
عرفت من أين لـ"امغيلي" هذه الثروة من الصبر..
لم أرَ إنسانا أكثر قدرة على الصبر من امغيلي رحمها الله… إن كان لرحلة استشفائها ـ التي استمرت عشرة أشهر وبضعة أيام ـ عنوانٌ فهو الصبر.
لقد صبرت على الألم صبرَ أيُّوب، و احتملت الوجعَ كما لم يحتمله إنسان…
لم تتحمل الألم فقط لكي تعيش أو تتعافى، بل لكي تصدِّرَ للمقربين صورةَ أقل ألماً..
كانت تصرُّ على الابتسام.. وكانت تدفع مقابل كل ابتسامة رصيدا من ألمها الجسدي والنفسي، ولكنها كانت تدفعه راضيةً وعن طيب خاطر! كأنها توثر نفسها بالألم، وكنَّا نحس ذلك… ونسايرها في خيارها، ونفتعلُ نحن أيضا ما جادت به قدرتنا على المسايرة من ابتسام وضحك..
//
بالأمس جالستُ والدة امغيلي وهي جالسةٌ في بيت امغيلي..
و كنتُ دخلتُ نواذيبو ومعي نيةٌ مبيتة أن أبدوَ جلدا قويا أمام الأمِّ المكلومة، ولكنني فوجئت بسيدة صبورٍ مؤمنة بقضاء الله وقدره، تخفي حزنها بقدرة عجيبةٍ على الاحتواء، وتغطِّي على مصيبتها بستار كثيفٍ من الترحيب بـ"أصدقاء امغيلي وإخوتها الذين لم تلدهم أمها"، وبيقين أن عائلة امغيلي أكبر من أسرة أهل محفوظ، بل ومن المسمى القبلي بأسره… عائلة امغيلي ممتدةٌ في كل شبر من هذه المعمورة حيث تركت سمعة طيبة وأثراً حسناً!
حين وصل نعي امغيلي إلى أمها لم تدمع ولم تبْكِ، بل وقفت بكل كبرياء شامخةً تذكرُ الجميعَ بأن الموتَ حقٌّ وأن الصبرَ على الفقدِ سيكون في ميزان حسناتِ ابنتِها! و أن هذا هو مصيرنا جميعا!
أعرف كم تتقطع أوصالها من الداخل.. وأعرف ثقلَ حِملها حين "نتطايرُ" جميعا وتبقى وحيدةً تحاصرها الذكريات من كل جدار! ولكنها أمام الجميع تكتسي الصبرَ رداءً.
حينها عرفتُ أن جينَ الصبر جينٌ سائد في هذه العائلة الكريمة…. فطوبى للصابرين!
//
يصل جثمان المغفور لها يومَ الأحد في حدود منتصف النهار إلى مطار نواكشوط، قادما من لاسبالماس، بإذن الله،
ومن مطار نواكشوط سيواصل إلى نواذيبو برًّا… ليوارى الثرى في مدينتها التي أحبتها وأحبتها.
رحمها الله وأدخلها فسيح جنانه.