيلومترات من القرية على الطريق الرابط بين المذرذرة وتگندْ صادفنا إشارة مقبرة المدرومْ فالتفت إلي الشيخ فجأة وقال لي بالحسانية :" آن بعد إلى متْ ديرون فالمدرومْ فيهْ والدي ؤ يوخظْ حد من الطريق زانْ وإشوف إشارتْ الصالحين و إوفّيلِ "!
وفي 12 فبراير 2024 ، توفي الشيخ حمدا ولد اتاه فكانت وفاته ثلمة في الدين والأدب وتم تنفيذ وصيته فدُفن بجوار والده وبعض من أفراد أسرته الخاصة في مقبرة المدروم الوارد ذكره أكثر من مرة في شعر امحمد بن أحمد يورة الشعبي والفصيح .. وبالمناسبة حدثني العبد الصالح محمدن بن أحمدُّ بن المختار حفظه الله أن جدته لأمه النومَ منت أحمد بن أچفغَ حدثته أن منازل الحي كانت مرة على كثيب المدروم قبل أن يصبح مدفنا ، وأن امحمد بن أحمد يوره كان يقول لهم :" لقد أراني الله في هذا المكان من أرواح الصالحين الشيء الكثير "..
رحم الله السلف وبارك في الخلف..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .