إعلانات

128 مليار دولار لأكبر موازنة للجزائر.. أي آثار اقتصادية واجتماعية في 2025؟

أحد, 27/10/2024 - 17:23

 

 

الحكومة الجزائرية تخصص 128 مليار دولار لعام 2025 في أكبر موازنة مالية (الجزيرة)

 

عبد الحكيم حذاقة

 

الجزائر– تستعد الحكومة الجزائرية لتنفيذ أكبر موازنة مالية في تاريخ البلاد، عقب مصادقة مجلس الوزراء عليها مؤخرا، برئاسة عبد المجيد تبون، حيث تستهدف أساسا تحسين الوضع المعيشي وتشجيع الاستثمار.

وتكشف المؤشرات الكلية لمشروع قانون المالية 2025 عن تخصيص نفقات عمومية بنحو 16.8 تريليون دينار (126 مليار دولار)، أي بزيادة قدرها 9.9% عن موازنة 2024.

وضمن هذا الغلاف المالي غير المسبوق، قررت الحكومة ضخ 600 مليار دينار إضافية (4.5 مليارات دولار) في كتلة الأجور لتغطية أعباء زيادات الرواتب في مجموعة من القطاعات ومناصب العمل الجديدة، بينما يمثل حجمها الإجمالي 5.34 تريليونات دينار (40 مليار دولار) بنسبة 34% من ميزانية الدولة.

ومن الأرقام اللافتة، نسجل استمرار ارتفاع الأموال الموجهة للتحويلات الاجتماعية (دعم الأسعار ومنح الفئات الضعيفة وذوي الحقوق)، حيث بلغت 5.9 تريليونات دينار (44 مليار دولار)، وهو ما نسبته 36% من الموازنة العامة.

وفي السياق، تتوقع الحكومة تسجيل مستوى عجز بـ8.3 تريلونات دينار (62 مليار دولار)، وهو ما يكافئ تقريبا الإيرادات المنتظرة بـ 8.5 تريليونات دينار (64 مليار دولار).

وفي غضون ذلك، تراهن السلطات على نمو اقتصادي بـ4.5% ليصل الناتج الداخلي الخام 278.71 مليار دولار العام المقبل، في ظل صادرات سلع بـ50.90 مليار دولار وارتفاع احتياطي الصرف إلى 72.95 مليار دولار.

تدابير دعم القدرة الشرائية

وفي عرض أمام البرلمان، أعلن وزير المالية، لعزيز فايد، عن استحداث قرابة 100 ألف منصب عمل خلال 2025.

كما كشف الوزير، في إطار تدابير دعم القدرة الشرائية، عن "تكفل الخزينة، بالفوائد خلال فترة التأجيل وتخفيض معدل الفائدة على القروض الممنوحة من البنوك العمومية بنسبة 100%، لإنجاز السكنات مع الطرق والشبكات المختلفة".

وتضمن مشروع المالية، وفق عرض الوزير، تمديد الترخيص الممنوح للبنوك لمنح قروض استهلاكية للأسر قصد اقتناء السلع، ليشمل منح قروض استهلاكية لاقتناء الخدمات (مثل الصحة، والسفر، وما إلى ذلك).

وأعفت الحكومة كذلك واردات اللحوم البيضاء المجمدة من الرسم على القيمة المضافة، مع تمديد الإعفاء المؤقت من الرسم نفسه على بيع البقول الجافة والأرز، المستوردة أو المنتجة وطنيا، والفواكه والخضروات الطازجة وبيض الاستهلاك والدجاج اللاحم والديك الرومي المنتجة محليا.

تنفيذ الالتزامات الانتخابية

وفي قراءة تفسيرية للأرقام، قال البروفيسور قدّي عبد المجيد، مدير مخبر العولمة والسياسات الاقتصادية بجامعة "الجزائر 03″- إن قانون المالية 2025 يأتي في سياق سياسي واقتصادي متميز.

وأوضح قدّي لـ"الجزيرة نت" أنّ الرئيس تبون قد وضع الإطار المالي لتنفيذ التزاماته الانتخابية للعهدة الثانية، بالتوازي مع الاستعداد للإعلان عن حكومة جديدة تطرح مخطط عملها.

الحكومة خصصت 44 مليار دولار من الموازنة لدعم الأسعار والفئات الاجتماعية الضعيفة (الجزيرة)

أما من الناحية الاقتصادية، فيرى المتحدث أن مستوى نمو بـ4.3% يعدّ من أفضل المعدلات بالقارة الأفريقية، مع النزول بالتضخم إلى 4.9%، إضافة إلى فائض للميزان التجاري وميزان المدفوعات.

وأكد الخبير أن تخصيص 19% من النفقات العامة للاستثمار المباشر من العناصر الإيجابية في موازنة 2025.

 

وأشار إلى تركيز السلطات على الهياكل القاعدية للمشاريع المهيكلة الكبرى الفلاحية بالجنوب، مع توسيع الكهرباء الريفية في 14 محافظة وإعادة تأهيل السدّ الأخضر وشبكات توزيع مياه الشرب والمياه الصناعية، زيادة على مشاريع التحلية.

كما تضمنت الموازنة، يضيف المحلل، تدابير تحفيزية للنشاط الإنتاجي، وترقية اقتصاد المعرفة والتحول الطاقوي، من بينها رفع رأس المال الاجتماعي للصندوق الوطني للاستثمار، وتمديد تخفيض الضرائب على الدخل والأرباح بـ50% لصالح المؤسسات والأفراد العاملين بالجنوب الكبير، مع مواصلة الإعفاء من الضرائب على الشركات الحاضنة لمدة سنتين.

وثمّن الخبير المالي تخفيض نسبة 30% من الربح المحاسبي في حدود 200 مليون دينار بعنوان النفقات المرتبطة بالبحث والتطوير في المؤسسات، مع الإعفاء من الضرائب على الدخل والأرباح لمنتجات الصكوك السيادية لـ5 سنوات.

وثمّة عنصر إيجابي آخر في موازنة العامة 2025، وهو الزيادة في نفقات المستخدمين بمراجعة شبكة الأجور والنظام التعويضي لموظفي التعليم العالي، والتربية، والصحة والشؤون الدينية، وهي قطاعات لصيقة بالتنمية البشرية، وتشكل المكون الأكبر للطبقة المتوسطة، مما يجعل إنفاقها محركا أساسيا للنمو الاقتصادي، على حد تعبيره.

بيد أن المحلل المالي يقف عند "الاختلال الكبير" بارتفاع نفقات التحويل بمبرر الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن واستقرار أسعار مواد ضرورية (الحبوب، الحليب، الطاقة، المياه المحلاة، الزيت، السكر). ويعتبر الخبير قدّي طريقة تنفيذ الجزء الكبير من تلك النفقات غير ملائمة، لأنها تقوم على دعم الأسعار، وهو "أسلوب أظهر عدم عدالته وتشجيعه للهدر والتبذير، مما يجعل إصلاح نظام الدعم من أولويات الحكومة".

الأدوات التمويلية الجديدة

ومن جهة أخرى، أوضح البروفيسور صالح صالحي، مدير مخبر الشراكة والاستثمار بجامعة "سطيف1″- أن مشروع مخطط الميزانية الثلاثي للسنوات 2025-2027 يقوم على سياسة التمويل بالعجز.

 

وعليه، يقول صالحي لـ"الجزيرة نت" إن المرحلة الحالية تستدعي الانتقال التدريجي من وسائل التمويل القائمة على المديونية المرتبطة بالتمويل التضخمي، والتمويل بالقروض، إلى الأدوات التمويلية الجديدة القائمة على الملكية والاقتصاد الحقيقي، واستقطاب المدخرات الموازية.

وذكر الخبير، في هذا السياق، التمويل عن طريق الصكوك السيادية، وصكوك الشركات، لدعم الاستثمارات الحقيقية من خارج الموازنة العامة للدولة، عن طريق تعبئة جزء مهم من موارد السوق الموازية.

وأشار إلى أهمية استقطاب حصة من حجم الصكوك الاستثمارية الإسلامية بالأسواق الإقليمية والدولية، حيث "تجاوزت قيمتها 850 مليار دولار سنة 2023، وهي متنوعة الأنشطة، وترتبط بالاقتصاد الحقيقي".

كما يقترح المحلل التمويل باستقطاب موارد صناديق الاستثمار الإسلامية في السوق الدولية، والتي تقترب من 300 مليار دولار، فضلا عن صناديق الاستثمار القائمة على جلب الموارد المالية المحلية في السوق الرسمية والسوق الموازية.

ويطرح المتحدث الاستثمار عن طريق موارد "القطاع الثالث"، من خلال تفعيل دور مؤسسة الديوان الوطني للأوقاف والزكاة، وهي لا تقل عن 20 مليار دولار في المدى القصير، مشيرا إلى أن مشروع قانون المالية قد شجّعها بالإعفاء الجديد، الوارد في المادة 189 للأملاك الوقفية، من كل الضرائب والحقوق والرسوم.

 

ويركز البروفيسور صالحي على تطوير مداخيل الأملاك التابعة للدولة بصيغ التمويل الإسلامية، خاصة تلك المرتبطة بنظام الامتياز في الأراضي الفلاحية واستبداله بعقود مزارعة مع الفلاح الفعلي.

وينبّه السلطات لاستخدام صكوك المزارعة، لتمويل المواسم الفلاحية التي ترتبط بالمحاصيل المنتجة، حيث تقتطع الدولة حصتها من المنبع، عند تسليم المحاصيل للديوان الوطني للحبوب.

ويتوقع الخبير أن يؤدي ذلك إلى زيادة مداخيل الدولة من النشاط الفلاحي بأكثر من 30 ضعفا، مما يمكنها من إعادة تدويرها في المساعدات للقطاع الزراعي من خارج الموازنة العامة وتخفيض تكلفة الاستثمار.

ويختم المحلل مقترحاته بالتأكيد على التحريك الاستثماري للموارد المالية بمؤسسات الضمان الاجتماعي، وصناديق التأمين، والحسابات الخاصة للخزينة، للاستثمار في الأدوات التمويلية القصيرة المدى، لتمويل احتياجات الدولة ومشترياتها، عن طريق صكوك المرابحات القصيرة المدى، أو صكوك الاستصناع وغيرها من المنتجات الأخرى.

المصدر : الجزيرة