إعلانات

حديث مع عز الدين

أربعاء, 15/01/2025 - 23:32

يعقوب بن اليدالي

 

 

 

تواصل معي بالأمس الإداري الأديب والأخ الأريب عزالدين بن كراي بن أحمد يورَ، وأخبرني أنه يقضي عطلته السنوية في الوطن، فاتفقت معه على تنظيم لقاء في أقرب وقت، فقد مرت سنوات على آخر لقاء جمع بيننا.

تربطني بعز الدين أواصر قربى ووشائج نسب و ادْمُومَ غاليين كأهل والد، وأهل المبارك وأهل بدٌَ وما أدريك ما دم أهل بد، كما تجمعني بعز الدين اهتمامات مشتركة تتداخل فيها عدة حقول معرفية.

هنأت الأستاذ عز الدين بمناسبة نزول كتابه الموسوم ب"حديث الجمعة" إلى المكتبات، والذي صدر قي ثوب قشيب عن دار الأمان المغربية، وقدم له الدكتور سيد أحمد بن الأمير، وقد جمع الكاتب عز الدين بين دفتي كتابه سبعين مقالا نشرها سابقا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقلت له إن الإنتاج الثقافي في منطقة إكيد مازال حسب رأيي دون المستوى المطلوب رغم وجود الشخصيات العلمية التي لديها ملكة التأليف، وتعدد المواضيع البكر التي لم تطمثها مزابر الباحثين.

تحاورت مع عز الدين حول الأدب والشعر في موريتانيا واتفقنا على ضرورة وجود توازن بين العرض والطلب، فقد أسهمت وسائل الاتصال الاجتماعي في نشر كم هائل من الشعر الفصيح والشعبي يطغى عليه الإكثار والتكرار والاجترار، وقد سألني شاعر ذات يوم سؤالا محرجا مؤداه "هل وجدت من يحفظ له بيتا من الشعر؟، وقد أسقط في يدي لأن ذاكرتي لم تسعفني ببيت له، وخرجت من ذلك المأزق بقولي له إن الشعر الجزل يصعب حفظه.

والحقيقة أن الذائقة العامة هي الفيصل في ذلك فالمتلقي شيخ وشرنيخ على رأي مدرسة كونستانس الألمانية.. ولكن الجمع بين الكم والكيف قد يكون حسب رأيي هو ثامن أمهات المستحيل.

قلت لعز الدين إن زهير بن أبي سلمى قادر على نسج معلقة في أسبوع ولكن قراره بتحديد الحول كزمن لإنتاج معلقة، أفسره شخصيا بأنه وسيلة يباعد من خلالها نشر شعره، حتى يدخل في باب الندرة فيصبح مطلوبا مرغوبا، ونفس المبدأ وجدته عند أسرة الأدب والفن أهل مانو، حيث أجاب أحد أساطينها تحديا لشاعر منافس بقوله "ذاك هو ال سغر مَسْنُونْهَ".

ناقشت مع الأديب عز الدين أدب جده لمرابط امحمد، ونوه مشكورا بمقالة كنت قد نشرتها حول ملمح إبداعي لفت انتباهي في شعر لمرابط امحمد يتعلق بقياس المشاعر، وقلت له إن تلك المقالة سرت إليها بركة لمرابط فقد حصلت من خلالها على تعاليق إيجابية من أدباء عصر الفتيان ما أود أن لي بها حمر النعم. وقلت له إنني أعكف حاليا على مقالة تتعلق بحضور اليمين في شعر امحمد أنوي نشرها في إجدى المجلات المحكمة.

أتحفني عز الدين بنماذج من أنظام امحمد في الفقه والأصول حمَّل بعض أبياتها ما لاتطيق من المعاني والنكت الأدبية الرصينة، والتي غالبا ما يغفلها النظامة لأنهم يركزون على الشاردة ويغفلون القيد ولا يهتمون غالبا ببناء النظم.

عبر لي الإداري عزالدين عن إعجابه ب "قف الشاي" الذي كتبه فتيان عصر الوسط في العقد الثاني من القرن الماضي، فقلت له إن باحثا بارزا نسبه في مقال له لأحد الشعراء المهتمين بالشاي، فقال لي عز الدين إن خياطة القف لا يقدر عليها إلا من درس وتمثل المختصر كالقاضي أحمد سالم بن ديدي ولداته، وقلت له إنني أفكر في تحقيقه خاصة وأن الإداري والباحث عبدالله بن ببكر رحمه الله، أتحفني بنسخة واضحة ومكتملة من المخطوط موثقة في مكتبة المعهد الموريتاني للعلمي ومنسوبة لعصر الوسط من أهل انيفرار، وقال لي إنه استعان بالشيخ الجليل المختار بن حامد رحمه الله، في فك معمى النص وإبراز مستغلقاته، وقلت لعز الدين إن اخليل الوسط ما يزال حاضرا في مجتمع أهل انيفرار، فأنت اليوم إذا تدخلت في صناعة القيام للشاي، يذكرك بلطف بقول الوسط "وفوض له مطلقا" أما إذا قدمت لك إحدى السيدات كأسا شهيا منعنعا ولم تعلق عليه، فإنها تحيلك أيضا إلى نص خليل الوسط بقولها" ونبه إن أجاد".

ولولا خوفي من الغسلة وطول الكرة لتطرقت لمختلف النقاط التي طرقنا لها والتي لم تكن مدرجة على جدول أعمال اللقاء، وقد أهداني الأستاذ عز الدين نسخة من كتابه الماتع وحملني نسخا للكوم في فرنسا فليكونوا على علم بذلك فالمحافظة على هذا السفر النفيس أمر صعب.