افتتاحية الأربعاء 27/11/2024
تنبه أسلافنا باكرا إلى خطر الاستعمار وتشكل لديهم تصور ناضج حول مقاومته اقتصاديا وعسكريا وهو إذ ذاك رابض على شواطئ المحيط وعلى ضفاف النهر ،ثم واجهوه بأجسادهم الطاهرة ومقاطعتهم الثقافية حين استباح الأرض فكانت منازلة من دم ونور ، أجهزت ريحها الطيب على جسد وحلم كزافي كابولاني.. غير أن سؤالا لامفر من طرحه وسط هذه المعمعة : لماذا نقاوم الاستعمار بكل هذه الجسارة والتحدي ولا نقاوم العدو الذي جاء بالاستعمار وهو التخلف ؟
كل الشعوب المتخلفة كانت قابلة للاستعمار ، حضاريا وعسكريا، وكانت لقمة سائغة في فم أي طامع في أرضها وسيادتها ووجودها.
بعد أربعة وستين حولا رحل المستعمر ( العدو الأصغر )وبقي العدو الأكبر، الذي جاء به جاثما على صدور الموريتانيين .
بدأنا حرب الاستقلال المبكرة حتى قبل وصول طلائع جيوشه إلى ( اخروفه) و( ابيظ الماء ) لكننا بعد ستة عقود لم يستوطن تفكيرنا أي شكل من أشكال الحرب ضد التخلف. وبدون هذه الحرب والفوز بها سيكون الاستقلال عديم المعنى وستبقى التبعية للآخر مطلقة.
هذه الحرب وإن تأخرت ينبغي أن تبدأ وبدايتها تكون بقرار سياسي وتخطيط استراتيجي ،وهي ،ككل الحروب أيضا، تحتاج مقاتلين أشداء لكنهم ،هنا، مسلحون بالعقل والوعي الصحيح مؤمنون بالتقدم وقابضون ،في الوقت نفسه، على الهوية لأنها صمام الأمان من كل انحراف.
سوف تؤدي هذه الحرب حتما إلى ضحايا وخسائر وأثمان باهظة تليق بالطموح.
لقد سمعنا كثيرا - وفي ذلك فائدة كبيرة -عن شهداء المقاومة العسكرية والثقافية ولم نسمع عن شهداء المقاومة ضد التخلف، فالجميع يهادنه ويتعايش معه كما لو أنه ابن البلد.
يتعلق الأمر بصراع طويل ومرير مع الذات وأشكال الخلل البنيوي في بنائنا الثقافي والحضاري ، فالمقاومة الحقيقية هي إرادة حياة وفعل وجود ومشروع متكامل ومستمر وليست ردود فعل مؤقتة .