
نظّم بيت الشّعر- نواكشوط مساء اليوم الخميس 24 فبراير 2025 ضمن إطار سلسلة برنامج "مقاربات نقديّة " الّتي دأب على تنظيمها بشكل منتظم، ندوة نقديّة بعنوان "الشّعريّة والتّراث النقديّ العربيّ: القطيعة والاتصال"، وقد قدّم الجلسة الأستاذ الدّكتور عبد الله السيّد مدير بيت الشّعر- نواكشوط، الّذي مهّد للنّدوة بلمحة موجزة عن مفهوم الشعريّة في الأدب وظهورها في الدّرس النّقديّ العربيّ المعاصر بين الشّرعيّة التّراثيّة والمسوّغات الحداثيّة، معلّلا المنجز النقديّ بالتّأثّر والتّأثير نتيجة الحركة الفكريّة ووعي الذّائقة بجماليّات الشّعر، مقدّما نبذة مقتضبة عن مسار الضّيفين .
وقد أحال الكلمة أوّلا إلى الأستاذ محمد المهدي ولد الدّاهي من مواليد كيفة 1959 حيث تلقّى تعليمه الأوّل بشقّيه المحظريّ والأساسيّ، وهو حاصل على دكتوراه في النقد الأدبي من جامعة القاضي عيّاض بمرّاكش، ذو اهتمام واسع بالثّقافة الأدبيّة ومجالات النّقد الحديثة والقديمة، شارك في عدّة نشاطات فكريّة وثقافيّة خارج الوطن وداخله، له عديد الأعمال الفكريّة من أهمّها: "موازنة الٱمدي؛ بين التّقليد والتّجديد"، و"العلاقة بين الشعر والنثر ودلالاتها في النّقد العربيّة القديم" ، و"مكانة ومفهوم الإيقاع في شعريّة حازم القرطاجني" وغيرها من الأعمال والبحوث والدّراسات المتناولة للظّواهر الجماليّة بين القديم والحديث.
وقد تناول في محاضرته التي تحت عنوان "الشّعريّة والتّراث النّقديّ العربيّ: الاتّصال والانفصال" الجذور الفكريّة للشعريّة في الدّرس النّقديّ التراثيّ، ورأى أنّ مصطلح الشعريّة على الرّغم من رواجه وكثافة استخدامه عند العرب مؤخّرا مؤصّلين له ضمن فلسفة عبد القاهر الجرجانيّ البلاغيّة، إلّا أنّ المصطلح لم يزل يلتحفه الغموض، مشيرا إلى أنّ الأقدمين حصروا المفهوم في رؤية بلاغيّة ضمن حدود اللّغة المتعارف عليها، واصفا المفهوم النّقديّ للشّعريّة الحديثة بالشّموليّة الجماليّة التي مهّد لها تودوروف، متجاوزا المسافة النّثريّة إلى ما تكون به اللّغة شاعريّة، ليرقى النقد إلى مستوى من التّجريد النظريّ يميّز فيه النّاقد ما هو جوهريّ في موضوعه عما هو عرضيّ أكثر لصوقا بغيره، فتمكّن النّقاد من حصر قضايا الشّعر و تصنيف أجناس الخطابات، ومن نقاش إشكالات الإبداع وطبيعة العبارات والدّلالات.
فيما أحال الحديث ثانيا إلى الأستاذ إيزيد بيه ولد البشير ولد الصّغير من مواليد 1965، حاصل على دكتوراه في النقد الأدبيّ من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، عمل سابقا منسقا لمسلك اللغات والتواصل بكلية الآداب بجامعة نواكشوط، شغل أكثر من عمل رسميّ بمؤسّسات التّعليم الموريتانية، كما عمل سابقا عميدا لكلية اللغة العربية الكويتية بغرغيزيا ورئيسا لقسم العربيّة وآدابها بنفس الجامعة، يعمل حاليا أستاذا للنّقد بجامعة نواكشوط.
وقد تحدّث في محاضرته عن الاهتمامات الخاصّة لروّاد الشّعريّة من مختلف المدارس الغربيّة الّذين نظّروا للشّعريّة وفق اعتبارات وظيفيّة تتخلّل الخطاب الأدبيّ على مراحل متنوّعة، إلّا أنّ استقبال الفكر العربيّ لها حديثا لم يكن على قدر الاستقلال المعرفيّ بالطّرح البلاغيّ لدى الأقدمين.
وقد تخلّلت النّدوة مداخلات ونقاشات أثرت الجلسة حيث عبّر عدد من الدّكاترة والباحثين عن آرائهم وتصوّراتهم، ثون جامعيّون، مثيرين بعض الأسئلة حول مجالات الشعريّة ونطاق استجوابها للنّصوص الإبداعيّة، والإشكالات التي تقابل عمليّتها النّقديّة وتعدّديّة الرّؤية بين المشرق والمغرب العربيّين، وقد ختم اللّقاء بصورة تذكاريّة جماعيّة لضيوف النّدوة ومدير بيت الشّعر-نواكشوط وسط حضور متنوّع لجمع من المثقّفين والكتّاب والدّكاترة الجامعيّين والصّحافة.