{إنا لله وإنا إليه راجعون...}
الطبيبة التقليدية لعگيده منت إياهي في ذمة الله..
علمت اليوم بوفاة الطبيبة التقليدية من قبيلة "انتابه" الأكارم وترحمت عليها كثيرا وهذا حق لكل مسلم على أخيه المسلم وسأظل أدعو لها بالرحمة كلما ذكرتها أو ذكرت أمامي، فقد شهدت منها موقفا لا أنساه ويشهد على شجاعتها وجرأتها ومهارتها في معالجة المشكلات الصحية الاستثنائية الطارئة.
كان ذلك سنة 1998 وكنت في راحة في بادية غرب "تگند" وفي أحد الصباحات جاءني رجل وامرأتان معهما بنت في التاسعة أو العاشرة من عمرها وكانت تعاني صعوبة كبيرة في التنفس بسبب علكة صمغ ابتلعتها ولم تستطع استساغتها "غصت بها"، والأدهى من ذلك أن البنت كانت بكماء صماء، فحملتهم في سيارتي على عجل إلى المركز الطبي في تگند حيث اعتذرت الممرضة التي وجدتها فيه وتدعى"اخويره" عن معالجتها مبررة امتناعها بالخوف من أن تموت بين يديها وتكون مسؤولة عن ذلك، فتوجهت بها إلى طيب السمعة، الشخصية الوطنية الحاكم السابق المختار ولد اتوينسي في صيدليته، وكان له إلمام بالطب، وهو صديق لي ولأهلي، ولما شرحت له الأمر نصحني بأن أتركه لأن الأمر خطير وأن أطلب من أهلها التوجه بسرعة إلى انواگشوط،
ولكن أهلها كانوا يرغبون في إيجاد حل في تگند لأنها قد تموت في الطريق، وهنا تذكرت "لعگيده" التي كنت أسمع عنها ولم أكن أعرفها.
لما دخلنا عليها وشرحت لها الأمر سألتني من أنا فأخبرتها فرحبت بي وسألتني هل البنت من أسرتي فقلت ليست من أسرتي، ولكن هناك الكثير من الأواصر بيني وبين أهلها فقالت لي هل تستطيع أن تخرج أفراد أسرتها ونبقى أنا وأنت وهي، فقلت نعم فطلبت منهم الخروج فخرجوا، ولما بقينا لوحدنا طلبت مني أن أخيف البنت وأن أشير إليها أني سوف أضربها إن لم تفعل ما آمرها به، ثم أخذتْ كمية من الدقيق ورشت ظاهرها بالماء حتى إذا استمسكت وصارت كالكرة الصغيرة أدخلتها في فم البنت ثم طلبت مني أن أضرب الأرض قريبا منها وأن أهددها بالذبح إن لم تبتلع كرة الدقيق ففعلتُ وكانت لا تعرفني فخافت وابتلعت الدقيق في النهاية فكانت "سلت شوكه" كما يقال.
شفيت تماما فخرجت بها من جهة غير الجهة التي دخلت منها واشتريت لها بعض البسكويت ثم فاجأت أسرتها بها وهي لا تشكو أي مشكلة.
جعل الله أجر ما فعلته لعگيده في ميزان حسناتها وأثابها على ما فعلته من تفريج كربة عن مسلم بالرحمة والمغفرة وبارك في ذريتها.
آمين.