إعلانات

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية

اثنين, 30/12/2024 - 02:15

 

حكايات الأسود:

فك الأسد والرجل الأيٍد(1)

"قيل لكم في ما قيل لكم.."

إن ثلاثة رجال من حي في المنطقة الجنوبية، خرجوا لجلب الحبوب من ضفة النهر، فلما عبأوا ظروفهم بالدخن والذرة من بيادر شمامه، قفلوا راجعين رفقة.

كان الفصل شتاء فطلعت عليهم أنواء الشمال قبيل المغرب وأبرقت وأرعدت، فتبادلوا الرأي، واتفقوا على أن ينزلوا في أحد أكواخ "إفلان" المسقوفة وهي مهجورة في هذالفصل، حتى لا تبتل الذرة وتفسد في الأوعية.

****

كان اثنان من الرجال يعرفان منطقة الخشومه التي تكثر فيها الحيوانات المفترسة. أما الثالث فلا علم له بذلك لأنه تربى في أخواله بعيدا ولاعلم له بذلك، لأنه لم يسافر قط جنوبا إلى ضفة النهر..

لم يكن للكوخ باب يسد به فاضجع الرجلان الخائفان من السباع في آخر مكان منه على بعض الأوعية، وتركا الرجل الجاهل بالحال، ينام قرب الباب.

****

نزل مطر خفيف فنام الرجال على موسيقى الطل اللطيف، حتى إذا توسط الليل أحس الرجل الأيد النائم قرب باب الكوخ بأنفاس حارة على وجهه فاكتملت عليه يقظته، وإذا بكائن فظيع الرائحة يتشممه، فرفع يده وصفعه صفعة أطاحت بالكائن المرعب خارج الكوخ، والتصق فكه بكف الرجل الأيد.

****

أخذ الرجل بيده اليسرى عودي زناد من حطب جلبه الرجال مع الحطب ليبقى جافا داخل الكوخ فتسري فيه النار عند إيقاده.. وورى النار، ونفخ فيها حتى اشتعلت في الحطب، وأيقظ أحد الرجل، ومد إليه كفه التي التصق بها فك هائل لا تزال أنيابه وأضراسه في مكانها. وسأله:

- ماهذا؟

وبدل أن يجيبه الرجل شهق ومات من حينه فزعا.

أيقظ الرجل الأيد رفيقه الثاني وسأله هل تعرف ما صاحب هذا الفك؟

فأجابه وقد تصلب فكاه وثقل لسانه:

- هادا ابع..

- لم أسمع قط بحيوان يسمى ابع.

فوقف الرجل وأخذ يقترب من اللهب وهو يرقص ويغني بصوت مبحوح وكأنه مشكول الرجلين:

- هادا ابع.. هادا ابع..

فأيقن الرجل أن رفيقه فقد عقله، فقام إليه وصرعه وأوثقه بعمامته ويده غير المعطلة، وربطه بمجمع الكوخ خوفا أن يحرق نفسه بالنار، وقال له:

- غن كما تشاء.

نام الرجل الأيد إلى الفجر نوما عميقا.

****

في الصباح الباكر خرج الرجل الأيد من الكوخ بعد أن صلى الفجر ودفن الميت في ثيابه داخل الكوخ. ولما نظر رأى الأسد ميتا وتحت مناخيره أضاة من الدم فهاله شكله المخيف. لكنه لم يعبأ به كثيرا

جلب الأيد إبل القافلة التي تحمل ذرتهم، فلما اقترب نفرت الإبل من جثة الأسد وامتنعت من الاقتراب أكثر. ربط أزمتها في شجرة، وذهب إلى الأسد وجره بعيدا.

انطاعت الإبل بعد ذلك فأناخها حيث أراد وحمل عليها المزاود بيده الوحيدة، وحرر المجنون ووضعه على أحد الجمال الذلولة وشده بقوة إلى ظهره حتى لا يسقط، وكان لايزال يغني أغنيته المبحوحة:

- هادا ابع.. هادا ابع..

عقد الرجل الأيد أزمة بعض الجمال إلى أذيال بعضها وسار يقود قطاره حتى وصل حيه عصرا.

****

أقبل عليه رجال الحي يحطون الأحمال عن ظهور الجمال ويسألونه عن رفيقه المتخلف وسبب جنون الثاني؟

فقص عليهم قصته.

****

دعي طبيب الحي لعلاج الرجل الأيد وفصل حنك الأسد عن راحته، فأمر بذبح شاة وجلب معدتها وهي لاتزال ساخنة إليه، وعلقها بين سماكي الخيمة التي آوى إليها الرجل المصاب،

وأمر فنان الحي وأسرته بجلب طبلهم ووترياتهم، فأخذ الفنان في عزف الأوتار هو وزوجته وبغنيان في "فاغو"، وأخذت النسوة في قرع الطبل، فكان فك الأسد ينفك ويتزايل عن الراحة كلما اقشعر جلد الرجل الأيد. ولما بقي شعر الأسد كالشوك في كفه زاد حماس الحفل وزادت قشعريرة المصاب طربا، فصار شعر الأسد يتطاير إلى معدة الشاة المعلقة بين سماكي الخيمة وينفذ فيها ويستقر، حتى لم تبق شعرة واحدة في كف الرجل القوي.

****

"وربطت أنا نعلي وعدت سالما إلى أهلي، أحدث بقصة الرجل الأيد وفك الأسد؛ أبقاني الله سالما، أحدث بها دائرا عن دائر."

-------------

الأيد: القوي الشديد

م. أحظانا