إعلانات

نظرة في قوة العادة عند أغلب الموريتانيين

اثنين, 06/01/2025 - 03:15

محمد ولد أحظانا

 

 

تعليقا على نقاش أثارته تدوينة للأخ الدكتور الفقيه الشيخ ولد الزين الإمام حول المقاصد الشرعية والكبائر والصغائر؛ أردت أن أضيف في مجال اختصاصي واهتمامي؛ لا في مجال اختصاصه، لأنني لست فقيها؛ هذه الملاحظة:

إن قوة العادة مؤثرة في مجتمعنا: دافعة وعاضلة، سانحة ومانعة. ولذلك فالعادة عندنا -أحايين- أقوى من الشرع وأولى من الضرورة.

لقد استنتجت في بعض دراساتي للمجتمع الموريتاني أن العادة عندنا أقوى من الحاجة، أحيانا كثيرة، وهي آكد من الضرورة، وأولى من الواجب الشرعي الصريح في مواطن عديدة، ولذا فلا غرابة إن تعمدنا الكبائر لأن قوة العادة تحميها، وتجنبنا الصغائر لأن العادة تنبذها.

الأمر لا يقتصر على الشرع وحده وإنما يتعلق بظاهرة اجتماعية وحالة وعي عميقة، أرجعها إلى أن سلطة العادة اقترنت بالتكيف -ابتداء- مع الندرة، إذ لايمكن إشباع كل الحاجات في وسط شحيح، فيتعود الإنسان على الاستغناء عن المعدوم، ويصبح هذا السلوك عادة.

وقد تسرب هذا الوعي إلى العادات الغذائية مثلا، فجرى تحريم بعض المباحات مثل الشاي لأنه ليس ضمن العادات الغذائية التي كانت سائدة. وكذلك عدم استعمال السمك بالنسبة للبعض حتى ولو قتله الجوع على شاطئ البحر رغم معرفة الجائع المتعلم أن الله قال في البحر: (لتأكلوا منه لحما طريا) [الآية]، وقول فقهاء المالكية استطرادا للحديث النبوي الصحيح: "الطهور ماؤه الحل ميته"؛ وعلمه أن قتل النفس حرام بصريح الآية: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق..)[الآية].

وقوة العادة كذلك تلفى في ترك الوضوء لندرة الماء في الفيافي، فلما أصبح الماء متاحا استمرت سلطة العادة حتى بالنسبة لمن لا تصح صلاته إلا بالوضوء.

ومن هذه الظاهرة في الأحكام السلطانية عدم تحريم المال العام للتعود على أن الملكية فردية، ولا وجود لبيت مال للمسلمين وقتها.. و هلم جرى. فالظاهرة سارية بعمق، وهي سبب من أسباب التخلف بالنسبة لأداء الفرد والجماعة على المستوى الفردي والعمومي.

ولاشك أن توضيح الأولويات، والتخلص من سلطان العادة القاهر سبيل لتصحيح الأحكام الدينية، وترتيب الأولويات الاجتماعية.

إن من يتجرأ على الكبائر لاينفعه تجنب الصغائر.

أما من يتجنب الكبائر فعلا فهو وحده من ينفعه تجنب الصغائر.

وإذا كانت ثمة كبائر في أخذ أموال الأفراد بغير حق فأخذ الأموال العامة بغير حق كبائر، أكثر ضررا؛ لكن لما اكتسبناها عادة لم ننكرها.

إن تصحيح المفاهيم الدينية والاجتماعية وفصلها عن مفهوم العادة، يجب أن تكون أولوية فقهائنا ومربينا الاجتماعيين..

حقيقة نحن نقدس العادة حتى ولو خالفت الشرع والحكم والمصلحة، وهذه أمور يجب أن تنال حظها من النقاش والتوضيح والتصحيح وإحقاق الحق. إن تجنب الصغائر مطلوب ولكن تجنب الكبائر أولى، وهو مطلوب أكثر، ولم يرتب الشارع حكم الكبائر والصغائر عبثا، بل لمقصد أصلي تترتب عليه مصالح كثيرة وتجنب مفاسد كبيرة، ولو كنت فقيها لما زدت على الحديث عن سلطان عاداتنا على تعبدنا وسلوكنا الشرعي:

قال الشاعر والعالم الشيخ محمد ولد حنبل في ترتيب الأولويات:

قلت هل يحتال في دفع العصا

من أظلته الحسامات القضب؟

لقد أخطأ أغلبنا في تأويل قاعدة: "العادة كالشرع." فهي كالشرع مالم تخالفه. فقط.