إعلانات

من القصص الشنيقطي الواقعي... رؤيا الشيخ يعقوب بن عبد اللطيف

أربعاء, 11/12/2024 - 23:18

بدأت الشمس ترسل إيَّاتِهَا على ربى قرية "انْيِفْرَارْ"، فيظن المتأمل لها أنها ناصعة البياض، ثم لا يلبث أن يغير رأيه تمامًا، إذا أعاد النظر إليها قبل الغروب، حيث ستبدو لناظريْه وكأنها كميت مشوبة بحمرة، ودائما أتساءل في نفسي عن السبب في تغير ألوان تلك الكثبان؛ من البياض إلى الحمرة، تبعا لظاهرتيْ الشروق والغروب.

كان ثغاء الماعز المتقطع، وتجاوب النِّقاد معه، لا يعكرُ صفو جو الهدوء والسكينة الذين يخيمان على حي انيفرار أثناء ساعات الفجر الأولى ، وكذلك هو حال صوت محرك سيارة السيد "ابراهيم بن السالك" الذي بدأ يتباعد شيئا فشيئا، مخلفًا وراءه نقعاً؛ أثارتْه العجلات أثناء مرورها على أديم الغور.

يقع منزل الشيخ يعقوب بن عبد اللطيف، على كثيب مرتفع في الجانب الشرقي من الحي، وقد لاحظ جيرانه تغيرًا بيِّنًا طرأ على برنامج الشيخ ذلك الصباح، فليس من عادته الكلام والاهتمام  بشؤون الدنيا، لكنهم شاهدوه فجرًا يدخل الحظيرة، ويربط بداخلها كبشًا سمينًا، كما لفت انتباه المقربين منه تحضيره لأمر هام قرر أن يباشره بنفسه و لم يكِلْهُ إليهم كعادته.

أمر الشيخ أحد معاونيه بذبح الكبش، كما أوعز إلى أهله بتجهيز البيت وتنظيفه وترتيبه، وإعداد طعام شهي مابين لحم ناضج وحنيذ وأرز لذيذ، وهريسة نفيسة، وشاي وشراب... وأخذ بيده اليمنى "مغراجه" الذي لا يفارقه، وارتدى ملابسه واعتجر بعمامة بيضاء، واتجه شمالا ليتفرغ لتأملاته وعباداته ومجاهداته.. أثناء خروجه من الحي التقى بالشاب الصالح عبداللطيف بن احمادَ رحمه الله، - وكان آنذاك صاحب حانوت للتجزئة- فكلفه بتزويد أهل بيته بكل ما يحتاجونه من المؤونة...

 بدأت ساكنة الحي نشاطاتها الاعتيادية، كانت البئر آنذاك قائمة، وحولها أمة من الناس يسقون، وقد تفيأت زمرة من الرجال ظل شجرةٍ، وطفقوا يتجاذبون أطراف الحديث، كان جو الخريف لا يزال سائدًا نهارًا رغم ندرة تخافق البروق ليلاً، وقد جلب بعض المنمين أبقارهم للرعي في حمى الحي، فخلاه مغذٍ لأنه يكثر فيه الثمام "أُمْ رُكْبَ" المفضل عند جنس البقر.

 قدم الشيخ على البئر - ضحى ذلك اليوم- فاستبشرت به القيعان وهش له النجد، وبدأ يتفقد أحوال قطعان المنمين الغرباء، ويسألهم عن أخبار الرعي والسقي، وهم - مع انشغالهم- يجيبونه وينتهزون فرصة قدومه النادرة إلى البئر، لكي يحظوا بدعائه والتماس بركته،  فالشيخ – رغم تواضعه وخموله – تشي الأنوار الساطعة في وجهه، بصلاحه وعلو كعبه في علوم القوم...

بدأت حرارة الشمس  تشتد، وقد خفف منها هبوب نسيم عليل محمل بأريج خلا المراعي، تزايدت الأصوات حول البئر مكونة "سيمفونية بيتهوفينية " تجمع بين الخوار والثغاء والرغاء، ونداء الساقي على مُعاونه ب"هٌويَ" للرجوع بالسَّانية، ورنين البكرة، وخرير الذَّنُوبِ يُفرغ ماؤه في الحوض.

  كان الشيخ يعقوب مشغول البال، ويرمى ببصره - بين الفينة والأخرى- في كل الاتجاهات وكأنه ينتظر زائرًا، وفجأةً قطع - ترانيم السيمفونية- صوت أحد المنمين يصيح قائلا: لقد رأيت بين فجاج الكثبان جملاُ عليه أثقالٌ وغرابيبُ سودٌ تخفق، وخلفه سائق وشهيد، وأظن  أنهم قادمون من جهة بئر "الْكِلِّ" ، هب الشيخ واقفًا،  وسار نحو الزوار مسرعاً، وقد لفت انتباه الحاضرين اهتمام الشيخ الزائد بأولئك الزائرين؛ من خلال استبشاره بمقدمهم وحرصه على استقبالهم بنفسه، فساروا خلفه يحثون الخطى، متحيرين وهم يضربون أخماسًا بأسداس، ولسان حالهم يقول إن لهذا الوفد لشأنًا.

- الجزء الثاني

 خرجت إمارة إيلِيغْ من رحم زاوية الشريف سيدي أحمد بن موسى (المتوفى 7 ذي الحجة سنة 981 هـ) ، وذلك عندما طلبت جماعة الحلِّ والعقد من أحفاده – بعد ضعف الدولة السعدية- أن يتولوا تسيير دنيا الرعية، بعدما ساسوا لها دينها، وتعتبر فترة حكم السلطان سيدي اعْلي بودمعة (ت 1070 هـ) بمثابة العصر الذهبي للإمارة السملالية، حيث وطَّد أركانها، ووسع نفوذها، وشيَّد عاصمتها "دار إيليغ" ، ثم أطاح بها العلويون بعد وفاته بقليل؛ أي سنة 1081 هـ. 

هاجر حفيد السلطان؛ الطالب ابراهيم بن سيدي بوبكر، إلى الصحراء الشنقيطية، في حدود 1100 هـ تقريبا، حيث تؤكد الرواية الشفهية أنه نزل بحي البوصاديين قرب بوتلميت، وتزوج من السيدة فاطمة بنت الطالب مختار، وثوى فيهم فترة طويلة معززًا مكرمًا، ورزق بولدين شبَّا مع أخوالهما، وتزوجا وأنجبا فيهم. وحسب المصادر التاريخية؛ فإن أسر السَّماليل الموجودة  اليوم في الحوض والمذرذرة، وأطار، والصحراء الغربية، ترجع كلها إلى الجد الجامع سيدي أحمد موسى.

توطنت بعض أسَرِ "السَّماليل" مقاطعة المذرذرة منذ زمن بعيد، وطاب مقامهم فيها، وكانوا – ولازالوا- محل احترامٍ وتقديرِ من طرف جميع المجموعات؛ الشمشوية منها والمغفرية، ومن أشهر تلك الأسر : أهل المختار بن البخارى، وأهل احميادَ  وأهل ودَّادْ، وأهل حمزة. 

تزوج السيد أحمدُّ بن حمزة – وهو أخو المختار بن وَدَّادْ لأم - من السيدة عيشة بنت أحمد بن حيبللَّ ، ورزق منها ببناته الثلاث؛ فاطمة وآمنة واحويْ وإخوتهما.

نظرا لقلة العشب في مراعي المذرذرة- في تلك السنة- قرر السيد الدَّاه بن المختار بن ودَّادْ؛ أن ينتجع شمالا بحثا عن الكلإ، فساق قطيعه حتى وصل بئر "الكِلِّ "، فارتأى "التَّعْزيبَ" فيه مؤقتًا، وكانت معه أسرة عمه؛ أحمدُّ بن حمزة ، وبعض أصدقائه ومعارفه، بعد مرور عدة أسابيع، تحسنت وضعية القطيع ودرت الضروع، وذات سحر تناهى إلى سمعه  بكاء أطفال واسترجاع ثكلى، فهبَّ من مخدعه فزعًا، ووقف خارج الخيمة، محاولاً التعرف على مصدر الصوت؛ إذ أن مضارب "العزيب" متباعدة والأخبية متناثرة، لفت انتباهه أضواء مصابيح يدوية يتجمع حاملوها أمام خيمة عمه، فتأكد أنها هي مصدر تلك الجلبة، جالت في نفسه - وهو يخطو باتجاهها- بعض الهواجس لكنه صرفها في الحال ، لقد مرَّ عليهن قبل نومه، وتركهن بأفضل حال.. ترى ماذا حدث؟  مع وصوله، نعتْ له السيدة عيشة - بصوت يعتصره الألم- ابنة عمه آمنة، والتي توفيت أثناء النوم، ولم تكن تشكي من علة، لقد تنبه لذلك ابناها عندما لاحظا أنها لم تستيقظ لصلاة الفجر كعادتها. 

فكر الداه سريعا وقيَّم الوضعية؛ لاحظ أن الأم والأخت ما زالتا تحت تأثير الصدمة، والطفلان في قمة الحزن والأسى  والذهول، ذهب بهم إلى خيمة بعيدة، وعزاهم وواساهم، وقال لهم سنذهب بالجنازة إلى "انيفرار" وسيتولى أهل أعمر إديقب تجهيزها والصلاة عليها .. لم يُبْدِ أفراد الأسرة أي اعتراض، لأنهم على اطلاع تام لما يُكنه أهل انيفرار من التقدير للأشراف عمومًا، و للسماليل على وجه الخصوص.

في حدود السابعة صباحا، حملت الجنازة على بعير ورافقها ستة أشخاص هم: أخوها الأصغر أحمد بن حمزة والدَّاه السملاليان، ومحمد بن أحمد لسحاق بن إفكو، ومحمد عبدالله بن العالم من الطلابين، وأحمد بن عثمان واعل بن اعبيلْ لِعْلِ الرحاليان، أغذَّوا السير شرقا صوب انْيِفْرَارْ، - لأن المسافة بين الحيين تزيد على خمسة عشر كيلومترا-، مرَّوا في طريقهم على بئر "انْيَارْكَنْ"، فغور "بُوزِبْلَ"، ثم دخلوا الحي ضحى من الجهة الغربية.

قرروا في البداية التوجه مباشرة إلى المسجد، لكنهم  فوجئوا بجماعة تستقبلهم، يتقدمها شيخ جميل المحيا، أنور المتجرد، لم يسبق لهم أن التقوا به من قبل.

أمر الشيخ في الحال بجمع الرجال للصلاة، كما أرسل في طلب أربع نسوة من أمثل أهل الحي، تولين تجهيز الفقيدة، بعد استشارة الرجال؛ قرَّرَ أحمدْ والدَّاه أن آمنة ستدفن مع العلامة الصالح المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعِترته؛ محمذ باب بن داداه، وعندما وصلوا إلى المقبرة وجدوا آلات الحفر جاهزة، بأيدى شباب متحمسين للمساعدة، فجعلوها إلى يمين العالمة العاملة أَيَّمْ بنت أحمدُّ سالم رحمها الله. 

في طريق العودة من المقبرة ، عرض بعض الرجال على الدَّاه ومرافقيه، أن يقضوا اليوم معهم، لكن الشيخ تدخل بلطفه المعهود قائلا "هَاذُو الخِلْطَ خَلُّوهُمْلِي".

يقول محدثي الداه بن وَدَّادْ:  (...لقد استغربت عندما دخلت منزل الشيخ يعقوب، كان كل شيء جاهزًا ومرتبًا بإحكام، كما أن الضيافة قد أعدت بإتقان، فكأن الرجل كان على علم بمقدمنا.. قضى معنا الشيخ وقتا طويلا، أثنى فيه على السماليل وأكد على صحة شرفهم، كما رشحت منه بعض الدقائق العجيبة، والرقائق الغريبة، واللطائف الطريفة، ثم استأذن منا، طالبًا من الحضور أن ينوبوا عنه في مجالستنا والاحتفاء بنا.. وعند تمام الساعة الرابعة، قررنا العودة إلى "العزيب"، لأننا تركناهم صباحا في كرب عظيم)

-  الجزء الثالث
 
بعد انتهاء أيام التعزية، وسُلُوِّ الأهل النسبي، وهدوء العيال الحذر، قرر السيد الدَّاهْ بن وَدَّادْ  الذهاب للتزود ببعض المستلزمات التموينية الضرورية، كان تجار انْيِفْرَارْ هم الأقرب إليه جغرافيًّا، طغى على ذهنه  - أثناء الطريق- التفكر في ظروف وفاة ابنة عمه المفاجئة، تواردت إليه ذكريات كثيرة مختلفة؛ تفكَّر في ما حباها الله به من العقل والرزانة والأخلاق الحميدة،  تذكَّر أيضًا قرارها الصارم المتعلق  بالتفرغ لتربية ابنيها محمد والمختار، بعد انفصالها عن والدهم، لقد حرصت على تربيتهما وتدريسهما والاهتمام بشؤونهما، كانت تقيةً نقيةً برةً بوالدتها محترمة في عشيرها...
انتظمت تلك الصفات الخُلقية والخَلقية في ذهن الأديب، على شكل مرثيةٍ جميلةٍ، صادقة العاطفة، ساعده  حسه المرهف، وهدوء المكان،  وصفاء الطبيعة واتساعها،  في إجادة سبكها وتناسق ألفاظها.. فقرر أن ينزل عن ظهر بعيره لكي يكتب الخاطرة التي جالت في ذهنه.. فتش في جيبه، فوجد ورقة سجل عليها لائحة المستلزمات التي سيشتريها، فقيدها بسرعة على ظهرها،  وواصل طريقه.

يَلاَّلِ مَذَ زِكْلِتْ بَعْد
الدِّنْيَ هَاذَ يوْمْ الحَدْ
أيَلاَّلِ مَذَ مُفَـكَّـدْ
عَاكِـبْ مِنةٌ مِنْ لِحْسَانْ
وِ البَشَاشَ وِاحْكِيمْ العَهْدْ
وِالبُرُورْ أُمِتْنْ الإِيمَانْ 
ألاَ تَسْمَعْ مِـنْهَ شَاكِ حَدْ
قَرِيبْ أبَعيدْ أجِرَانْ
تَغْفَرْ يَا اللَهْ الكِلْ الْعَمْدْ
 وِالسَّـيِّئَاتْ ابْشِ مَا كَانْ
وَعْطِيهَ فِلْجَّنَّ مَقْعَدْ
عَالِ يَلِلاَهْ السُّبْحَانْ 
وِمْنْ أَشْـَبهْ أُمِّةْ مُحَمَّد
تَجعَلْهَ فِلْجَنَّ مَكَانْ
وِخْـبَرْهَ مَا يَشْطَنْ عَلاَّهْ
مُلاَنَ لاَطِـفْ بِـيهَ كَانْ
وَلاَّ مَزَالِـتْ فيْدْ اللَّهْ
لاَطِفْ بِـيهَ وِعْـلِيهَ حَانْ 

رجع الشيخ محمدن بن أبٌ إلى المنزل بعدما أدَّى صلاة الظهر في الجماعة، دخل الغرفة الغربية من البيت؛ - لأنها الأنسب له وقت القيلولة-، تناول الجزء الثاني من المدونة وفتحه ثم بدأ المطالعة - كانت من كتبه المفضلة-، بعد برهة شعر بالكرى يدبُّ بين جفونه، ضمَّ الكتاب، ووضع نظاراته على غلافه، وراح في سُبات عميق، 
استيقظ على أصوات تلامذة يكررون ما في "ألواحهم" بصوت مرتفع، طلب من أحدهم أن يحضر له ظرفا من أقرب حانوت، أخذ ورقة بيضاء من بطن الكتاب، وبدأ يُدَوِّنُ فيها على عجل، وبعدما تجهز لصلاة العصر أدخل تلك الورقة في الظرف، ثم جعله في جيبه وسار باتجاه المسجد.

احتسى الدَّاهْ بن وَدَّادْ الكأس الأخيرة من الشاي؛ الذي أعده له معاون التاجر أحمد سالم الملقب ول ديدي بن عبدالله،  ثم همَّ بالذهاب باتجاه جمله الذي كان باركًا تحت ظل الشجرة الواقعة غرب الحانوت، وقد حُزمت الأمتعة على ظهره، فجأةً ناوله التاجر أحمد سالم ظرفا قائلا : تلك رسالة أمرني الشيخ محمدن بن أبٌ أن أسلمها إليك إذا التقيت بك.. فتح الداه الظرف وأخرج الورقة المطوية وبدأ يقرأ محتواها بسرعة.. يقول ودَّادْ: (... كانت عبارة عن رسالة موجهة إليَّ، بدأت باعتذار عن عدم قدومه للسلام علينا يوم الأحد الماضي، ثم أضاف أنه بينما كان نائما - وقت وجودنا مع الشيخ يعقوب- رأى في ما يرى النائم؛ امرأة اتت لزيارتهم في البيت فسألها – بعد السلام عليها- عن هويتها؟ فقالت له : أنا امرأة من السَّمَاليل ، قُبضت روحي البارحة، ودُفن جسمي قبل لحظات؛ في "َصَالحين الشَّاشْرَ"، أريدك أن تخبر أهلي ببعض الأمور المهمة عندي؛ أولها أنني وجدت قبري فسيحًا مريحًا فعرفت أن الدنيا كانت لي بمثابة حبسٍ، وثانيها أن تقول لأخي الأكبر محمد وأمي عيشة، أنني أوصيهما خيرا بالطفلين، ثم ذكرت له بعض التفاصيل المتعلقة ببعض المتاع والأواني الموجودة في خيمتها ، طالبة منه أن يذكرها لوالدتها لكي تنفذها وصيتها على عجل).

لقد نسي محدثي تلك التفاصيل المهمة المتعلقة بمتاع الفقيدة، نظرا لطول عهده بها، فالقصة جرت أحداثها منتصف شهر اكتوبر سنة 1996. سارع بالرجوع إلى "العَزيبِ" وهو يفكر في أمر هؤلاء القوم: شيخ يلقاهم بالإكرام والاحترام ولا علم له بقدومهم فمن أنبأه بذلك؟ شيخ آخر يكتب له رسالة قادمة من البرزخ تحوي معلومات دقيقة صحيحة، لحقًا إن هذا لشيء عُجاب.

بعد وصوله بدأ بخيمة عمه، فبشرهم وقص عليهم تلك الرؤيا الصالحة، ثم سلم الرسالة للوالدة عيشة، فصكًّتْ وجهها مستغربةً من ورود اسمها وابنها محمد فيها، ثم قامت إلى متاع ابنتها ونثرته جميعًا، وقارنت بينه مع ما جاء في الرسالة، فوجدتهما متطابقين تمامًا، فعرفت أن رؤيا الشيخ محمدن جاءت كفلق الصبح .. فازدادت تعجبًا وتفكرًا ثم بدأت فورًا في تنفيذ وصية ابنتها.

بعد مرور سنة على هذه القصة العجيبة، والرؤيا الغريبة، كان صاحبنا يسير ضحى في منطقة "اكْلِينِكْ" التجارية، فقرر أن يمرَّ على حانوت صديق له قد طال عهده به، ولمَّا دخل عليه، وجد معه الشيخ اليدالِي بن أبٌ رحمه الله، فبدأ بالسلام عليه بأدب واحترام وتقدير، وبعدما التقى بصديقه، خرج مواصلا طريقه،  لكن الشيخ اليدالي سأل صاحب الحانوت قائلا: من الرجل الذي سلم علي آنفًا؟ فأجابه بأنه شريف من السماليل يدعى الدَّاهْ بن وَدَّادْ، فأمره أن يتبعه ويطلب منه الرجوع إليه، ففعل، فأعاد الشيخ  السلام عليه متبششًا ومقدرًا، وبعدما سأله عن أحوال وأخبار أكابر عشيره، قال له:
 (...لقد أخبرني الشيخ يعقوب بن عبد اللطيف، أثناء لقائي به السنة الماضية في "انْيِفْرَارْ"  أن فاطمة الزهراء عليها السلام بضعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أمرته - في المنام- بالاستعداد لاستقبال وضيافة أبنائها الذين هم في طريقهم إليه، وكان ذلك في الليلة التي سبقت دفن منت حمزة في مقبرة انيفرار..)

يعقوب بن اليدالي