
- Author,عبد السلام حتاملة
- Role,بي بي سي نيوز عربي
تعرض السوق المالي السعودي لضربة وصفت الأكبر منذ 5 سنوات، على خلفية فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رسوماً جمركية على صادرات المملكة العربية، أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.
وتراجعت البورصة السعودية، بنسبة 6.78 بالمئة، وفق بيانات منشورة على موقعها الإلكتروني الرسمي، في أكبر تراجع لها منذ جائحة كوفيد، وذلك بعد المخاوف التي أثارها فرض ترامب للرسوم.
وفقد مؤشر الأسهم السعودي نحو 800 نقطة خلال تعاملاته، ما أدى إلى حالة من "الهلع" بين المستثمرين، لكن السوق السعودي شهد تعافياً نسبياً يوم الاثنين، محققاً مكاسب بين الأسواق الخليجية الأخرى.
"تأثير كبير"
وقالت قناة الإخبارية السعودية الرسمية: "في أكبر خسارة يومية منذ 5 أعوام، مؤشر الأسهم السعودية ينهي تعاملاته متراجعاً 7 في المئة فاقداً أكثر من 800 نقطة"، فيما أشارت بيانات البورصة إلى أنّ مؤشر الأسهم السعودية تراجع 805 نقطة منخفضاً إلى 11.077 نقطة.
وتحدثت قناة الإخبارية عن "جلسة دامية" أغلقت فيها أسهم 252 شركة على تراجع، فيما حققت أسهم شركة واحدة ارتفاعاً في قيمتها.
وقالت إنّ "التعريفات الجمركية لترامب أتت بثقلها على الأسواق العالمية وعلى الأسواق السعودية تحديداً" الأحد، مشيرة إلى تراجع قطاع المرافق العامة بنسبة 8.4 في المئة، والقطاع المصرفي 6.9 في المئة، والاتصالات 5.9 في المئة، والطاقة 5.29 في المئة.
وتراجع سهم شركة "أرامكو"، إحدى أكبر الشركات في العالم 6.2 في المئة، بينما ستواجه المنتجات السعودية رسوماً قدرها 10 في المئة، وفق ما تشير قائمة بالدول المشمولة بهذه الرسوم نشرها الأبيض الأربعاء، وهي من الرسوم الأدنى التي فرضها ترامب على دول عدة.
وإلى جانب النفط، تصدر المملكة العربية منتجات أخرى إلى الولايات المتحدة بينها الأسمدة.
يستحق الانتباه نهاية
وقال الخبير في الشؤون الاقتصادية السعودية، محمد القحطاني، إن السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، "تأثرت بشكل كبير" جراء الرسوم، معتبراً أنها "أحدثت دوامة اقتصادية" ألقت بظلالها على دول العالم.
وأضاف القحطاني لبي بي سي، أن "خسائر السوق المالي السعودي وصلت إلى أكثر من 540 مليار ريال خلال يومين"، فيما هوت أسعار النفط حتى وصل، الاثنين، سعر برميل النفط إلى 63 دولاراً.
وأكدت صحيفة "الاقتصادية" الحكومية في السعودية، أنّ "سوق الأسهم السعودية فقدت أكثر من نصف تريليون ريال من قيمتها السوقية خلال تعاملات الأحد، وكان الجزء الأكبر من الخسائر لسهم شركة أرامكو التي تراجعت قيمتها السوقية أكثر من 340 مليار ريال (90 مليار دولار)".،
وسرعان ما تراجعت البورصات الأوروبية والآسيوية على وقع رسوم ترامب، إذ فتحت الاثنين، البورصات في القارتين على انهيار.
وتحدث القحطاني عن حالة من "الهلع" بين الأفراد المستثمرين مع "وصول خسائرهم إلى أكثر من 43 مليار ريال".
في حين قال، المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية حازم الغبراء، إن الرسوم التي فرضها ترامب "تستند إلى صيغة رياضية لضمان المعاملة بالمثل"، مشيراً إلى أنها "ليست خطوة سياسية أو عقابية، بل هي ببساطة أداة اقتصادية لضمان تجارة عادلة بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم".
وتحدث الغبراء لبي بي سي، عن "مجال للتفاوض على الرسوم وإبرام صفقات"، مستنداً في ذلك إلى تصريحات لترامب وفريقه رغم أن بعض التعريفات الجديدة "ستبقى سارية المفعول".
وفي وقت لاحق، تعافت بعض الأسواق مجدداً ومن بينها السوق السعودية، إذ قالت قناة الإخبارية إن "السوق السعودية الوحيدة التي حققت مكاسب بين الأسواق الخليجية"، وهو ما أكده القحطاني خلال حديثه لبي بي سي، قائلاً إن التعافي جاء من شركة "أرامكو"، فيما بدا أنه "تعزيز للسوق السعودي بعد حالة الهلع".
بينما قال الغبراء إنه "يمكن تعديل أو خفض هذه الرسوم إذا حصلت المنتجات المصنعة في الولايات المتحدة على تعريفات أكثر تفضيلا في السعودية" بعد التوصل إلى اتفاق.وبلغ إجمالي التجارة الثنائية بين السعودية الولايات المتحدة في عام 2023 نحو 112 مليار ريال سعودي (29.7 مليار دولار)، بحسب تقرير صادر عن مجلس الأعمال السعودي الأمريكي.
وبحسب التقرير، بلغ إجمالي الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة في تلك السنة، 60 مليار ريال (16 مليار دولار) شكّل النفط الخام منهم 51.5 مليار ريال (13.7 مليار دولار)، فيما بلغت صادرات القطاع غير النفطي 8.5 مليارات ريال (2.3 مليار دولار)، وشملت الأسمدة التي تصدرت القائمة مشكلة 35 في المائة من الصادرات، ثمّ جاءت المواد الكيميائية العضوية ثانياً.
في المقابل، بلغت الصادرات الأمريكية إلى السعودية في العام 2023 نحو 52 مليار ريال (13.8 مليار دولار)، بزيادة قدرها 20 في المئة، مقارنة بالعام السابق.
لكن الميزان التجاري بين البلدين يميل لصالح الولايات المتحدة حالياً وفق القحطاني، الذي قال إن صادرات السعودية "ليست كثيرة لأمريكا وهو أمر إيجابي" على حد وصفه.
وقال إن السعودية لديها مصافٍ كبيرة في آسيا كالصين وكوريا وماليزيا معتبراً ذلك "تخطيطاً سليماً ونظرة مستقبلية" للمملكة التي لا تعتمد على السوق الأمريكي فقط.
"تعزيز التعاون" رغم الرسوم
وتعتبر السعودية شريكاً وثيقاً للولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، إذ زار ترامب المملكة خلال أول رحلة خارجية له خلال ولايته الأولى في مايو/ أيار 2017.
وفرض ترامب الرسوم قبل زيارة متوقعة إلى السعودية خلال الشهر المقبل، وبعد مكالمة هاتفية في 23 يناير/ كانون الثاني، جمعته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إذ جاءت المكالمة بعد أيام من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وأكد خلالها الأمير محمد رغبة المملكة في توسيع استثماراتها وعلاقتها التجارية مع واشنطن في الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار مرشحة للارتفاع.
وإذا حدثت الزيارة ستكون أول جولة خارجية لترامب خلال ولايته الثانية أيضاً، ومن المرجح أن تشمل دولاً أخرى في الشرق الأوسط.
ورأى القحطاني الذي بدا أنه متفائل ومطمئن، أن السعودية "رابحة" إذا ذهبت للاستثمار في الولايات المتحدة حالياً، مرجحاً "توقيع اتفاقيات كبرى خاصة في المجال العسكرية"، ومتوقعاً حدوث "تعزيز للتبادل التجاري بين الولايات المتحدة والسعودية" رغم فرض الرسوم، لكن بـ "صورة جديدة تنسجم مع التحديات الحالية ومتطلبات القرن الحالي" على حد تعبيره.
ويضيف القحطاني: "طالما أن الولايات المتحدة تشجع الصناعة المحلية (بعد فرض الرسوم)، إلا أن هذه الصناعات تحتاج إلى تفريغ وإعادة تصدير وبالتالي السوق السعودي سيكون مركزاً لوجستياً".
وأكد الغبراء من ناحيته "بقاء العلاقات قوية ومتينة" بين البلدين، مع توقعه "تعزيز التعاون مع المملكة في المستقبل القريب".
فيما لم يستبعد القحطاني "فرض السعودية رسوماً مماثلة على الواردات الأمريكية بمبدأ المعاملة بالمثل".
وتعتبر السعودية أكبر اقتصاد في العالم العربي، إذ تقدر القيمة السوقية لسوقها المالي بنحو 9.9 تريليون ريال، فيما تسعى المملكة إلى تنويع اقتصادها وتقليل اعتماده على النفط ضمن خطة إصلاحية تعرف بـ "رؤية 2030".