إعلانات

عام من الطوفان.. موريتانيا في قلب المشهد 

أربعاء, 09/10/2024 - 22:39

 

 

الأخبار (نواكشوط) – اجتاز العالم العربي والإسلامي أول أمس الاثنين أول ذكرى سنوية لعملية طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب الشهيد عز الدين القسام ضد الاحتلال الإسرائيلي، وسط تفاعل شعبي ورسمي كانت موريتانيا في صدارة مشهده. 

فمع استمرار حملات الدعم المالي طوال العام والمسيرات والاعتصامات، وبكاء  أقلام وأفكار النخبة الموريتانية فرحا وابتهاجا حينا، وحرقة وانزياحا لموقف أملاه الدين والشعور الإنساني حينا آخر؛ كانت ذكرى 7 أكتوبر 2024 صعيد وفاء ومنصة إخاء اتحد عليها الموريتانيون مجددا دون فوارق، مع انزياح الخلاف الآني حول القضايا الداخلية. 

 

فلسطين البوصلة 

رغم الاختلافات والخلافات، اتحدت الأحزاب السياسية الموريتانية في أعقاب السابع من أكتوبر معلنة رص الصف دعما للمقاومة وصمودها، ولفلسطين وثبات أهلها، فأحيا الموريتانيون فكرة الإجماع والاجتماع المنكب بالمنكب والساق والسابق على منصتي شهر أكتوبر عامي 2023 و2024.

وقاد الطيف السياسي في البلاد، بإجماع 20 حزبا من المعارضة والأغلبية الحاكمة، سلسلة اجتماعات ومسيرة حاشدة نصرة للقضية، ولم يغب الدعم المالي على أجندة القوى السياسية فافتتحوا حملة تبرع لصالح سكان غزة كانت حصيلتها معتبرة.

لم يأت اجتماع الطيف السياسي عامي 2023 و2024 في ظروف داخلية عادية سياسيا، فـ7 من أكتوبر 2023 كان على بعد أقل من 5 أشهر من انتخابات رأى كل الطيف السياسي أنها مزورة، أغلبية ومعارضة، وتحركت الأخيرة جماهيريا قصد إلغاء نتائج الاستحقاقات، فيما جاءت ذكرى الطوفان الأولى بعد مسافة زمنية قريبة من استحقاق رئاسي كان صدى خلافاته اللاحقة ملاحظا. 

ورغم ذلك بقيت فلسطين بوصلة كل الأطراف، وخدمة قضيتها العادلة هدفا لمختلف أطراف اللعبة السياسية، وحين توغل العدو الصهيوني في لبنان واغتال على بعد أيام قليلة من ذكرى الطوفان القيادي اللبناني الأبرز حسن نصر الله؛ لم تغفل القوى الحية الموريتانية أن لبنان على طريق القدس، وأن المظلومية واحدة، فكانت تظاهرة أول أمس دعما لفلسطين ومساندة للبنان.

 

في فلسطين سواء 

اعتاد العالم، أن يشاهد خلافات النواب المعارضين والموالين على شاشات التلفزيون، ومنابزات العمال ومشغليهم في السوح والميادين العامة، وكذلك اعتادت موريتانيا، لكن طوفان الأقصى أبدى صورة جديدة في المشهد قالبها فلسطين وداخل الإطار كل موريتانيا، بكل مكوناتها ونخبها. 

ففي عام 2023 طالبت وزارة التعليم العالي المؤسسات الجامعية بالتفاعل الإداري مع مطالب نقابات طلابية محلية ودولية مناصرة لفلسطين، وفي نفس اليوم11/12/2023 توقفت جل أسواق موريتانيا وعمالها وبعض إداراتها عن العمل شجبا لممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. 

وحضرت فلسطين على مدار العام في خطب البرلمانيين الموريتانيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، ولم تغب في افتتاح أو اختتام أي دورة برلمانية، طوال العام، قضية فلسطين عن خطابات رؤساء البرلمان. 

كما ألغت الهيئة الدستورية جلستين كانتا مقررتين يوم الاثنين 11/12/2023 تناغما مع دعوات الإضراب العالمي مناصرة لفلسطين، ونظم أعضاء البرلمان عدة وقفات تضامنية، وشاركوا بفعاليات دولية مناصرة للقدس وفلسطين من بينها دورات البرلمان العربي وملتقيات في تركيا وماليزيا ودول أخرى. 

وكان الموقف الحكومي الموريتاني صريحا عام 2024 في استمرار شعب موريتانيا بالوقوف خلف خيار المقاومة، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، فشاركت الحكومة ورئاسة الجمهورية في فعاليات الأحزاب والقوى الحية، والوقفات الاحتفائية بذكرى الطوفان.

ووجهت الجهات الرسمية بالتفاعل الإيجابي مع دعوات عشرات النقابات للتوقف 15 دقيقة عن العمل صبيحة 7 أكتوبر 2024، وشهدت العاصمة نواكشوط ومناطق الثقل الاقتصادي في البلاد خلال نفس اليوم وقفات تضامنية نظم الصحافة والأطباء والحقوقيون والعمال والطلاب والموظفون الحكوميون. 

 

نشدان الدرجة 

على مدى عام الطوفان، أكدت المقاومة مرارا علو كعب الموريتانيين في دعم قضية فلسطين، من حيث الجهود الرسمية والشعبية، وعلى الصعيد المالي بشكل خاص. 

يقول أحد المتبرعين في مهرجان للرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني أقيم بنواكشوط: "ننشد درجة فضل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين"، وفي نفس المهرجان تهاطلت التبرعات بالدور والحلي والمال العيني، والتحويلات البنكية. 

وبالإضافة لحملات التبرع المستمرة منذ بداية الطوفان عبر أكبر منظمتين تنشطان في المجال وهما: الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني، والمنتدى الإسلامي الموريتاني، وجدت فعاليات ومبادرات مجتمعية، طلابية، عمالية، حشدت دعما للقضية وسكان قطاع غزة. 

ومن بين عشرات البلدان العربية والإسلامية، برز اسم موريتانيا في الإعلام ولدى المقاومة وسكان قطاع غزة كدولة في أقصى غرب إفريقيا بسكان لا يتجاوز عددهم 5 ملايين، يقرضون الشعر، ويصنعون الشاي بطريقتهم الخاصة، ويبذلون لقيمهم بلا تردد. إنفاق من لا يخشى الفقر. 

 

وفي الميدان جولة 

من أولى الأماكن في العالم التي انطلقت فيها المظاهرات الداعمة للطوفان؛ كانت العاصمة نواكشوط، حيث ومع بزوغ فجر الـ7 من أكتوبر  تتالت الدعوات المناصرة لقضية فلسطين، وفي 9 صباحا بدأ المبتهجون التوافد على الجامع السعودي وسط العاصمة، وسرت العدوى إلى جل مدن البلاد وقراها الداخلية احتفاء بمشاهد العبور العظيم.

بعد يوم الطوفان توالت مشاهد الوقوف مع فلسطين ميدانيا على مستوى العاصمة، في حراك طلابي، مجتمعي، سياسي متناغم، استمرت مسيراته الأسبوعية لأكثر من 30 أسبوعا. لتتوقف بفعل الانتخابات الرئاسية وتتواصل الوقفات والاحتجاجات الظرفية.

الحراك الطلابي كان الأكثر حيوية على مدى العام وخلق معالم ثابتة في الاحتجاج، فغدت -من بينها- سفارة الولايات المتحدة الأمريكية موصومة ب"عار دعم الاحتلال"، ومع كل مجزرة يجدد الطلاب موقف الشعب الموريتاني المحمل للولايات المتحدة مسؤولية ما يجري في القطاع بالشراكة مع الكيان الصهيوني. 

ورغم مضي عام على أحداث الطوفان، ما يزال الشارع الموريتاني محافظا على زخم تعاطيه مع الأحداث في غزة وتفاعلاتها، متجاوزا بالرفض القاطع خطابات كانت تروج قبل بداية المعركة حول إمكانية دخول البلاد في مفاوضات لإعادة ربط العلاقات مع الكيان المحتل.