نتن ياهو ووزير ماليته بتسلئيل سموتريتش (رويترز)
«الشرق الأوسط»
بعد أن أدخل إسرائيل في أزمة سياسية جديدة كادت تعصف بحكومته، وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على إجراء مداولات في الخطة التي لا يحبها لـ«اليوم التالي» بعد انتهاء الحرب في غزة، والبحث عن بديل لخطته في فرض حكم عسكري على القطاع. وقالت مصادر مقربة منه إن أحد الأسباب لتراجع نتنياهو عن موقفه، يعود إلى تقرير داخلي في الجيش عُرض عليه ويتضح منه أن حكماً عسكرياً سيكون باهظ الثمن؛ إذ سيعرّض الجنود وموظفي الإدارة المدنية في الجيش إلى عمليات وهجمات مسلحة، وسيكلف نحو 20 مليار شيكل (5.4 مليار دولار) في السنة.
واتضح أن ما جاء في الوثيقة يتلاءم مع تصريحات وزير الدفاع، يوآف غالانت، الذي حذر في مؤتمر صحافي من خطورة هذا الحل. وأكد أن وزارته أجرت مناقشات معمقة ودراسات عملية، فوجدت أن الحكم العسكري في قطاع غزة سيكلف ثمناً باهظاً، في الدم والمال. وجاءت الوثيقة تحت عنوان: «فحص البدائل المختلفة لحكم (حماس) في قطاع غزة».
تكلفة باهظة
وحللت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الوثيقة، وأوضحت أن تكلفة تشغيل الحكم العسكري تقدر بنحو 20 مليار شيكل في السنة، وإنشاء مصرف إضافي بتكلفة 150 مليون شيكل (40 مليون دولار)، دون أن يتضمن ذلك تكلفة التشغيل الجاري. وإضافة إلى هذه الأرقام، ستكون هناك بالضرورة تكلفة إضافية لإعمار القطاع من حيث البنى التحتية كالمستشفيات والمدارس والطرقات، وإقامة بنى تحتية للحكم العسكري.
كما أن تشغيل حكومة عسكرية سيتطلب 5 ألوية و400 وظيفة. ومن ناحية القوة العسكرية، ستكون هناك حاجة لأربع فرق هجومية وفرقة دفاع. وفرز القوة البشرية للقطاع سيتطلب تصغير الكتائب في قيادة الشمال على الحدود مع لبنان، وقيادة المنطقة الوسطى المسؤولة عن الضفة الغربية، ما يعني زيادة دراماتيكية في حجم قوات الاحتياط للتشغيل العملياتي.
وبحسب الصحيفة، فإن المعنى المُستنتج من الوثيقة، واضح؛ وهو أن إسرائيل لن تصمد في العبء. فقدرة الجيش على الاستعداد لإمكانية اندلاع حرب على الجبهة الشمالية مع «حزب الله» اللبناني ستتضرر، وكذا الاستعداد لإحباط العمليات في الضفة الغربية وبقية المناطق في إسرائيل. كما أن السيطرة في غزة معناها أزمة مالية غير مسبوقة تمس كثيراً الخدمة للمواطن وستلقي عليه أعباء مالية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع وزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بيني غانتس يعقدون مؤتمراً صحافياً في قاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب 28 أكتوبر 2023 (رويترز)
تباين المواقف الإسرائيلية
وكان نتنياهو قد كرر أنه لا يستبعد حكماً عسكرياً في غزة، وتحدث عن أن الجيش الإسرائيلي سيكون مسؤولاً عن الأمن في غزة، ما يعني أنه يكون مطالباً أيضاً بإدارة الحياة المدنية في القطاع بغياب بديل «حماس» أو السلطة الفلسطينية. ففي مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي» قال نتنياهو إنه «بعد أن ينتهي القسم المكثف للحرب، نحتاج إلى إعادة البناء... وكنت أود أن أرى حكماً مدنياً في غزة مع مسؤولية عسكرية إسرائيلية».
أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فيقول علناً إن هناك حاجة لإقامة حكم عسكري إسرائيلي في غزة يشرف على توزيع المساعدات الإنسانية إلى أن يقوم كيان مدني يتنكر للإرهاب، على حد قوله. وأضاف: «فإما نحن أو هم، كل الأحاديث عن محفل مدني معتدل ليس (حماس) يدخل مكاننا صباح غد، هي أوهام. كل محفل يدخل بموافقة (حماس) سيكون وكيلها وسيخلد حكم الإرهاب».
ومن جانبه، اعتبر وزير الدفاع غالانت، خلال مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء وأثار موجة تحريض ضده في اليمين، أنه لن يواصل مهام منصبه إذا كان الحل الإسرائيلي هو السيطرة عسكرياً وأمنياً على غزة. وأوضح أن «السلوك الحالي أدى إلى وضع تسيطر فيه إسرائيل في هذه اللحظة على قطاع غزة، لكن الحديث يدور عن وضع خطير بحكم عسكري ومدني في غزة، هذا خطير علينا. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) وأنا أطرح الموضوع في الكابينت (الحكومة المصغرة) دون جواب. فنهاية الفعل العسكري يجب أن تكون بالفعل السياسي».
يُذكر أن غالانت ليس الوحيد الذي يفكر هكذا في الحكومة وفي جهاز الأمن. فالوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت أيضاً يريان في سيناريو سيطرة إسرائيلية على غزة كابوساً. وتساءلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قائلة: «هل توجد لإسرائيل القدرة للعودة إلى إدارة الحياة في القطاع؟ وهل اقتصاد الدولة سيصمد أمام هذا العبء؟».