
عبد الله العالي
في نهاية هذا الشهر المبارك ، أود أن أتقاسم مع أصدقاء الصفحة- ولا سيما طلبة وخريجي التعليم الأصلي منهم- بعض الصور التي التقطتها في آخر زيارة لمدينة فاس، عاصمة المغرب الأقصى العلمية والروحية؛ وهي صور تذكر بعلماء أجلاء كانت مؤلفاتهم، طيلة قرون، وما زالت في صُلب مناهج التعليم ومن أركان الثقافة في بلاد شنقيط (موريتانيا) وخارجها.
وأبدأ بصور ضريح إمام النحو العربي، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن داود الصِّنهاجي الذي اشتهر بابن آجُرُّوم. وآجُرُّوم كلمة صنهاجية تعنى الفقير الصّوفي وكانت لقب تشريف وتعظيم أطلق، أول ما أطلق، على أحد أجداده.
وقد ولد صاحب القبر بمدينة فاس عام 1273 ميلادية وتوفي بالحاضرة ذاتها سنة 1323م. سافر إلى حج بيت الله الحرام في مقتبل شبابه مارا بالقاهرة حيث توقف و أقام فترة من الزمن للأخذ عن النحوي الأندلسي أبي حيان الغرناطي الذي أجازه.
ثم أكمل إبن آجروم رحلته ليصل إلى مكة المكرمة التي ألف فيها أشهر كتبه وأعمها نفعا على الإطلاق وهو "المقدمة الآجُرُّومية في مبادئ علم العربية» الذي لم يتوقف تداوله وتدريسه في المغرب والمشرق منذ أكثر من سبعة قرون. ويقال إنه كتب هذا المصنف جالسا قبالة الكعبة.
وقد عاد المؤلف- الذي أطلق عليه بعض معاصريه لقب "الأستاذ الأكبر" إلى فاس حيث لم ينفك عن تدريس النحو والآداب العربية إلى حين وفاته.
وما لبث كتابه أن أصبح، بعد رحيله، أساس تعليم النحو في أقدم الجامعات في العالم كجامع القرويين بالمغرب الأقصى والقيروان بتونس والأزهر الشريف بمصر ناهيك عن الحجاز والعراق وبلاد الشام. ولقى الكتاب من القبول والاستحسان ما دفع العديد من النحاة إلى وضع مؤلفات في شرحه على غرار "النفحة القيومية بتقرير الأجرومية" للشيخ سيدي الكبير بن المختار بن الهيبة الأبياري الشنقيطي
و "شرح الآجرومية" لعالم الحجاز الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
وقد تجاوز الاهتمام بهذا الكتاب حدود العالمين العربي والإسلامي، فقد نشرت أول ترجمة لاتينية له عام 1610 ميلادية (انظر الصورة في حيز التعليقات) وتلتها ترجمات أخرى إلى اللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية.
رحم الله أبا عبد الله محمد إبن آجروم الصنهاجي الذي لم ينقطع انتفاع الإنسانية بعلمه، من بداية القرن الرابع عشر الميلادي حتى اليوم.


