معظم الوجوه التي عرفناها في السوق غيبها الرحيل، بعد كل مائة عام تخبرنا الحياة أنها ليست دار مكوث…
كنت أسأل عن كبار السن فقيل إن معظمهم رحل، ومن بقي منهم فقد ذاكرته وأصدقاءه…
البضاعة في الدكاكين تبدّلت؛ والأبواب استبدلت أقفالها القديمة..
ظلال المساء البطيئة تمددت فيها حكايات جديدة
صورة معاوية لم تعد معلقة على الجدران؛ وتوقت رياح التغيير عن تحريكها..
الدفاتر لم تعد مغلفة بورق الجرائد والمجلات..
التلفاز لم يعد نافذة مُدهشة، أصبح وميضه رتيبا ولا يصنع حوله حلقات مغلقة..
ساسة جدد، يراكمون الحماس فوق رفات من غادروا المدينة بعد أن شغلوا ذاكرتها..
عاشقة يافعة كانت تراقب خطوات خطيبها كل مساء، أبانت ملامح وجهها عن تراكم انحناءات التجاعيد..
سيارة بيجو 404 مكتظُ حوضها بركاب كانوا يمسكون بكل قوة حوافها؛ أفلتوا كل شيء! وبقيت أفراحهم النائية عالقة فوق رصيف النسيان، والباعة الذين كانوا يركضون خلفهم بحماس تسمروا في أماكنهم البعيدة خلف الغروب..
مسبحة جدتي الطويلة انقطع خيطها المتين، وصندوقها الأخضر أصبح فارغا من الهدايا..
وأنا كبرت كما يبدو؛ وتوقفت عن ممارسة الدهشة والرسم بجميع الألوان على جدران روحي. نشرت سجادة في ذاكرتي وعندما قمت للصلاة، أدركت أن قلبي ما زال متسخاً، أخبرت الحياة بذلك، فسمعت صوتا بعيدا يقول لي:
- القلوب لا تنظف إلا بالنسيان
- والنسيان يعني المزيد من الحب.