الجزائر ـ “القدس العربي”:
رغم تحميل تصريحه ما لا يحتمل، أثار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والمرشح بقوة لخلافة نفسه، جدلا واسعا على مواقع التواصل، بعد دعوته لفتح الحدود بين مصر وغزة من أجل أن تقوم الجزائر بدورها. وبدا أكثر ما أثار اللغط في كلامه، حديثه عن إرسال الجيش الذي تم تأويله بأشكال مختلفة.
وفي التجمع الانتخابي الأول الذي نشطه بقسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، قال تبون إن جيش بلاده “جاهز بمجرد فتح الحدود بين مصر وقطاع غزة”. مؤكدا: “لن نتخلى عن فلسطين بصفة عامة ولا عن غزة بصفة خاصة”. قبل أن يضيف: “أقسم لكم بالله، لو أنهم ساعدونا وفتحوا الحدود بين مصر وغزة… فهناك ما يمكننا القيام به”.
وتابع وسط حماسة كبيرة من أنصاره الذين غصّت بهم القاعة: “لقد قطعت وعدا.. والجيش جاهز بمجرد فتح الحدود والسماح لشاحناتنا بالدخول، سنبني في ظرف 20 يوما 3 مستشفيات، وسنرسل مئات الأطباء ونساعد في بناء ما دمره الصهاينة”. وأردف: “سبق وقلتها، فلسطين ليست قضية الفلسطينيين، هي قضيتنا نحن، ربما البعض ينسى ويقول: هذا التلاحم بين فلسطين والجزائر بلا معنى في ظل البعد… لسنا بعيدين، البعد فقط في المسافة لكن القلوب عند بعضها”.
ومع أن هذا التصريح كان محددا في المهام الإنسانية لإسعاف أهل غزة الذين يواجهون العدوان، إلا أن البعض توقفوا عند مقطع إرسال الجيش دون سياقه العام، مع تأويلات تشير إلى أن الجزائر تريد التدخل عسكريا في غزة. وذهب آخرون لاعتبار ما قاله الرئيس الجزائري، إحراجا لمصر التي تغلق حدودها مع غزة وتمنع وصول المساعدات. ورأت تعليقات أن هذه التصريحات كانت صادرة في إطار الحملة الانتخابية وهي موجهة لجمهور متعاطف بقوة مع القضية الفلسطينية، ما يجعلها بعيدة عن الطابع الرسمي.
وفي الواقع، كانت المهمات الإنسانية الكبرى في الجزائر دائما توكل للجيش. فعند قرار الرئيس تبون إقامة جسر جوي لإرسال المساعدات لغزة في الاشهر الأولى للعدوان، كلّف الجيش بهذه المهمة. وعند إرسال الهلال الأحمر الجزائري مساعدات ثانية، كان ذلك بإشراف مباشر من الجيش. كما أن نقل الأطفال المصابين تم عن طريق الجيش وقد نقل الضحايا إلى المستشفيات العسكرية في البلاد. ويمتلك الجيش الجزائري إمكانيات لوجيستية تسمح له بالقيام بهذه المهمات خاصة في مناطق التوتر التي تتطلب سرعة في التنفيذ وجاهزية عالية.
ولم يكن تصريح الرئيس الجزائري على الرغم من انتشاره، مستجدا، ففي حزيران/ يوينو الماضي، كان قد تحدث خلال إشرافه على افتتاح الطبعة الـ55 لمعرض الجزائر الدولي، على أن الجزائر مستعدة لـ”إنجاز مستشفيين أو 3 لصالح قطاع غزة في أقرب الآجال لمساعدة الفرق الطبية هناك وتمكينها من معالجة الجرحى”. وكان حديث تبون خلال وقوفه بجناح المؤسسة العسكرية في المعرض، وقد التقطت الكاميرات التبادل الذي كان بينه وبين ممثل وزارة الدفاع الجزائرية، والذي أكد أن المستشفى الذي سيتم إنشاؤه “ستتراوح مدة إنجازه ما بين 10 و15 يوما، ويضم قاعة مهيأة للجراحة والتعقيم ومجهز بكل المستلزمات الطبية الحديثة”.
وفي تفاعلات هذه القضية، ذكر الكاتب المختص في الشأن السياسي، نجيب بلحيمر، أن “مشكلة تصريح فتح الحدود هي إقحام الجيش فيه”، معتبرا أن “إقحام الجيش في كل شيء يضر الجيش والدولة معا”.
بالمقابل، قال الكاتب إن هناك “تعليقات تحذر من اتخاذ مواقف مساندة لقضية فلسطين، وهناك من يعتقد أن الجزائر ذهبت بعيدا في هذا المجال من خلال ما تقوم به في مجلس الأمن الدولي، وهناك من يقول صراحة إننا سندفع ثمنا غاليا مقابل تلك المواقف، وهناك من يذكرنا بأننا دفعنا ثمن إعلان الدولة الفلسطينية عشرية حمراء، وآخرون يقولون إن ما تعرضنا له في التسعينيات كان بسبب موقفنا المعارض للحرب على العراق”.
وأضاف: “يقدم أصحاب هذا الرأي أنفسهم كواقعيين، والحقيقة أن هذه الرؤية هي أقرب إلى الخضوع والانهزامية فضلا عن كونها غير مستوعبة لحقيقة موازين القوى الدولية والهوامش التي توفرها حالة الترهل التي يمر بها النظام العالمي والمخاض الذي يعيشه العالم”. واعتبر بلحيمر أن “ما نحتاجه ليس الخوف بل الذكاء، وما يقال عن مؤامرات دولية حيكت وتحاك ضد الجزائر بسبب مواقفها ينطوي على مبالغة كبيرة وهو في حالات كثيرة جزء من الدعاية التي تهدف إلى تبرير استمرار نظام سياسي جامد”.
ويعتقد الكاتب أن “المرحلة التي يمر بها العالم اليوم مرحلة معقدة وهي تقع بين نظام يكاد يبلغ حدوده القصوى ونظام سيستغرق تشكله مزيدا من الوقت، وهذا الوقت سيكون خطيرا لكن فيه فرصا لمن يملك رؤية وكفاءة لتحقيق أهدافه”. ويرى أن “نقطة ضعفنا الأساسية هي جبهتنا الداخلية ومنها يجب أن نبدأ، أما التمسك بالمبادئ المعروفة لسياسة الجزائر الخارجية فلا يمثل أي خطر على مصالحنا الحيوية، والمطلوب هو كفاءة عالية في الدفاع عن تلك المصالح وتجاوز سياسة رد الفعل التي ينتج عنها سلوك متشنج”.