أبو العباس أبرهام
قبل أكثَر من مائة سنة بدأت أولى مقاومات فلسطين لاحتلالها. وتماماً كما حدَث في الحروب الصليبية فإنّ الشرق كان في بدايتِه ضعيفاً إزاء الغرب. ولكنّه، بالإرادة الاجتماعية والبطولات والتعلّم من الهزائم، استطاع أن يقِف على قدَميه. اليوم لا تقِف إسرائيل على قدَميها. بل تحتاجُ "كلّ شيء يطير"، كما قال نيكسون يوماً.* إسرائيل ليست قائمة بوجودِها الذاتي، بل بالجسر الجوّي الأميركي.
في المواجهة الملحمية في 2023-2024 فقدت إسرائيل أولاً قوّة الردع. فرغم امتلاكها أكثر النيران وحشية في العالَم، إلاّ أنّها لم تعُد رادِعة. إنّها أشبَه بالجيل الأخير من التنانين، الذي ما زال يلفَحُ النار، ولكنّه آيل للانقراض. ثمّ إنّها فقدت قدرتها على التصعيد؛ واستعانت أكثَر مرّة بالولايات المتحِدة للتهدئة على جبهات أخرى. إنّها غير قادرة على المحاربة على كلّ هذه الجبهات. إنّها تحتاج النار الأميركية معها. نصف القذائف الإيرانية على إسرائيل أسقطته أميركا والباقي تقاسمته إسرائيل وحلفاؤها العرب. لم تعُد إيران تحتفِظُ بحقّ الردّ، وصار العالَم يعترِف بحقّها في الردّ.
ثمّ إنّ حلول إسرائيل لمأساة فلسطين لم تعد تعمل. فحلّ الدولتين لم يعد ممكناً بابتلاع فلسطين وتحويل ما تبقّى منها إلى سجن كبير في غزّة ومتنفّس للطبقة الليبرالية في رام الله. وعليه فإنّها تسعى إلى حلٍّ جديد، وهو المذبحة والإحراق والإبادة والتهجير بتحويل غزّة إلى مكان غير قابِل للعيش. ثمّ إن إسرائيل لم تعد ملجأ اليهود. منذ السابع اكتوبر غادر أكثر من نصف مليون يهودي إسرائيل. وكثُرت تقديمات الإسرائيليين على الجنسيات الأوروبية والأميركية. وظهرت في أوساط الجيل الجديد ثقافة يهودية هوياتية تقوم على المواطنة العالمية، لا على المرجعية الإسرائيلية.
كلّ هذه الإشارات تصبّ في نهاية إسرائيل: الحلّ لا يأتي. وقدرة إسرائيل على الإلزام بالأمر الواقِع انهارت. كان ليلاً طويلاً. دُجىً رهيب. وظلم سحيق. لقد قاوم أحرار العالم الجريمة الصهيونية عبر العقود. ستشرق الشمس على دولة فلسطين الكبرى، دولة واحِدة لجميع مواطنيها، بما فيهم اليهود الذين عاشوا وتألّقوا كثيراً في كنف العرب.
لستُ ساذجاً وأعرِف أنّ السياسة أعقد من تُقرأ بمجرّد البطولات. ولكن هذه هي تعزيتي في شهداء إيران.
يتواصَل النضال.
----
يقال بأنّ نيكسون قال إبّان عبور أكتوبر: "بحقّ الشيطان، ارسلوا كلّ شيء يطير إلى إسرائيل